أين نجحت الصناعات التحويلية في الخليج وأين أخفقت؟
حققت دول مجلس التعاون الخليجي تقدماً في ميدان الصناعات التحويلية المدنية والعسكرية، لكن المؤشرات المعتمدة على الصعيد العالمي تبين بوضوح بأن الصناعات لا تزال ضعيفة. وتتعلق هذه المؤشرات بالقيمة المضافة وصادرات السلع ذات التكنولوجيا المتقدمة والتنافسية.
بين 2000 و2022 ارتفع حجم الصناعات التحويلية في دول الخليج بصورة أكبر بكثير من ارتفاعه في الدول العربية، ازداد هذا الحجم في العالم العربي بنسبة سنوية معدلها 36.3% مقابل زيادة سنوية معدلها 51.9% في الخليج.
في بداية هذه الفترة كانت قيمة الصناعات التحويلية الخليجية تعادل 48.2% من قيمة الصناعات التحويلية العربية، ووصلت في نهايتها إلى 65.1% منها. نجم هذا التطور عن عدة عوامل في مقدمتها المقدرة المالية الخليجية وتوجه الخليجيين إلى التصنيع لتنويع مصادر دخولهم وإيراداتهم، كذلك تنمية الصناعات التي تعتمد على الطاقة وتزايد الاستثمارات الأجنبية في الميدان الصناعي.
وتختلف أهمية الصناعات التحويلية من دولة إلى أخرى، ففي الكويت لا تمثل قيمتها سوى 7% من الناتج المحلي الإجمالي، أي اقل من المعدل العربي المنخفض أساساً. في حين تستحوذ السعودية على المرتبة العربية الأولى في قيمة الصناعات التحويلية البالغة 162.6 مليار دولار، أي أكثر من ثلث مجموع الصناعات التحويلية العربية.
وشهدت الصناعة التحويلية في البحرين ارتفاعاً كبيراً خلال العقدين الماضيين. فقد انتقلت قيمتها من 914 مليون دولار في 2000 إلى 9517 مليون دولار في 2022. أصبحت صناعتها التحويلية تمثل 16% من الناتج المحلي الإجمالي أي أعلى من المعدل العربي. وللبحرين خصوصية أخرى تتجلى في كونها الدولة الخليجية الوحيدة التي تتجاوز قيمة صناعتها التحويلية قيمة صناعتها الاستخراجية. لكن هذا الوضع لا يعكس فقط أهمية صناعتها التحويلية بل كذلك ضعف إنتاجها النفطي مقارنة بدول الخليج الأخرى.
وإذا كانت السعودية تحتل المرتبة العربية الأولى في قيمة الصناعات التحويلية. فأن الإمارات تسجل المركز العربي الأول في قيمة صادرات الصناعات التحويلية، إذ بلغت هذه الصادرات نحو 154.2 مليار دولار في 2022. كما نلاحظ أن قيمة الصناعات التحويلية الإماراتية 55.9 مليار دولار، بمعنى أن الصادرات تعادل ثلاثة أضعاف الإنتاج. علماً بأن قسطاً من الإنتاج يُستهلك محليا.
يعود هذا الأمر إلى عدة عوامل منها أن الإمارات تستورد سلعاً صناعية يعاد تصديرها إلى الخارج. أضف إلى ذلك أهمية الأرباح التي تحققها صادرات الصناعات التحويلية. وينطبق هذا التحليل أيضاً على البحرين وعمان. في حين أن القيمة المضافة الصناعية أعلى من حجم صادرات الصناعات التحويلية في قطر والسعودية والكويت.
ضعف القيمة المضافة
يبلغ مجموع القيم المضافة للصناعات التحويلية الخليجية 272.6 مليار دولار في 2022 أي ما يعادل ثلثي القيم المضافة للصناعات التحويلية العربية. ويمكن تقدير هذه القيم من زاويتين:
الزاوية الأولى: مكانتها في الناتج المحلي الإجمالي. يتكون الناتج المحلي الإجمالي من عدة أنشطة كالزراعة والخدمات والصناعات الاستخراجية والتحويلية. من هذه الزاوية يبين المؤشر دور الصناعة التحويلية في تكوين الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
خلال الفترة بين 2012 و2022 سجلت جميع دول مجلس التعاون تحسناً في الأهمية الاقتصادية للقيمة المضافة. لكنه تحسن طفيف في أغلب الأحيان. حيث انتقلت هذه القيمة من 14.5% إلى 16.7% من الناتج المحلي الإجمالي في البحرين التي تسجل أعلى معدل خليجي. وارتفعت من 5.8% إلى 7.0% فقط في الكويت.
كما أن هذه العلاقة ضعيفة في الخليج مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 16.8%.
وعلى هذه الأساس لا تلعب الصناعة التحويلية دوراً بارزاً في النمو الاقتصادي خاصة في الكويت وعمان.
الزاوية الثانية: القيمة المضافة الصناعية للفرد الواحد. أي حاصل قسمة هذه القيمة على عدد السكان.
في 2022 سجلت قطر المرتبة الخليجية الأولى وقدرها 5681 دولارا. تليها الإمارات ثم البحرين فالسعودية ثم الكويت. لتصل في عمان إلى أدنى المستويات الخليجية وقدره 1692 دولارا.
لدول مجلس التعاون معدل عام قدره 2841 دولارا. أي ما يعادل خمسة أضعاف المعدل العربي. لكنه لا يساوي سوى ثلث حصة الفرد في ألمانيا.
خلال السنوات العشر المنصرمة تحسنت الحصة الفردية لقيمة الصناعات التحويلية بصورة كبيرة في البحرين والإمارات. واستقرت في السعودية وعمان. وهبطت في قطر والكويت.
ضآلة المحتوى التكنولوجي للصادرات
تُستخدم التكنولوجيا في جميع الصناعات التحويلية. لكن درجة وكيفية استخدامها تختلف من صناعة إلى أخرى. صناعة الكراسي تختلف عن صناعة الأدوات الكهربائية وهذه تختلف عن صناعة الأدوية، تتطلب الأولى تكنولوجيا ضعيفة والثانية متوسطة والثالثة عليا.
بكيفية عامة تتسم الصناعات في البلدان النامية باعتمادها على التكنولوجيا الضعيفة. لذلك فأن اقتصاداتها زراعية أو استخراجية بالمقام الأول في حين تتطور الصناعات باستمرار في البلدان المتقدمة لأنها تعتمد على التكنولوجيا المتوسطة والعليا. لذلك تستحوذ صادرات التكنولوجيا المتوسطة والعليا على القسط الأكبر من الصادرات الكلية للدول المتقدمة (78.4% في اليابان) وعلى جزء يسير منها في البلدان النامية (2.5% في غينيا).
بلغت صادرات السلع ذات المحتوى التكنولوجي المتوسط والمرتفع 44.4% في عمان التي تسجل أعلى معدل خليجي. لكن هذا المعدل ضعيف حتى عند مقارنته بالمعدل العالمي البالغ 59.2%. وتهبط النسبة في الدول الخليجية الأخرى لتصل إلى 28.5% في قطر.
ومن زاوية أخرى شهدت دول مجلس التعاون خلال السنوات العشر الماضية تقدماً في هذا الميدان. ففي الكويت انتقلت نسبة صادرات السلع ذات التكنولوجيا المتوسطة والعليا مقارنة بالصادرات الكلية من 13.4% في 2012 إلى 34.8% في 2022. وفي البحرين من 1.7% إلى 23.1%. وفي الإمارات من 21.2% إلى 34.6%.
يعتمد المستوى التكنولوجي للدولة على عدة عوامل في مقدمتها الاختراعات والبحوث العلمية والتطوير الصناعي. ورغم التحسن الذي شهدته دول الخليج في هذا الميدان لا تزال هذه العوامل ضعيفة بسبب ضآلة الأنفاق على البحث العلمي في القطاعين العام والخاص. يترتب على ذلك ضعف المقدرة التنافسية للسلع الصناعية الخليجية.
تدني التنافسية
يوضح هذا المؤشر القدرة على صناعة سلعة من جهة ثم بيعها في الداخل أو الخارج بحيث يمكنها منافسة السلع الأجنبية المماثلة من جهة أخرى.
ويقوم المؤشر على كمية السلع الصناعية المنتجة والمستوى التكنولوجي المستخدم في السلعة وحصة الدولة في صادرات السلع الصناعية على الصعيد العالمي. وتتولى منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية وضع أوزان لهذه الفقرات الثلاث للوصول إلى مؤشر التنافسية.
وفق التقرير الأخير للمنظمة تحتل ألمانيا المرتبة العالمية الأولى. تليها الصين ثم ايرلندا. أما من بين البلدان التي تأتي في نهاية التصنيف العالمي فهي اليمن والعراق وغامبيا.
تتسم المقدرة التنافسية للصناعات التحويلية الخليجية بضعفها كقاعدة عامة. فخلال السنوات العشر المنصرمة لم تستطع البحرين والسعودية تحقيق تقدم في قدرتها التنافسية. حيث سجلت الأولى المرتبة العالمية 35 والثانية المرتبة 51. بل تراجع مؤشر الكويت بصورة كبيرة فأصبحت في المرتبة 62 بعد أن كانت في المرتبة 49. كما تراجعت قطر من المرتبة 43 إلى المرتبة 50. وحققت عمان تقدماً نسبياً حيث بلغت المرتبة 56 بعد أن كانت في المرتبة 64.
أما الإمارات فقد سجلت أعلى تقدم خليجي حيث انتقلت مرتبتها من 53 إلى 29. أصبحت المقدرة التنافسية للسلع الصناعية الإماراتية تضاهي المقدرة التنافسية للسلع الصناعية المماثلة الروسية والبرتغالية. وهكذا تحتل الإمارات المرتبة العربية الأولى في هذا المؤشر.
حققت الصناعات التحويلية تقدماً ملحوظاً في دول الخليج. لكن مؤشراتها لا تزال متدنية مقارنة بالمعدلات العالمية وقياساً بالإمكانات المالية. بات من اللازم إجراء تعديلات جوهرية على السياسات الاقتصادية لا سيما السياسات المالية للنهوض بهذه الصناعات.