الرسوم الجمركية الأمريكية تفاقم العجز المالي في دول الخليج

تقود الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة إلى التأثير سلبياً على النمو العالمي فينخفض الطلب على النفط وتتراجع أسعاره، عندئذ تهبط العوائد النفطية في جميع دول الخليج. يزداد إذن العجز المالي وما يترتب عليه من تداعيات خطيرة مالية ونقدية واستثمارية واجتماعية، لذلك يفترض التصدي لهذه الرسوم بسرعة وبجميع الطرق القانونية والاقتصادية.

وفق القائمة الجديدة للرسوم الجمركية الأمريكية تخضع دول الخليج لسعر قدره 10%، وهو أدنى الأسعار المدرجة في القائمة، لكن ذلك لا يعني بأن الضرر الذي سيصيب هذه الدول سيكون أقل مقارنة بالبلدان الأخرى التي تخضع لسعر أعلى، فقد تقود هذه الرسوم إلى انخفاض هائل لأسعار النفط. الخطر يكمن إذن في تداعيات السياسة الاقتصادية الأمريكية الجديدة على الصعيد العالمي.

السعودية

في الميزانية الحالية لعام 2025 بلغت الإيرادات العامة 1184 مليار ريال والنفقات العامة 1285 مليار ريال، أي أنها نظمت بعجز قدره 101 مليار ريال.

تستحوذ العوائد النفطية على ثلثي الإيرادات الكلية، وتمثل الإيرادات غير النفطية ثلث الإيرادات الكلية وهي نسبة عالية مقارنة بالبلدان النفطية الأخرى، وتشكل الضرائب القسط الأكبر من هذه الإيرادات غير النفطية، وتستحوذ ضريبة القيمة المضافة على 76% من الإيرادات الضريبية.

حسب صندوق النقد الدولي حتى تتوازن ميزانية السعودية لعام 2025 ينبغي أن يصل سعر النفط إلى 90.9 دولاراً للبرميل (السعر التعادلي). كما يفترض الصندوق أن يبلغ متوسط الإنتاج 9.6 مليون ب/ي.

في منتصف يناير 2025 كان سعر برنت 81.8 دولاراً (سعر السوق)، بمعنى أن سعر السوق يقل عن السعر التعادلي بمبلغ 9.1 دولار. وفي 8 أبريل من العام الجاري وعلى إثر الإعلان عن الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة هبط سعر السوق إلى 61.5 دولاراً، أي ارتفع الفرق بين السعرين إلى 29.4 دولارا.
انخفضت إذن الإيرادات النفطية وتراجعت الإيرادات الكلية فارتفع العجز المالي إلى مستوى يفوق المبلغ المقدر المذكور آنفا.

لتمويل العجز تلجأ الدولة عادة إلى الاقتراض والسحب من الاحتياطي النقدي. وبسبب العجز المزمن ارتفعت الديون العامة حتى وصلت في العام الجاري إلى 1300 مليار ريال. كما بدأ الاحتياطي النقدي بالتناقص.

التأثير المالي للرسوم الجمركية الأمريكية على مالية السعودية تشبه إلى حد كبير تأثير جائحة كورونا، فقد أدى هذا الوباء إلى عجز مالي كبير. لجأت الدولة إلى عدة وسائل لتغطيته منها رفع سعر ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% دفعة واحدة، وتعهدت بخفضه حال انتهاء تداعيات الوباء، لكنها لم تف بوعدها، فلا يزال السعر حالياً 15%.

وعلى هذا الأساس قد تفضي الرسوم الجمركية الأمريكية إلى ارتفاع جديد لسعر هذه الضريبة. وبخلاف ذلك تزداد المديونية العامة وينخفض الاحتياطي النقدي، وبالتالي تهبط القدرة المالية للدولة.

وزيادة سعر هذه الضريبة يؤدي كما هو معلوم إلى ارتفاع معدل التضخم فينخفض الاستهلاك ويتراجع النمو.

الكويت

نظمت ميزانية العام الجاري 2025-2026 على النحو التالي: إيرادات كلية بمبلغ 18.2 مليار دينار. منها 15.3 مليار دينار من النفط، ونفقات كلية بمبلغ 24.5 مليار دينار. أي قُدر العجز بمبلغ 6.3 مليار دينار.

استند حساب الإيرادات النفطية وبالتالي حجم العجز على افتراض أن سعر البرميل 68 دولاراً (السعر المرجعي).

لكن الإعلان عن الرسوم الجمركية الأمريكية أدى إلى هبوط حاد لأسعار النفط في السوق العالمية. في 9 أبريل أصبح سعر برنت 61 دولارا، ثم ارتفع قليلا بعد إعلان واشنطن عن تأجيل تطبيق تلك الرسوم لمدة تسعين يوماً باستثناء الصين.

أصبح سعر النفط أقل بكثير من السعر المرجعي. الأمر الذي يقود بالضرورة إلى انخفاض العوائد النفطية وبالتالي هبوط الإيرادات الكلية، عندئذ يرتفع العجز المالي. يسبب هذا الوضع أزمة جديدة ترتبط بالاحتياطي النقدي الذي يستخدم لتغطية العجز.

للكويت مقدرة مالية عالية، لديها صندوق سيادي عملاق تصل موجوداته إلى 1029 مليار دولار، وهو بذلك يحتل المرتبة العالمية الخامسة والخليجية الثانية بعد صندوق أبو ظبي، لكن القانون الكويتي على خلاف قوانين دول الخليج الأخرى يمنع منعاً باتاً السحب من الصندوق السيادي لتمويل عجز الميزانية.

أمام هذا العجز المالي المزمن والمتزايد الذي تضخم بسبب الرسوم الأمريكية وافق مجلس الأمة بعد معارضة شديدة دامت ثمانية أعوام على قانون الدين العام. استطاعت هذه الرسوم انتزاع موافقة المجلس على هذا القانون في حين عجزت حتى جائحة كورونا عن ذلك. وهكذا أصبح بإمكان الحكومة الاقتراض بهدف سد العجز المالي، وحدد القانون سقف الدين العام بمبلغ 30 مليار دينار.

أدت الرسوم الأمريكية إلى التخفيف من الضغط على الاحتياطي النقدي الكويتي، لكنها ستسهم مساهمة فاعلة في خلق أزمة جديدة في الكويت تتجلى في تفاقم المديونية العامة، وسيكون هذا التفاقم سريعاً بسبب ضخامة العجز المالي المرتقب وحجم سقف الدين الذي يمثل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي.

البحرين

تعتمد الدولة اعتماداً كبيراً على صادراتها من الألمنيوم إلى الولايات المتحدة، لكن تأثير الرسوم الأمريكية على هذه الصادرات سيكون محدوداً بل إيجابياً من بعض الجوانب.

الرسوم الأمريكية الجديدة المطبقة على صادرات البحرين 10%، وهذه لا تختلف كثيراً عن أسعار الرسوم التي كانت مطبقة سابقا.

ويتوقع أن تتحسن القدرة التنافسية لألمنيوم البحرين بسبب الرسوم الأمريكية العالية المفروضة على هذا المادة المستوردة من دول أخرى غير خليجية. تفرض الولايات المتحدة 25% على وارداتها من الألمنيوم الكندي، ولكن لا يجوز المبالغة في ذلك التحسن لأن ألمنيوم البرازيل يخضع لسعر 10%.

إن هذا الجانب الإيجابي غير الأكيد للرسوم الجمركية الأمريكية يجب ألا يخفي المشكلة الأساسية التي ستعاني منها البحرين وهي هبوط أسعار النفط. ستكون سلبيات هذه الرسوم أكبر بكثير من إيجابياتها.

عُمان

حسب وزارة الاقتصاد العمانية للرسوم الجمركية الأمريكية تأثيرات محدودة وغير مقلقة على اقتصاد البلد، لأن هذه الرسوم لا تفرض على الواردات الأمريكية من النفط والغاز. وترى الوزارة أن هذه الرسوم ستقود إلى زيادة العلاقات بين السلطنة والدول الأخرى المتضررة، وتتجلى هذه الزيادة بتحسين الاستثمارات الأجنبية.

ذكرنا بأن عمان تخضع لسعر جمركي قدره 10% وفق القائمة الأمريكية. في حين وقع البلدان اتفاقية تجارة حرة دخلت حيز التنفيذ في مطلع 2009.

لا شك أن الرسوم الأمريكية لا تسري على الواردات النفطية. لكن المشكلة الأساسية ترتبط بتداعيات هذه الرسوم على الأنشطة الاقتصادية في العالم. ستقود هذه الرسوم إلى تباطؤ النمو. يترتب عليه تقليص الطلب على النفط فينخفض سعره وتتراجع بالتالي إيراداته، عندئذ تهبط الإيرادات العامة في جميع دول الخليج من دون استثناء.

وانخفاض سعر النفط فوري، أي لا تنتظر السوق تراجع النمو بل تستبق الأحداث، وهذا ما وقع فعلا. فقد انخفض السعر حال الإعلان عن الرسوم الجمركية، ثم ارتفع مجدداً حال الإعلان عن تأجيل تطبيقها، لكن هذا الارتفاع ضئيل ويترجم حالة الهلع التي تسود الاقتصاد العالمي.

لا شك أن جميع دول الخليج متضررة وبشدة من هذه الرسوم، لكن درجة شدة الضرر ستختلف من دولة إلى أخرى، فكلما زاد الاعتماد على النفط ارتفعت الدرجة، لذلك يصبح الضرر في السعودية أقل من الضرر في الكويت، لأن الأولى على عكس الثانية تعتمد في ميزانيتها العامة اعتماداً كبيراً على الإيرادات غير النفطية كالضرائب.

وكلما زاد السعر المرجعي للنفط كلما زادت درجة الضرر المالي، لذلك ستكون عمان أقل ضرراً مقارنة بالكويت.

أما تنمية العلاقات الاقتصادية التجارية والاستثمارية بين بلدان الخليج من جهة والدول الأخرى المتضررة من الرسوم الأمريكية من جهة أخرى فهي مطروحة بجدية من قبل جميع البلدان المعنية.

هنالك عدة مؤشرات حول عودة المفاوضات بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي بشأن إقامة مناطق تبادل حر. على سبيل المثال المفاوضات القادمة بين الاتحاد الأوربي والإمارات.

ويعد الاتحاد الأوربي ثاني شريك تجاري لدول الخليج بعد الصين. وتعد دول الخليج سادس شريك تجارياً للاتحاد الأوروبي.

كما توجد تفاهمات جديدة بين الاتحاد الأوربي والصين تتناول البحث عن مناطق أخرى في العالم بدلاً من الولايات المتحدة. السعودية والإمارات في مقدمة هذه المناطق.

تأجيل التنفيذ

بعد فترة قصيرة جداً قررت الإدارة الأمريكية في 9 أبريل 2025 تجميد تنفيذ الرسوم الجمركية الجديدة لمدة تسعين يوماً. اتخذ قرار التأجيل لعدة أسباب أهمها الصدمة التي تعرض لها الاقتصاد العالمي التي أدت إلى تدهور قيم جميع الأسواق المالية بما فيها الأمريكية.

أدى قرار التأجيل إلى ارتفاع فوري لأسعار النفط، فقد انتقل سعر برنت من 61.5 دولاراً للبرميل قبل التأجيل إلى 67.7 دولاراً بعده، أي بزيادة قدرها 6.2 دولار للبرميل. ترتب على ذلك تحسن الإيرادات النفطية في جميع بلدان الخليج. خلال فترة التأجيل سترتفع إيرادات النفط السعودية بمبلغ 5315 مليون دولار (6.2 دولاراً للبرميل × 6.3 مليون ب/ي × 90 يوماً).

كما أفضى قرار التأجيل إلى انتعاش أسواق المال الخليجية: فقد ارتفعت قيم سوق الدوحة للأوراق المالية بنسبة 2.1% وسوق دبي المالي بنسبة 2.6% وسوق الكويت بنسبة 2.5% والسوق المالية السعودية بنسبة 4%.

علماً بأن هذه النتائج جاءت بعد هبوط القيم قبل التأجيل، أي أن القيم الحالية تكاد تكون متساوية مع القيم التي كانت سائدة قبل الإعلان عن الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، وتنطبق هذه الملاحظة أيضاً على زيادة إيرادات النفط.

ومن زاوية أخرى جاء في قرار التأجيل تطبيق نسبة 10% تسري حالياً على الواردات الأمريكية من جميع الدول باستثناء الصين.

ولما كانت الرسوم الجمركية (قبل تأجيلها) تفرض بنسبة 10% أيضاً على السلع غير النفطية المصدرة من جميع دول الخليج إلى الولايات المتحدة. فسوف لن يكون لهذا التأجيل أي أثر على هذه الصادرات. لأن السعر الجمركي لم يتغير قبل وبعد التأجيل.

التصدي أم الرضوخ؟

تجميد الرسوم الجمركية الأمريكية لثلاثة أشهر لن ينجح في عودة الاستقرار إلى الاقتصاد العالمي. إنها تضر بشدة بالأنشطة الاقتصادية لدول الخليج من دون استثناء ومن عدة جوانب، لذلك يتعين التصدي لها بحزم.

لكن إمكانية التصدي تصطدم بعدة عقبات في مقدمتها العقبة السياسية التي تتمثل في الدور الكبير الذي تلعبه واشنطن في الدفاع عن أمن الخليج وعن أنظمة دول المنطقة. لذلك تحرص هذه الدول على نيل رضى واشنطن خاصة في القضايا الاقتصادية التي تشكل العمود الفقري للسياسة الأمريكية الجديدة.

التصدي يمكن أن يتخذ صورتين:

الصورة الأولى: رفع الأسعار الجمركية الخليجية المفروضة على الواردات الأمريكية. وهذا ما تفعله الصين، لكن هذه الوسيلة غير ممكنة لأسباب سياسية، كما أنها لن تعالج الأزمة التي تعاني منها دول الخليج وهي انخفاض أسعار النفط بسبب تباطؤ النمو الناجم عن الرسوم الأمريكية.

الصورة الثانية: تقديم شكوى تجارية أمام منظمة التجارة العالمية. تتضمن الشكوى مطالبة جهاز فض المنازعات التابع للمنظمة بدراسة الشكوى وإصدار “الحكم” بشأنها. وهذا ما تفعله كندا التي قدمت شكوى في 13 مارس تطالب فيه بإلغاء الرسوم الأمريكية على استيراد الألمنيوم والصلب، وكذلك شكوى كندا في 7 أبريل بشأن إلغاء الرسوم الأمريكية على استيراد قطع غيار السيارات.

لكن هذا الحل قد يثير غضب الإدارة الأمريكية. كما أن دول الخليج لا تلجأ إلى هذا الجهاز إلا نادرا.

خلال ثلاثين سنة (أي منذ تأسيس المنظمة) لا توجد سوى ثلاث شكاوى مقدمة من قبل دول الخليج: شكوى قطر ضد السعودية والإمارات والبحرين بشأن الحصار (2017)، وشكوى السعودية ضد رسوم الاتحاد الأوروبي (2021)، وشكوى الإمارات ضد الرسوم الجمركية الباكستانية (2021).

لا توجد إطلاقاً أية شكوى خليجية ضد الولايات المتحدة على الرغم من كثرة المشاكل التجارية، في حين هنالك 35 شكوى أوروبية ضد الولايات المتحدة لم تنجم عنها تداعيات سياسية سلبية.

لذلك لا تجد دول الخليج سوى التأقلم والتكيف مع النتائج السلبية الخطيرة للرسوم الجمركية الأمريكية.

بعد انتهاء فترة التأجيل ستقود الرسوم الجمركية الأمريكية إلى هبوط أسعار النفط وبالتالي إلى انخفاض العوائد النفطية في جميع دول مجلس التعاون فيزداد العجز المالي، وسوف تكون إيجابيات هذه الرسوم شبه منعدمة في جميع دول العالم. لا بد إذن من الوقوف بقوة ضد الاعتداء على المصالح الحيوية.

منشورات أخرى للكاتب
البيت الخليجي للدراسات والنشر
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.