هل ستصل الإيرادات غير النفطية في السعودية إلى ترليون ريال في 2030؟
عانت السعودية خلال فترة طويلة من عجز مالي أدى إلى تفاقم مديونيتها العامة، لا سيما الخارجية، وإلى هبوط نقدها الأجنبي. لمعالجة هذه المشكلة المزمنة والخطيرة وبهدف تنويع مصادر الإيراد العام، قررت الدولة العمل على زيادة إيراداتها غير النفطية. أحرزت الرياض تقدماً لا يستهان به في هذا الميدان، لكن هذا التقدم يكاد يقتصر على ضريبة القيمة المضافة وبالتحديد على ارتفاعها، كما أنه لا يعادل طموحات الرؤية.
في إبريل 2016 وضعت السعودية خطة شاملة تتناول الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها بحلول عام 2030 في مختلف الميادين، ومن أهم هذه الميادين المالية العامة التي تنقسم إلى عدة أبواب، ومنها تنمية الإيرادات غير النفطية. حول هذا الباب وضعت الرؤية الهدف التالي: زيادة الإيرادات السنوية غير النفطية من 163 مليار ريال في عام 2015 إلى ترليون ريال في عام 2030.
ارتفاع حصيلة الضرائب
تنقسم الإيرادات غير النفطية إلى قسمين أساسيين: الإيرادات الضريبية وأرباح المؤسسات التجارية التابعة للحكومة، لاسيما صندوق الاستثمارات العامة.
وتتأتى الإيرادات الضريبية من خمس ضرائب: الزكاة التي يخضع لها السعوديون ورعايا دول مجلس التعاون، وضريبة الدخل والأرباح والمكاسب التي تُفرض على الأجانب المقيمين في السعودية، والرسوم الجمركية التي تُفرض على السلع المستوردة حسب اتفاقية الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون.
منذ سنوات، لم يطرأ تغيير مهم على حصيلة هذه الضرائب الثلاث، إذ تبلغ حوالي عشرين مليار ريال لكل منها. أما الضريبة الانتقائية فتسري على السلع المضرة بالصحة كالسجائر والمشروبات الغازية. وتتناول ضريبة القيمة المضافة كل مرحلة من مراحل بيع السلعة وهي أهم ضريبة حيث بلغت حصيلتها (إضافة إلى الضريبة الانتقائية) 254 مليار ريال أي 22.5% من الإيرادات الكلية لعام 2023. وبهذا، أصبحت ميزانية الدولة تعتمد على ضريبة القيمة المضافة اعتماداً كبيراً بعد أن انتقل سعرها من 5% إلى 15%. وبالتالي لم تعد العودة إلى سعرها القديم ممكنة دون إحداث خلل مالي.
في الفترة بين 2016 و2023 ارتفعت الإيرادات الضريبية ارتفاعاً هائلاً حيث انتقلت من 82 مليار ريال في بدايتها إلى 322 مليار ريال في نهايتها. كانت تمثل 15.8% من الإيرادات الكلية في 2016 ثم بلغت 28.5% منها في 2023. وهكذا، يحتل حجم الإيرادات الضريبية في السعودية المرتبة العربية الأولى. وتسجل مصر المرتبة الثانية والجزائر في المرتبة الثالثة. أصبحت هذه الإيرادات عاملاً أساسياً من عوامل الفائض المالي الذي سجلته ميزانية السعودية في العامين المنصرم والجاري.
رغم هذه المكانة، لا نجد في الرؤية اهتماماً كافياً بالضرائب. ولا توجد حتى في برنامج التوازن المالي إشارات إلى تطوير النظام الضريبي. بات من الضروري إجراء إصلاح ضريبي شامل. إذ أن النظام الحالي بدائي يعتمد على الجنسية (الزكاة) ولا يمنح إعفاءات حسب الحالة المدنية للمكلفين (الضريبة على الدخل والأرباح والمكاسب).
أما من الناحية الإدارية فقد أحرزت السعودية تقدماً ملحوظاً نتيجة الرقمنة التي أدت إلى معالجة بعض مظاهر التهرب الضريبي وإنجاز المعاملات بسرعة. قادت الرقمنة إلى تحسن كبير في حصيلة الضرائب. ورغم ذلك، لم تستطع رؤية السعودية تنفيذ هدفها المالي.
التنفيذ ضعيف
رؤية السعودية لا تعني انتظار عام 2030 بل تنص صراحة على ضرورة العمل فوراً، أي اعتباراً من نهاية أبريل 2016. مضت أكثر من سبع سنوات على صدور الرؤية، وبالتالي، آن الأوان للتعرف على مستوى التنفيذ.
لا بد من مناقشة وجهة النظر الرسمية الواردة في وثيقة “إنجازات رؤية السعودية 2030 في عام 2021” التي تطرقت إلى فقرتين:
الفقرة الأولى:
ارتفاع نسبة مساهمة الإيرادات غير النفطية قياساً بالإيرادات الكلية للدولة من 27% في 2015 إلى 42% في 2021.
الفقرة الثانية:
ارتفاع الإيرادات غير النفطية خلال الفترة المذكورة بمعدل سنوي قدره 18%.
كيف حدث هذا التطور؟ وما هي أهميته؟
في 2021 عانت أسعار النفط من تداعيات وباء كورونا الذي أدى إلى تدهور الطلب. تراجعت الإيرادات النفطية فتصاعدت تلقائياً مساهمة الإيرادات غير النفطية. كما قاد هذا الوباء إلى رفع سعر ضريبة القيمة المضافة فازدادت حصيلة الضرائب. في الحقيقة، لم يكن ارتفاع مساهمة الإيرادات غير النفطية نتيجة برامج الرؤية بل لأسباب خارجية لا علاقة لها بالسياسات المحلية.
من زاوية أخرى، إذا أجرينا المقارنة بين 2016 و 2022 (بدلاً من 2015 و2021) سوف نحصل على نتائج عكسية. ففي 2016 كانت الإيرادات الكلية للدولة 528 مليار ريال منها إيرادات غير نفطية قدرها 199 مليار ريال. وفي 2022 بلغت الإيرادات الكلية 1234 مليار ريال منها إيرادات غير نفطية بمبلغ 392 مليار ريال. بعملية حسابية بسيطة نستنتج بأن الإيرادات غير النفطية كانت 37.6% من الإيرادات الكلية في 2016. ثم انخفضت إلى 31.7% من الإيرادات الكلية في 2022. هذه النتيجة تتناقض تماماً مع الفقرة الأولى.
إن علاقة الفقرتين المذكورتين في تلك الوثيقة الرسمية بالمسألة المطروحة هنا غير وطيدة. لا ينحصر الموضوع في ارتفاع نسبة مساهمة الإيرادات غير النفطية. بل في الإجابة على هذين السؤالين: هل يتناسب ارتفاع الإيرادات غير النفطية خلال الفترة السابقة مع الهدف الذي حددته الرؤية؟ هل ستحصل الدولة في عام 2030 على ترليون ريال من الإيرادات غير النفطية؟
وضعنا معادلة تعتمد على ثلاثة مؤشرات:
المؤشر الأول: حجم الإيرادات غير النفطية لعام 2016 أي قبل التنفيذ السنوي للرؤية وقدره 199 مليار ريال.
المؤشر الثاني: حجم الإيرادات غير النفطية لعام 2022 وقدره 392 مليار ريال. أي بعد ست سنوات من تنفيذ الرؤية.
المؤشر الثالث: هدف الرؤية لعام 2030 وهو تحقيق إيرادات غير نفطية بمبلغ ترليون ريال.
ترليون ريال – 199 مليار ريال = 801 مليار ريال. وهي الزيادة الكلية التي يتعين تحقيقها للإيرادات غير النفطية بحلول 2030.
801 مليار ريال ÷ 14 سنة وهي فترة الرؤية = 57.2 مليار ريال. معدل الزيادة السنوية للإيرادات غير النفطية التي يتعين تحقيقها وفق الرؤية.
انطلاقاً من هذا الرقم يُفترض أن تصل الإيرادات غير النفطية إلى 542 مليار ريال في عام 2022. أي 199 مليار ريال لعام 2016 + (57.2 مليار ريال × 6 سنوات).
على الصعيد العملي، بلغت الإيرادات غير النفطية 392 مليار ريال في ميزانية 2022. لم يكن إذاً معدل الزيادة السنوية لهذه الإيرادات 57.2 مليار ريال بل 32.2 مليار ريال.
انطلاقاً من هذه النتيجة وعلى افتراض استمرار الزيادات السنوية اللاحقة على هذا المنوال، لا يمكن للرؤية تحقيق هدفها بحلول عام 2030 وقدره ترليون ريال بل يمكنها الوصول إلى 650 مليار ريال. من المتوقع أن تصل الإيرادات غير النفطية إلى ترليون ريال في عام 2041.
يعود ضعف تنفيذ الرؤية إلى عدة عوامل، منها عدم ملائمة النظام الضريبي. لذلك بات من اللازم إجراء إصلاح شامل لهذا النظام يتناول جميع الضرائب السائدة حالياً ويفرض ضريبة جديدة على دخل السعوديين. ويتعين أن يستند إلى العدالة في توزيع الأعباء العامة بين المكلفين وإلى مساهمة الضرائب في التنمية الاقتصادية. هكذا ترتفع حصيلة الضرائب وليس فقط بزيادة أسعارها. عندئذ/ تزداد الإيرادات غير النفطية وتقترب الرؤية من بلوغ أهدافها.