ميزان المدفوعات في الكويت: من الفائض إلى العجز

ملخص تنفيذي

تعاني ميزانية الكويت من عجز مزمن وكبير. في السنة المالية الجارية 2024-2025 بلغ حجم العجز المتوقع 5636.3 مليون دينار أي 5.1% من الناتج المحلي الإجمالي. إنها أعلى نسبة في دول مجلس التعاون الخليجي، علماً بأن السنة المالية السابقة سجلت أكثر من أربعة أضعاف العجز الحالي.

لا شك أن للكويت صندوق سيادي عملاق قادر على سد العجز عن طريق السحب منه، كما تتمتع الدولة بسمعة مالية طيبة وتصنيفات ائتمانية جيدة من قبل الوكالات الدولية المتخصصة تمكنها من الاقتراض بسهولة من الداخل والخارج، يضاف إلى ذلك وجود مصادر مالية غير مستغلة كالضرائب.

لكن على الصعيد العملي، تبدو جميع هذه الأبواب مغلقة، فلا يجوز من الناحية القانونية السحب من الصندوق السيادي، كما أن مجلس الأمة كان يرفض تجديد قانون الدين العام ويمنع فرض أية ضريبة جديدة، خاصة ضريبة القيمة المضافة. لذلك لم تجد الحكومة مهربًا من اللجوء إلى الاحتياطي النقدي العام لتغطية العجز المالي.

يرتفع هذا الاحتياطي نتيجة فائض ميزان المدفوعات، وبالعكس ينخفض بسبب عجزه، وهكذا تظهر أهمية هذا الميزان في مالية الدولة.

لا تقتصر العلاقة بين ميزانية الدولة وميزان المدفوعات على الاحتياطي النقدي، بل تشمل أيضاً الإيرادات النفطية التي تشكل 87% من إيرادات ميزانية السنة الحالية. وتتأتى هذه الإيرادات من الصادرات النفطية أي من الميزان التجاري التابع لميزان المدفوعات.

في 2023 (آخر الإحصاءات السنوية الحكومية المتوفرة حالياً) سجل ميزان المدفوعات عجزاً بمبلغ 150.2 مليون دينار. وبالنظر لتلك العلاقة يؤثر هذا العجز تأثيراً سلبياً على ميزانية الدولة.

ولكن خطورة عجز ميزان المدفوعات لا تقتصر على ذلك، بل تمتد لتشمل جوانب أخرى ترتبط بالسياسة الاقتصادية. لم ينجم هذا العجز عن زيادة الإنفاق الاستثماري في الخارج، بل ترتب هبوط الصادرات النفطية وتزايد استيراد السلع غير الضرورية وارتفاع عجز حساب الخدمات.

تهتم هذه الدراسة بتحليل بنود ميزان المدفوعات بغية رصد نقاط الضعف لمعالجتها. فقد هبط فائض الميزان التجاري بنسبة عالية قدرها 28.7% نتيجة تباطؤ الصادرات النفطية وتزايد الواردات السلعية. لابد إذن من العمل على تحسين الصادرات غير النفطية وتنمية الإنتاج الصناعي المدني والعسكري وتقليص الواردات غير المنتجة. يمكن هنا ملاحظة أن استيراد السيارات يصل إلى حوالي سبع مليارات دولار في العام الواحد.

ويسجل حساب الخدمات عجزاً مزمناً وكبيراً لأسباب عديدة في مقدمتها ضخامة الأموال في السياحة الخارجية التي وصلت إلى أكثر من 14 مليار دولار وأصبحت تمتص ُخمس الصادرات النفطية. لذلك يتعين العمل على تشجيع السياحة الداخلية للأجانب والمواطنين.

تتطلب دراسة ميزان المدفوعات التطرق إلى تحويلات العمال الأجانب والقروض الخارجية والديون الخارجية والاستثمارات الكويتية في الخارج والاستثمارات الأجنبية في الكويت والتعويضات المالية المترتبة على العراق.

كما يتعين تحليل الاحتياطي النقدي: دوره النقدي والمالي والتجاري، ومكونات الاحتياطي التي تهيمن عليها العملات الأجنبية حيث لم تزدد كمية الذهب النقدي منذ عدة عقود رغم تغير المعطيات الاقتصادية والسياسية في العالم.

مقدمة

تسعى الدول إلى تحقيق فائض في ميزان المدفوعات بطرق عديدة كزيادة الصادرات السلعية وجذب الاستثمارات الأجنبية وتقليص الواردات. عندئذ، تتحسن مؤشراتها الاقتصادية وفي مقدمتها ارتفاع الاحتياطي النقدي الذي ُيستخدم لأغراض التوازنات النقدية والمالية كتغطية عجز الميزانية العامة.

لكن لدول مجلس التعاون الخليجي صناديق استثمارية عملاقة تلعب دوراً بارزاً على الصعيدين المحلي والدولي. تتطلب هذه الصناديق السيادية رصد أموال طائلة للقيام بأنشطتها المختلفة. وعلى هذا الأساس، إذا ارتفعت هذه الأموال المستثمرة في الخارج يزداد جانب المدين في الحساب المالي فيسبب عجزاً في ميزان المدفوعات. لكن هذا العجز الآني يقود لاحقاً إلى تحسين حساب آخر في الميزان وهو حساب الدخل الأساسي وعلى وجه الخصوص الباب المتعلق بدخل الاستثمار المباشر. عندئذ، لا يقود العجز إلى نتائج سلبية بل إلى العكس.

في 2023 سجل ميزان مدفوعات الكويت عجزاً قدره 150.2 مليون دينار. لماذا حدث هذا العجز وما هي تداعياته وكيف يمكن التصدي له؟

تتطلب الإجابة تحليل جميع مكونات ميزان المدفوعات لأن العجز بسبب زيادة الاستثمارات الخارجية يختلف اختلافاً كلياً عن العجز بسبب ارتفاع الواردات غير الضرورية للتنمية.

لكن المشكلة في الكويت أخطر من هذا التوصيف. فقد هبطت الاستثمارات الخارجية وارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة وكذلك انخفضت تحويلات العمال الأجانب. وبدلاً من أن يقود ذلك إلى زيادة الفائض، حدث العجز في ميزان المدفوعات.

نجم هذا العجز بالدرجة الأولى عن هبوط الصادرات النفطية وزيادة الواردات وتصاعد نفقات مختلف الخدمات.

لمناقشة هذا الموضوع لابد أولاً من التعرف على مكونات ميزان المدفوعات.

قراءة بنود ميزان المدفوعات

ميزان المدفوعات وثيقة حسابية تسجل جميع قيم العمليات الاقتصادية بين المقيمين وغير المقيمين خلال سنة واحدة عادة (1). إنها العمليات الخارجية التجارية والمالية والنقدية والاستثمارية المتعلقة بالحكومة والشركات والأفراد.

من هنا تتضح أهمية هذا الميزان، فهو يمثل الاقتصاد الخارجي للدولة. كما تمثل الميزانية العامة اقتصادها الداخلي. ويبرز الميزان نقاط القوة والضعف في الاقتصاد برمته. عندئذ يتعين على السياسة الاقتصادية المناسبة دعم القوة ومعالجة الضعف.

كما تظهر أهميته بصورة خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها الكويت التي تعتمد اعتماداً أساسياً على المالية الخارجية كالصادرات النفطية والاستثمارات الخارجية. وهكذا كلما تحسنت المالية الخارجية ازدهر الاقتصاد، والعكس صحيح.

فيما يلي ملخص لميزان مدفوعات الكويت أعده المؤلف لغرض هذه الدراسة انطلاقاً من الوثائق الرسمية (2) بملايين الدنانير.

20232022المؤشر
+ 15711.6 + 25856.9 – 10145.3+ 22034.2 + 30720.6  – 8686.41- الميزان التجاري أ- الصادرات ب- الواردات
– 5866.1 – 5187.0 2- حساب الخدمات
+ 9915.6 + 7962.0 3- حساب الدخل الأساسي
– 3969.8 – 5481.3 4- حساب الدخل الثانوي
+ 15791.3 + 19327.9 5- الميزان الجاري
– 37.1 + 163.46- الحساب الرأسمالي
– 15692.8 – 18559.07- الحساب المالي
– 211.6 + 194.4 8- الخطأ والسهو
– 150.2 + 1126.7 9- ميزان المدفوعات
  • يحتوي ميزان المدفوعات على عدة أقسام، وكل قسم يتضمن جانبين: الدائن والمدين.
  • يمثل الدائن قيمة العمليات التي تحصل عليها الدولة من الخارج كالصادرات والقروض والاستثمارات الأجنبية.
  • يمثل المدين قيمة العمليات التي تدفعها الدولة للخارج كالواردات والديون والاستثمارات الخارجية.
  • تمثل الحسابات في الجدول القيم الصافية للعمليات (الدائن-المدين).
  •  العلامة الإيجابية تعني الفائض والعلامة السلبية تعني العجز.

يمكن تقسيم ميزان المدفوعات إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: الميزان الجاري.

وهو أكبر الأقسام ويتضمن أربعة أبواب (الفقرات الأربع الأولى من الجدول):

  1. الميزان التجاري: يتناول العمليات التجارية المنظورة أي صادرات وواردات السلع. ويتسم هذا الميزان بالفائض في الكويت ودول مجلس التعاون الأخرى نظراً لأهمية صادراتها النفطية.
  • حساب الخدمات: يهتم بعدة عمليات في مقدمتها السياحة. في الكويت يسجل هذا الحساب عجزاً مزمناً وذلك على غرار السعودية وعلى خلاف البحرين.
  • حساب الدخل الأساسي (أو الأولي): يتضمن عدة ميادين خاصة دخل الاستثمارات سواء كانت كويتية في الخارج أم أجنبية في الكويت، وهذا الحساب في حالة فائض عادة.
  • حساب الدخل الثانوي: أهم فقرة فيه تحويلات العمال الأجانب المقيمين في الكويت. وهو في حالة عجز مزمن وهائل في جميع بلدان الخليج.

القسم الثاني: الحساب الرأسمالي.

للكويت خصوصية وهي حصولها على تعويضات مالية من العراق بسبب الغزو.

القسم الثالث: الحساب المالي.

يحتوي على القيم السنوية للاستثمارات الأجنبية في الكويت (الدائن) والاستثمارات الكويتية في الخارج (المدين). ويتضح بأن هذا الحساب في حالة عجز.

ومن الضروري عدم الخلط بين هذا الحساب وحساب الدخل الأساسي. الحساب المالي يختص بذات الاستثمار في حين يهتم حساب الدخل الأساسي بدخل الاستثمار كما هو واضح من تسميته.

القسم الرابع: الخطأ والسهو.

 قبل تدخل الاحتياطي النقدي يجب أن ينتهي ميزان المدفوعات بتساوي قيم الدائن مع قيم المدين. ويطلق على ذلك اصطلاح القيد المزدوج، فإن لم يتحقق هذا التساوي يتم استحداث قسم أخر وهو الخطأ والسهو.

بمعنى أن الميزان الكلي (الفقرة الأخيرة من الجدول) وقبل تدخل الاحتياطي النقدي قد يكون في حالة فائض كما الحال في 2022، أو في حالة عجز كما هو الحال في 2023.

رصيد الميزان الجاري + رصيد الحساب الرأسمالي – فائض ميزان المدفوعات (أو + عجز ميزان المدفوعات) = رصيد الحساب المالي

هذه المعادلة المعروفة إن لم تتحقق فذلك يعني أن هنالك خطاً أو سهواً بمبلغ يعادل الفرق في المعادلة.

في جداول الكويت لا يثير بند الخطأ والسهو مشكلة عندما يكون مبلغه ضئيلا. فمثل هذا الوضع شائع في الدول بما فيها الأكثر تقدماً، لكن المشكلة في هذا البلد ترتبط بصحة قيم العمليات الخارجية للقطاع الخاص.

حسب السلطات النقدية الكويتية (3) لا تقدم شركات هذا القطاع معلومات عن عملياتها أو تقدم معلومات غير صحيحة، لذلك تضطر السلطات إلى وضع أرقام تقديرية لهذه القيم.

تحتوي خطة البحث على محورين: المحور الأول: هبوط فائض الميزان الجاري، والمحور الثاني: عجز الحسابين الرأسمالي والمالي.

المحور الأول: هبوط فائض الميزان الجاري

يعود هذا الهبوط بالدرجة الأولى إلى الميزان التجاري الذي تراجع فائضه نتيجة انخفاض الصادرات وارتفاع الواردات، ويتأتى أيضاً من حساب الخدمات الذي تصاعد عجزه.

أولاً: انخفاض الصادرات السلعية

هبطت الصادرات الكلية من 30720.6 مليون دينار في 2022 إلى 25856.9 مليون دينار في 2023 أي بنسبة 15.8%، وتتكون من نفطية وغير نفطية.

1- الصادرات النفطية

لا تقتصر الصادرات النفطية الكويتية على الخام، بل تشمل أيضاً المنتجات النفطية كالديزل والكيروسين. وتتجه هذه المنتجات نحو التزايد خاصة في الفترة الأخيرة، فقد ارتفعت من 0.4 مليون ب/ي في الربع الأول من 2022 إلى 0.7 مليون ب/ي في الربع الأول من 2023 ثم إلى 0.9 مليون ب/ي في الفترة نفسها من عام 2024 (4).

تعود هذه الزيادة إلى تحسن الطاقة الإنتاجية للمصافي خاصة مصفاة الزور، وكذلك إلى ضرورة تعويض النقص الحاصل في مشتريات المنتجات النفطية الروسية بعد الحرب ضد أوكرانيا.

أما صادرات النفط الخام فتتجه نحو التناقص، فقد انتقلت خلال الفترة المذكورة من 1.9 إلى 1.7 ثم إلى 1.2 مليون ب/ي على التوالي.

انخفض مجموع صادرات النفط من 28790.6 مليون دينار في 2022 إلى 23978.3 مليون دينار في 2023 أي بنسبة عالية قدرها 16.7%.

نجم هذا الهبوط عن سببين:

 السبب الأول

 تقهقر أسعار النفط في السوق العالمية.

السبب الثاني

 استمرار أوبك+ في تخفيض الإنتاج، الأمر الذي ينعكس على الصادرات الكويتية.

تعتمد الكويت اعتماداً أساسياً على الصادرات النفطية بصورة أكبر من درجة اعتماد دول الخليج الأخرى. فقد بلغت الصادرات النفطية الكويتية 92.8% من المجموع الكلي للصادرات. في حين تهبط النسبة إلى 77.4% في السعودية وإلى 65.2% في عمان ثم إلى 45.1% في البحرين. لذلك وفي حالة تراجع أسعار النفط تتأثر سلبياً جميع الأنشطة الاقتصادية بصورة أكبر في الكويت مقارنة بدول الخليج الأخرى.

ولا يتوقف هذا التأثير على الميزان التجاري وبالتالي على ميزان المدفوعات وعلى الاحتياطي النقدي. بل يشمل أيضاً الوضع المالي الداخلي للدولة نظراً لتبعيته للميزان التجاري: الإيرادات العامة في ميزانية الدولة تتأتى بالدرجة الأولى من الصادرات النفطية.

وتزداد حدة التأثير بسبب السياسة الاقتصادية المعتمدة، إذ لا توجد في الكويت إيرادات غير نفطية مهمة يمكنها تغطية العجز المالي المزمن: ضعف حصيلة الضرائب. وعدم إمكانية الاستفادة من الصندوق السيادي في تمويل الإنفاق العام، وغياب قانون الدين العام. يتطلب هذا الوضع إجراء إصلاحات جوهرية على تلك السياسة لا سيما من الزاوية المالية.

 2- الصادرات غير النفطية

ارتفعت نسبتها من 6.2% من الصادرات الكلية لعام 2022 إلى 7.2% منها لعام 2023. لكن هذا التحسن النسبي لم يتمخض عن تقدم حجم الصادرات غير النفطية، بل عن تراجع الصادرات النفطية. فقد انخفضت الصادرات غير النفطية من حيث قيمتها من 1930 مليون دينار في 2022 إلى 1878 مليون دينار في 2023.

والصادرات غير النفطية الكويتية ضعيفة جداً مقارنة بالصادرات المماثلة في بقية دول مجلس التعاون. ويعود السبب الأساس إلى انخفاض أهمية القيمة المضافة في الصناعات التحويلية، إذ لا تشكل هذه القيمة سوى 7% من الناتج المحلي الإجمالي وهي أدنى نسبة مسجلة في دول المجلس.

تتكون الصادرات غير النفطية من السلع ذات المنشأ المحلي كاللؤلؤ والألمنيوم والعطور. وتعتبر الإمارات أول مستورد لهذه المواد من الكويت، تليها السعودية. كما تتكون الصادرات غير النفطية من مواد أخرى مستوردة (إعادة التصدير)، وأهمها السيارات وأجهزة الهواتف والذهب والمجوهرات.

ثانياً: ارتفاع الواردات السلعية

تعاني الكويت من ضعف الصناعات التحويلية وقلة الإنتاج الزراعي وتدني المستوى التكنولوجي، لذلك تستورد القسط الأكبر من حاجاتها. ولا تتوقف المشكلة عند هذا الحد، بل تدفع سنوياً حوالي ملياري دينار لاستيراد السيارات التي تحتل المرتبة الأولى في وارداتها السلعية. أصبح العدد الهائل للسيارات الذي يعادل تقريباً العدد الكلي للسكان من مواطنين وأجانب يخلق منذ عدة سنوات اختناقات مرورية تؤثر بشدة على الصحة العامة.

ويستورد البلد المجوهرات بكميات كبيرة تصل إلى حوالي مليار دينار في السنة. أما الواردات التي تسهم في التنمية الصناعية فهي ضعيفة.

ارتفعت الواردات السلعية من 8686.4 مليون دينار في 2022 إلى 10145.3 مليون دينار في 2023، أي بزيادة قدرها 16.7%. في حين هبطت الصادرات النفطية من 28790.6 مليون دينار إلى 23978.3 مليون دينار، أي بنفس النسبة تقريبا.

 يترتب على ذلك ما يلي:

في 2022 كان من اللازم تخصيص 31.1% من الصادرات النفطية لسداد فاتورة الواردات السلعية، ثم ازدادت النسبة إلى 42.3% في 2023.

نتيجة ارتفاع الواردات وتراجع الصادرات النفطية هبط فائض الميزان التجاري. أدى هذا التراجع إلى التأثير مباشرة على النتيجة النهائية لميزان المدفوعات.

ومن زاوية أخرى تعتمد الكويت على عدد قليل من الدول في وارداتها. الصين الشريك الأكبر للكويت، تليها الإمارات ثم الولايات المتحدة فالهند والسعودية. تمثل هذه الدول الخمس نصف مجموع الواردات الكويتية الكلية.

ويعاني الميزان التجاري من عجز مزمن مع دول مجلس التعاون. ففي 2022 صدرت الكويت لهذه الدول سلعاً بقيمة 672 مليون دينار، واستوردت منها سلعاً بقيمة 2061 مليون دينار. يشمل هذا العجز التجاري للكويت جميع دول المجلس.

ثالثاً: عجز حساب الخدمات

يحتوي على عدة بنود منها النقل والاتصالات وكذلك وبصورة خاصة السياحة. يسجل هذا الحساب عجزاً كبيراً ومزمناً يؤثر بشدة على ميزان المدفوعات ويسهم بفاعلية في عجزه.

تبلغ الإيرادات السياحية الأجنبية 533.3 مليون دينار في 2023. وهو مبلغ ضئيل مقارنة بدول الخليج الأخرى. هذا المبلغ السنوي لا يعادل سوى الإيرادات السياحية للإمارات لمدة أسبوعين فقط. لا شك أن الإيرادات السياحية للكويت تحسنت في عام 2023 قياساً بالعام السابق، لكن هذا التحسن لا يعود إلى زيادة عدد السياح بقدر ما يعود إلى ارتفاع أسعار المطاعم والفنادق في الكويت.

أما الأموال التي ينفقها الكويتيون في سياحتهم الخارجية فتصل إلى 4396 مليون دينار في 2023 أي بزيادة قدرها 9.2% مقارنة بالعام السابق. تعادل هذه النفقات السياحية 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي. وهي نسبة عالية بجميع المقاييس. وتعادل مجموع مصروفات وزارة الصحة ووزارة التربية ووزارة الصناعة، علماً بأن وزارة الصحة ثاني أكبر وزارة من حيث الإنفاق.

أضف إلى ذلك أن قطاع النقل يعاني أيضاً من عجز يفوق مليار دينار، وبذلك يصبح عجز حساب الخدمات حوالي 6 مليارات دينار.

رابعاً: فائض حساب الدخل الأساسي

في 1953 قرر الكويتيون إنشاء صندوق الأجيال القادمة وهو أول صندوق سيادي في العالم. في 2024 بلغت أصوله 980 مليار دولار حسب آخر تقديرات معهد صندوق الثروة السيادية. وبذلك فهو يحتل المرتبة العربية الثانية بعد جهاز أبو ظبي للاستثمار والمرتبة العالمية الخامسة. له استثمارات في عدة بلدان وفي شتى الميادين.

ينظم أحكام هذا الصندوق القانون رقم 18 لسنة 2020 الذي ينص على زيادة أصوله عندما يسجل الحساب الختامي لميزانية الدولة فائضاً، شريطة أن يسمح بذلك الاحتياطي النقدي العام. وهذا تعديل جوهري على القانون السابق الذي كان ينص على تمويل الصندوق سنوياً بغض النظر عن الحساب الختامي والاحتياطي النقدي، أما السحب منه فلا يزال غير ممكن.

يتمثل الجانب الدائن لهذا الحساب في الدخول التي يحققها الصندوق السيادي، وتنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: دخل الاستثمار المباشر في الميادين الصناعية والتجارية البالغ 2505.3 مليون دينار في 2023.

والقسم الثاني: دخل استثمارات المحفظة أي دخل الأسهم والسندات المملوكة للصندوق ويبلغ 5321.6 مليون دينار في 2023.

أما دخول الاستثمارات الأجنبية المحولة من الكويت إلى الخارج (المدين) فلا تتعدى 923.2 مليون دينار في الاستثمارات المباشرة و52.7 مليون دينار في استثمارات المحفظة.

بمعنى أن حساب الدخل الأساسي يحقق فائضاً هائلاً بدونه تتدهور مالية الكويـت ويتفاقم عجز ميزان المدفوعات.

خامساً: ضخامة تحويلات العمال الأجانب

في 2023 حول العمال الأجانب 3866.8 مليون دينار إلى الخارج. وبذلك تحتل الكويت المرتبة الخليجية الثالثة بعد الإمارات والسعودية.

انطلاقاً من هذا المبلغ يمكن إبداء ملاحظتين:

الملاحظة الأولى: تتعلق بتأثيره على اقتصاد البلد. تشكل هذه التحويلات 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي. وبذلك لا يجوز تهميش تأثيرها على المؤشرات الاقتصادية لا سيما ميزان المدفوعات. وتسجل الإمارات والبحرين وعمان نسباً مماثلة، في حين تهبط في السعودية وقطر.

الملاحظة الثانية: ترتبط بأهمية ذلك المبلغ للعمال الأجانب. يبلغ معدل تحويل الفرد الأجنبي الواحد 3.9 ألف دولار في السنة من الكويت، وتسجل البحرين معدلاً متقارباً، في حين يصل المعدل في قطر إلى 6.3 آلاف دولار.

لهذا السبب الاقتصادي ولعوامل اجتماعية عديدة ظهرت في دول الخليج سياسات ترمي إلى تقليص العمالة الأجنبية، فقد طبقت الكويت إجراءات إدارية للحد من استقدام الأجانب واقتصادية كتشجيع عمل الكويتيين في القطاع الخاص.

أدت هذه الإجراءات إلى خلق مشاكل ترتبط بسوق العمل، إذ قاد تقليص العمال الأجانب إلى ارتفاع الأجور في القطاع الخاص. انعكس هذا الارتفاع على أنشطة الشركات، وقاد أيضاً إلى تزايد كلفة الإنتاج فتصاعدت أسعار السلع والخدمات، لذلك اتخذت الهيئة العامة للقوى العاملة قراراً بتسهيل استقدام العمال الأجانب. دخل قرارها حيز التنفيذ اعتباراً من مطلع يونيو 2024.

يفترض إذن أن يقود القرار إلى تخفيض مستوى أجور الأجانب نتيجة تزايد عددهم. وهكذا سيخصصون قسطاً أكبر من دخولهم للاستهلاك المحلي فتهبط تحويلاتهم المالية إلى الخارج.

المحور الثاني: عجز الحسابين الرأسمالي والمالي

 انتقل الحساب الرأسمالي من فائض إلى عجز، في حين يتسم الحساب المالي بالعجز المزمن.

أولاً: القروض الخارجية

تقدم الكويت منذ بداية السبعينيات من القرن المنصرم قروضاً ومساعدات للحكومات والمؤسسات الدولية عن طريق الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية.

تتميز القروض بشروطها الميسرة المتعلقة بأسعار الفائدة وكيفية السداد. فقد بلغ متوسط سعر الفائدة 2.8% ومدة القرض 23 سنة وفترة السماح (لا تدفع خلالها الأقساط) 5 سنوات (5).

فعلى سبيل المثال منحت الكويت في 2022 قرضاً للبحرين هدفه تطوير شبكة نقل الكهرباء قيمته 30 مليون دينار كويتي، بسعر فائدة 2.5% ولمدة 25 سنة مع فترة سماح 5 سنوات (6). ويلاحظ أن الكلفة الكلية لهذا المشروع 326 مليون دينار بحريني (260 مليون دينار كويتي)، وقد سبق للكويت وأن قدمت قرضين آخرين لهذا المشروع.

تخصص قروض الصندوق لتنفيذ مشاريع محددة صناعية أو زراعية تدخل في الخطط التنموية للبلد المتلقي. وتهتم بصورة خاصة بالبنية التحتية لجميع القطاعات كالري والطاقة والنقل والمياه. لكن الصندوق لا يمنح الأموال لتحسين المركز المالي لميزانيات الدول أو لموازين المدفوعات.

ولم تعد أنشطة الصندوق مقتصرة على المنطقة العربية، بل أصبحت تشمل عدداً كبيراً من الدول لاسيما النامية بلغ عددها أكثر من مئة دولة. ومجموع القروض التراكمية للصندوق 6821 مليون دينار. تم سداد 3399 مليون دينار منها (7)، علماً بأن هنالك حوالي عشرين دولة متلقية لم تستطع الوفاء بالتزاماتها كسوريا.

وتحتل مصر المرتبة الأولى في قروض الصندوق حيث حصلت على 1090مليون دينار أي 15.9% من المجموع التراكمي، يليها المغرب ثم سوريا.

ثانيا: الديون الخارجية

انتقل حجم الديون الخارجية من 21885.5 مليون دينار في 2021 إلى 19746.0 مليون دينار في 2022 ثم إلى 19821.1 مليون دينار في 2023 (8).

لتوضيح مدى ثقل هذه الديون جرت العادة على إقامة علاقة بين حجمها والناتج المحلي الإجمالي. يتبين أن هذه العلاقة لا تتعدى 35%.

ويسود الاعتقاد في الخليج بأن الديون تعتبر غير مفرطة إذا كان حجمها لا يتجاوز 60% من الناتج المحلي الإجمالي. ففي عام 2005 وافق المجلس الخليجي الأعلى على معايير التقارب في سبيل إنشاء اتحاد نقدي خليجي وعملة خليجية موحدة. وفق هذا المشروع (الذي لم ير النور لحد الآن) يتعين أن تقل الديون العامة عن 60% من الناتج المحلي الإجمالي.

والواقع أن هذا المعيار وبهذه النسبة (وكذلك المعايير الأخرى كمعيار العجز المالي) منقولة حرفياً عن معاهدة ماسترخت التي أنشأت الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي (منطقة اليورو). تتعلق إذن هذه النسبة بخصوصيات الاقتصادات الأوربية لا سيما الاقتصاد الألماني والاقتصاد الفرنسي.

في دولة كالكويت يتعين بالدرجة الأولى التعرف على كيفية إنفاق الأموال المقترضة. في أغلب الأحيان تخصص هذه الأموال لتمويل النفقات التشغيلية. وبالتالي تصبح الديون المترتبة عليها ثقيلة العبء حتى وإن لم تشكل سوى نسبة ضئيلة من الناتج المحلي الإجمالي.

وعلى هذا الأساس لا يجوز الامتناع عن الاقتراض في حالة استخدام القروض في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لأن التنمية كفيلة بزيادة معدلات النمو. وهذا هو الهدف حتى وإن ارتفعت خدمة الديون. لذلك يتعين على السلطتين التنفيذية والتشريعية الأخذ بنظر الاعتبار العلاقة بين القروض والتنمية في المناقشات التي تدور حول قانون الدين العام.

ثالثاً: تعويضات الاحتلال

في 2 أغسطس 1990 احتل العراق الكويت. فأصدر مجلس الأمن الدولي قرارات تدين هذا الغزو وترتب عقوبات على العراق وهي الحصار الشامل من جهة ودفع تعويضات مالية من جهة أخرى.

انبثقت عن منظمة الأمم المتحدة لجنة لتنفيذ هذه التعويضات. طلبت اللجنة من الأفراد تقديم شكاوى تتضمن الأضرار الجسدية والمعنوية والخسائر المادية التي أصابتهم جراء هذا الاحتلال. كما وجهت دعوات للشركات والمنظمات والحكومات بتقدير الخسائر التي تحملتها.

استلمت اللجنة 2.7 مليون شكوى تطالب بتعويضات هائلة قدرها 352 مليار دولار. وبعد فحص دام عدة سنوات وافقت على 1.5 مليون شكوى. أما المبلغ الكلي للتعويضات المصادق عليه من قبلها فهو 52.4 مليار دولار (9).

الإيرادات النفطية تكاد تكون المصدر المالي الخارجي الوحيد للعراق سابقاً وحالياً. لذلك تقرر أن تقتطع اللجنة نسبة معينة من هذه الإيرادات يحددها مجلس الأمن لدفعها للمتضررين.

في 1991 بلغت النسبة 30% من إيرادات النفط العراقي (10).  أنها عالية جداً بسبب مقاطعة شاملة نجم عنها برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء الذي أثر بشدة على الإيرادات النفطية. ففي 1997 ُسمح للعراق بتصدير نفط قيمته 4590 مليون دولار. في حين كانت هذه الإيرادات في 1989 (قبل احتلال الكويت بسنة واحدة) 14240 مليون دولار.

هبطت إذن إيرادات العراق النفطية الصافية بسبب المقاطعة والتعويضات. ترتب على ذلك تردي الأنشطة الاقتصادية وتدهور مستوى معيشة جميع المواطنين. ولم يوافق مجلس الأمن على تخفيف العبء المالي وبصورة جزئية إلا بعد تسع سنوات أي في عام 2000. أصبحت نسبة الاقتطاع 25%.

وفي 2003 (بعد شهرين فقط من احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة) قرر مجلس الأمن تقليص النسبة إلى 5%. واستمر العمل بهذه النسبة لغاية 2014.

قدمت الحكومة العراقية بدعم دولي طلباً إلى مجلس الأمن يقضي بتأجيل دفع التعويضات بسبب النفقات العسكرية الكبيرة الناجمة عن محاربة تنظيم داعش في الموصل. علماً بأن الإيرادات النفطية العراقية سجلت ارتفاعاً وصل إلى 81740 مليون دولار. وافق مجلس الأمن على هذا الطلب.

ثم قرر المجلس فرض نسبة قدرها 0.5% من الإيرادات النفطية لعام 2018 و1.5% منها لعام 2019 و3.0% منها لعام 2020 ولغاية سداد المبلغ الكلي المصادق عليه.

دفع العراق التعويضات في مدة دامت ثلاثة عقود. وقدرها 52.4 مليار دولار على النحو التالي (11).

الكويت: حصلت على 41.1 مليار دولار أي 78.4% من المبلغ الكلي موزعة على الشكل التالي: الأفراد 5.1 مليار دولار. الشركات 24.0 مليار دولار. الحكومة 12.0 مليار دولار.

ويلاحظ أن أكبر التعويضات دفعت إلى مؤسسة البترول الكويتية التي حصلت على 14.7 مليار دولار. اعتمدت اللجنة في حسابها على الخسائر الناجمة عن إضرام النار في 700 بئر نفطي كويتي من قبل القوات العسكرية العراقية. أدى ذلك (حسب اللجنة) إلى حرق ستة ملايين برميل من النفط يومياً ولمدة ستة أشهر.

الدول الأخرى: وافقت اللجنة على تعويض أكثر من تسعين دولة بمبلغ قدره 11.3 مليار دولار. أهمها مصر والأردن والسعودية.

نستنتج مما تقدم ما يلي:

لعبت العوامل السياسية دوراً بارزاً في التعويضات. كانت أقساطها تشكل عبئاً ثقيلاً جداً على مالية العراق الداخلية والخارجية. فقد كانت تمثل على الأقل ربع الإيرادات النفطية العراقية عندما كان البلد خاضعاً لحصار دولي شامل وفاعل أدى إلى أزمة اجتماعية خطيرة. في حين لا يزيد المعدل السنوي للتعويضات بعد الاحتلال الأمريكي على 4% من الإيرادات النفطية.

تدخل التعويضات ضمن الحساب الرأسمالي لميزان المدفوعات الكويتي. حقق هذا الحساب فائضاً قدره 458 مليون دينار في 2021 لأن العراق دفع كامل الأقساط المستحقة. ثم انخفض الفائض إلى 163 مليون دينار في 2022 لأن العراق دفع قسطاً واحداً وأخيراً في ذلك العام. أوفت بغداد إذن بجميع التزاماتها المالية الناجمة عن الغزو. أي لا توجد تعويضات في 2023. الأمر الذي أسهم بفاعلية في عجز هذا الحساب وبالتالي في عجز ميزان المدفوعات.

رابعاً: الاستثمار الأجنبي المباشر

أن الفائض الذي يحققه الدخل الأساسي على النحو المذكور في المحور الأول يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحساب المالي. يتكون هذا الحساب بالدرجة الأولى من الاستثمارات الكويتية المحولة للخارج من جهة والاستثمارات الأجنبية التي تدخل إلى الكويت من جهة أخرى.

في 2023 بلغت الاستثمارات الكويتية المباشرة 3437.2 مليون دينار واستثمارات المحفظة 13189.8 مليون دينار. أما الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الكويت فقد بلغت 649.0 مليون دينار.

الاستثمار المباشر جزء من الحساب المالي. أنه يمثل جانب الدائن عندما تتدفق الأموال إلى الكويت من قبل مستثمرين غير مقيمين. أما جانب المدين فهو الاستثمار الكويتي في الخارج.

تقدم الكويت عدة مزايا للمستثمرين الأجانب أهمها ضمان تحويل أرباحهم ورؤوس أموالهم إلى الخارج. ومنع نزع الملكية عنهم إلا بقانون ولقاء تعويض مناسب. وإمكانية تشغيل العمال الأجانب حسب مقتضيات الاستثمار. والإعفاء من ضريبة الدخل لمدة تصل إلى عشر سنوات. وإعفاء استيراد مستلزمات الاستثمار من الرسوم الجمركية (12).

وفي مطلع 2024 صدر قانون (13) ينص في مادته الرابعة والعشرين على إلغاء شرط الوكيل المحلي. قبل هذا التاريخ كان الوكيل الكويتي يستحوذ على 51% من رأس المال. وبعد هذا التاريخ باتت الشركات الأجنبية مملوكة بالكامل للمستثمرين الأجانب.

أن هذه المزايا ضرورية لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر. لكنها ليست من خصوصيات الكويت. فهي مطبقة في العديد من الدول بما فيها الخليجية.

تكاد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الكويت تقتصر على الخدمات. 99.7% من هذه الاستثمارات خصصت لهذا القطاع خاصة نظم المعلومات والاستشارات البترولية (14). لا تهتم إذن الاستثمارات الأجنبية بالقطاعين الزراعي والصناعي إلا بصورة هامشية. في حين تستحوذ الصناعات التحويلية على حوالي ثلث الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية.

في 2023 شهدت الاستثمارات الأجنبية المباشرة قفزة هائلة حيث بلغت 2113 مليون دولار مقابل 758 مليون دولار في السنة السابقة (15). وصلت إذن نسبة الزيادة خلال سنة واحدة إلى 178%. ورغم هذا الارتفاع تعاني الكويت بشدة من ضعف الاستثمارات الأجنبية المباشرة مقارنة بدول الخليج الأخرى. ففي عمان بلغت هذه الاستثمارات 4745 مليون دولار في 2023 أي أكثر من ضعف الاستثمارات في الكويت. وتصل في السعودية إلى ستة أضعاف وفي الإمارات إلى خمسة عشر ضعفاً.

وتتبين قلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الكويت من مجموعها التراكمي البالغ 16648 مليون دولار لغاية 2023. ولا يمثل هذا المبلغ سوى 2.8% من المجموع التراكمي للاستثمارات الأجنبية المباشرة في دول مجلس التعاون. فقد أحرزت الإمارات (224987 مليون دولار) المرتبة الخليجية الأولى. تليها السعودية ثم عمان فالبحرين وقطر. وهكذا تمثل الكويت المرتبة الخليجية الأخيرة في هذا الميدان.

خامساً: الاحتياطي النقدي

يتعين التعرف على دور الأصول الاحتياطية وعلى مكوناتها خاصة الذهب النقدي.

1- دور الاحتياطي النقدي

تلعب الأصول الاحتياطية دوراً نقدياً ومالياً على درجة كبيرة من الأهمية. كلما ارتفعت هذه الأصول تحسن هذا الدور.

تستخدم هذه الأصول في الدفاع عن سعر صرف الدينار مقابل العملات الأخرى.

كما ذكرنا لا تستطيع الحكومة الكويتية السحب من صندوقها السيادي لتمويل عجز الميزانية العامة. ولا يمكنها الاقتراض لأن مجلس الأمة لم يوافق على قانون الدين العام. في حين لا يوجد مثل هذا المنع في دول الخليج الأخرى. لذلك لا تجد السلطات الكويتية بداً من اللجوء إلى الاحتياطي النقدي لتمويل العجز المالي.

وللأصول الاحتياطية علاقة وطيدة بميزان المدفوعات. فعندما يكون في حالة فائض يصبح مبلغ الفائض احتياطي نقدي سنوي يضاف إلى الاحتياطي النقدي العام. وهذا ما حدث في 2022 حيث بلغ الفائض المضاف إلى الاحتياطي العام 1126.7 مليون دينار. أما عندما يكون ميزان المدفوعات في حالة عجز تلجأ السلطات العامة إلى الاحتياطي العام للسحب منه بغية تمويل العجز. وهذا ما حدث في 2023 حيث بلغ العجز السنوي 150.2 مليون دينار.

وهنالك مؤشرات تدل بوضوح على استمرار العجز في ميزان المدفوعات والميزانية العامة. لذلك يهبط حجم الاحتياطي النقدي الكلي الذي انتقل من 15089.0 مليون دينار في يونيو 2023 إلى 14428.1 مليون دينار في نفس الفترة من عام 2024.

 2- مكونات الاحتياطي النقدي

تتخذ الأصول الاحتياطية الكويتية أربعة أشكال (16):

الشكل الأول العملات الأجنبية. وهي الأوراق النقدية الأجنبية لدى بنك الكويت المركزي والودائع الكويتية لدى المصارف المركزية الأجنبية. تحتل هذه العملات المرتبة الأولى في الاحتياطي النقدي. فقد بلغت 12808.4 مليون دينار أي 88.8% من مجموع الاحتياطي العام.

الشكل الثاني: الموجودات لدى صندوق النقدي الدولي. وهي حقوق السحب الخاصة الكويتية البالغة 1536.4 مليون دينار أي 10.7% من المجموع.

الشكل الثالث: الأوراق المالية في الخارج. وهي قيمة الأسهم والسندات المملوكة للكويت في الخارج. تبلغ 51.5 مليون دينار أي 0.3% من المجموع.

الشكل الرابع: الذهب النقدي (المملوك لبنك الكويت المركزي): بلغت قيمته 31.7 مليون دينار أي 0.2% من المجموع.

 3- الذهب النقدي

يتبين مما تقدم أن الذهب يمثل المصدر الأضعف للاحتياطي النقدي الكويتي. لكن هذا الضعف الشديد يتأتى من طريقة الحساب.

يعتمد بنك الكويت المركزي على ما يسمى بالقيمة الدفترية للذهب الموجود لديه. أي قيمة المعدن وقت الشراء. ومن المعلوم أن الكويت اشترت الذهب منذ عدة عقود عندما كانت أسعاره منخفضة مقارنة بالوقت الحاضر. هنالك اختلاف كبير جداً بين القيمة الدفترية البالغة 31.7 مليون دينار أي 103.9 مليون دولار (17) والقيمة السوقية الحالية. حسب المجلس العالمي للذهب (18) تملك الكويت 78.9 طناً من الذهب النقدي. قيمتها السوقية 5276 مليون دولار (1608 مليون دينار).

بالنتيجة النهائية تصبح قيمة الاحتياطي النقدي الكلي للدولة 16004.4 مليون دينار وليس 14428.1 مليون دينار. عندئذ يشكل الذهب 10% من هذا الاحتياطي وليس 0.2% منه. وبذلك تقع الكويت في المرتبة الخليجية الثانية بعد قطر (13.1%) من حيث الأهمية النسبية للذهب في الاحتياطي النقدي العام. وتسجل عمان المرتبة الخليجية الأخيرة (0.9%).

نلاحظ أن مكانة الذهب في جميع دول الخليج ضعيفة مقارنة بالدول الأخرى. حيث يشكل هذا المعدن على الأقل ثلثي الاحتياطي النقدي الكلي في الدول الصناعية. كما يمثل ربع احتياطي الأردن ومصر ونصف احتياطي لبنان.

اشترت الكويت منذ أكثر من أربعة عقود تلك الكمية من الذهب. وعلى خلاف البلدان لم يطرأ أي تغيير عليها لغاية الوقت الحاضر. في حين حدثت تطورات سياسية واقتصادية أدت إلى ارتفاع أسعار هذا المعدن في السوق العالمي بنسبة عالية جداً. ففي عام 1971 كان سعر الأونصة 35 دولاراً. ثم ارتفع ليصل في نهاية أكتوبر2024 إلى 2675 دولاراً.

فقد استمرت الحرب الروسية على أوكرانيا فأثرت بشدة على العلاقات بين روسيا والدول الغربية. وتدهورت العلاقات الأمريكية الصينية بسبب تايوان. وأعلنت إسرائيل الحرب على غزة ولبنان فتأزم الوضع في الشرق الأوسط وبالتالي في العالم. ومن جهة أخرى تتجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكذلك العديد من الدول كالصين إلى خفض أسعار الفائدة.

بتفاعل هذين العاملين السياسي والاقتصادي يتصاعد الطلب على الذهب فترتفع أسعاره.

لذلك اتجهت البنوك المركزية في مختلف البلدان خاصة في الفترة الأخيرة إلى شراء كميات كبيرة من المعدن بدلاً من الاحتفاظ بعملات أجنبية ورقية تتآكل قيمتها. وبالتالي تصبح السياسة النقدية لبنك الكويت المركزي المتعلقة بإدارة الاحتياطي النقدي غير ملائمة وتقود إلى خسائر مالية فادحة.

الخاتمة

يتبين من خلال جداول صندوق النقد الدولي الخاصة بمشاورات المادة الرابعة بأن الإصلاحات الاقتصادية في الكويت سوف تؤدي إلى معالجة عجز ميزان المدفوعات. سيسجل هذا الميزان فائضاً قدره 1524 مليون دينار في 2028 أي أعلى من الفائض في 2022.

لكن هذه الإصلاحات سوف تؤثر سلبياً على مختلف المؤشرات الاقتصادية للدولة. فهذا الفائض سوف لن ينجم عن تحسن مركز الميزان التجاري أي زيادة الصادرات وتقليص الواردات بل بالمقام الأول عن تقليص الاستثمارات الكويتية في الخارج. الأمر الذي ينعكس مباشرة على مكانة الصندوق السيادي من الناحيتين المحلية والدولية.

بات إذن من اللازم إجراء تعديل جوهري على برامج الإصلاح يرتكز (فيما يخص ميزان المدفوعات) على النقاط التالية:

1- العمل على تحسين القيمة المضافة في الصناعات التحويلية المدنية والعسكرية بغية زيادة الصادرات غير النفطية وتقليص الواردات السلعية.

2- إصلاح النظام الجمركي خاصة زيادة الرسوم على استيراد بعض السلع كالسيارات. ينبغي أن تنسجم هذه الزيادة مع الاتفاقات الخليجية حول التعريفة الجمركية الموحدة من جهة ومع الاتفاقات متعددة الأطراف لمنظمة التجارة العالمية من جهة أخرى.

3- الاهتمام بقطاع النقل الدولي وتشجيع السياحة الداخلية. عندئذ يهبط عجز حساب الخدمات بدلاً من أن يرتفع باستمرار.

4- حث الكويتيين على العمل في القطاع الخاص بهدف تخفيف العبء على ميزانية الدولة وتقليص تحويلات العمال الأجانب. ومن المتوقع أن تحقق الدولة نجاحاً في هذا الميدان في السنوات القادمة.

5- جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تهتم بالصناعة والزراعة.

6- إصلاح السياسة المالية في عدة ميادين: الضرائب والدين العام والصندوق السيادي والأجور. يتطلب هذا الإصلاح المالي معالجة العلاقة المتردية بين الحكومة ومجلس النواب.

المراجع

1- من الناحية القانونية المتعارف عليها دولياً أن المقيم هو الشخص الذي يسكن في بلد ما بغض النظر عن جنسيته. المقيم في الكويت هو إذن الشخص الذي يسكن فيها سواء كان كويتياً أم أجنبياً. وهذا التعريف ينسجم تماماً مع القوانين الكويتية.

2- بنك الكويت المركزي. النشرة الإحصائية الفصلية. أكتوبر- ديسمبر 2023. الجدول 41.

3- بنك الكويت المركزي. إحصاءات ميزان المدفوعات ووضع الاستثمار الدولي. وثيقة غير مؤرخة.

4- وزارة النفط. البيانات البترولية الكويتية.

5- الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية. التقرير السنوي 2022-2023. الصفحة 20.

6- التقرير السنوي للصندوق لعام 2021-2022. الصفحة 28.

7- المرجع رقم 5.

8- بنك الكويت المركزي. النشرة الإحصائية الفصلية أكتوبر- ديسمبر 2023. الجدول 44.

9- ONU. Conseil de sécurité. S/2022/104. 14 février 2022/ Page 3.

10- نصت القرارات التالية على نسب الاقتطاع: القرار رقم 705 بتاريخ 15 أغسطس 1991. والقرار رقم 1330 بتاريخ 5 ديسمبر2000. والقرار رقم 1483 بتاريخ 22 مايو 2003. والقرار رقم 276 بتاريخ 22 نوفمبر 2017.

11- ONU. S/2022/104. Pièce jointe 2.

12- القانون رقم 116 لسنة 2013 في شأن تشجيع الاستثمار المباشر في دولة الكويت. المادة 27.

13- المرسوم بقانون رقم 68 لسنة 1980 المعدل بقانون رقم 1 لسنة 2024.

14- تقرير هيئة تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2022-2023. الجدول 4.

15- UNO. UNCTAD. World Investment Report. 2024. Annex table 1.

16- بنك الكويت المركزي. النشرة الإحصائية النقدية الشهرية. أغسطس 2024. الجدول رقم 26.

17- بنك الكويت المركزي. المرجع السابق.

18- https://www.gold.org/goldhub/data/gold-reserves-by-country

منشورات أخرى للكاتب