اقتصاد قطر: دورة حياة قوامها النفط وأسئلة ما بعد كأس العالم

بعد انكماش في الناتج المحلي الإجمالي عام 2020 قُدّر بنحو 3.7%، من المتوقع أن يتحسن الوضع المالي لإقتصاد قطر في عام 2021، ليحقق فائضًا بنحو 3% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، بسبب القفزة التي شهدتها أسعار النفط في السوق العالمي مؤخرًا التي لامس بها سعر برميل النفط 75 دولار.

ومن المتوقع تحسن الوضع المالي لقطر وفق تقديرات وكالة التصنيف الإئتماني “فيتش” في يونيو 2021، وذلك نتيجة الفرق الكبير بين التقديرات المتحفظة التي اعتمدتها الحكومة القطرية لميزانية 2021 عند 40 دولار للبرميل، وتفوّق أسعار النفط لهذه التقديرات على مدار الشهور الستة الأولى من عام 2021.

وزير المالية القطري بالإنابة علي الكواري أكد أنّ بلاده لن تلجأ إلى سوق الديون خلال 2021 تحت ضغوط الحاجة للتمويل، ولكن قد يكون ذلك في ضوء الإستفادة فقط من أسعار الفائدة المنخفضة، أو ما أطلق عليه الكواري سياسة “إغتنام الفرص”. وما صدّق على تصريحات الكواري هو أداء الوضع المالي بميزانية بلاده التي حققت 55 مليون دولار فائضًا عن أداء الربع الأول من عام 2021.

وإذا ما استمر الوضع في سوق النفط على ما هو عليه من أسعار تعتبر جيدة، سيعود الوضع الإقتصادي والمالي إلى ما كان عليه قبل جائحة كورونا في أسرع وقت، وسوف يُعدّ ممتازًا أي إرتفاع أعلى من سقف 75 دولار للبرميل، إضافة للفوائض النفطية لقطر وبذلك يخرج إقتصاد البلاد إلى حالة التعافي.

رغم كل تلك الإيجابية، تستمر قطر في كونها أسيرة للنفط الذي يبقى مكونًا رئيسًا للإقتصاد القطري. الاستراتيجية التي طرحها الكواري للتنوع الإقتصادي للبلاد، لم تخرُج عن محاور تقليدية يتم اتباعها منذ فترة من قبل كل دول الخليج، من حيث العمل على جذب الإستثمار الأجنبي المباشر، تشجيع القطاع الخاص وتوفير بيئة عمل ملائمة.

وبتحليل هذه العناصر الثلاث لا نجد لقطر ميّزة نسبية أو تنافسية فيها، فالاستثمار الأجنبي يتطلب أمورًا أخرى لا توفّرها قطر مثل اليد العاملة المدربة أو التكتولوجيا المتقدمة أو السوق الكبير أو التحالفات والإندمجات في الكيانات الإقليمية والدولية الكبرى.

 وثمة ملاحظة مهمة في مجال الاستثمار الأجنبي المباشر، وهي أن قطر تُعد واحدة من الدول المصدرة لرأس المال، ولا يخفى على أحد أن الصندوق السيادي القطري يضم محفظة إستثمارية كبيرة خارج البلاد قيمتها نحو 300 مليار دولار، ولم يكن ليتوجّه الصندوق السيادي للخارج لو كانت لديه فرص للإستثمار في الداخل. 

يعتمد القطاع الخاص في قطر على الإنفاق العام الحكومي، وتكاد الأنشطة الإقتصادية منحصرة في القطاع النفطي الذي تحتكره الدولة، وقطاع العقارات والإنشاءات، وهو مجال محدود، وسوف يتأثر سلبيًا بشكل كبير بعد انتهاء تنظيم قطر لمسابقة كأس العالم في كرة القدم. بلا شك، تهيئة بيئة أعمال ملائمة هي توجه جيد لكن دون أن تصاحب ذلك محاور أخرى تكمل هذه الميزة، فسيكون دور تهيئة بيئة الأعمال الملائمة محدود الأثر.

تحدّيات حقيقية

ليس بالنفط وحده تحيا الشعوب والدول، فهي تحتاج إلى تنوع في مواردها الاقتصادية (الطبيعية، والبشرية، والمالية)، تعاني قطر من ندرة الموارد الطبيعية والبشرية، وهو ما حتّم عليها أن تعتمد على استيراد هذه الموارد بما يعنيه ذلك من مخاطر التقلّبات الخارجية. وإضافة إلى ذلك تهديدات الأمن القومي، شعرت قطر بذلك بشكل كبير أيام أزمة حصارها من بعض دول الخليج ومصر في يونيو 2017، ومن خلال متابعة الشأن القطري على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، نجد مجموعة من التحديات التي سوف تعاني منها قطر خلال الفترة القادمة، وهي :

أولاً: في ضوء استراتيجية قطر لإعتبارها أحد القوى الناعمة المؤثرة إقليميًا ودوليًا، سعت لتنظيم كأس العالم لكرة القدم في عام 2022، وسبق أن مهدت لهذه الخطوة باستضافة مسابقات إقليمية في فنون رياضية مختلفة، وقد كلفها ذلك إنفاقًا كبيرًا على تجهيزات البنية الأساسية سواء فيما يتعلق بالمؤسسات الرياضية، أو النقل والمواصلات، أو نظم المعلومات وغيرها من متطلبات تنظيم بطولة عالمية مثل كأس العالم. رغم ذلك، يبقى تحدي مهم وهو الإستفادة من هذه البنية الأساسية فيما بعد البطولة حتى لا تكون عبء إقتصاديًا وماليًا ، لما تتطلبه هذه المنشآت من مصاريف صيانة، يضاف لذلك أعباء أجور العاملين وقطع الغيار والاستفادة من الإنفاق الذي دُفع في هذه المنشآت، على أن يضمن ذلك استرداد رأس المال، فضلًا عن أن يحقق ريع للميزانية العامة للدولة، بجانب ما سعت إليه قطر لتصدير نفسها كقوة ناعمة.

ثانيًا: على الرغم من أن قطر توصلت إلى حالة تصالح مع دول الأزمة الخليجية مطلع عام 2021، إلا أن هذا التصالح لم يتحقق بشكل كبير مع دول الأزمة الأربع، وبخاصة مع الإمارات، وهو ما يعني أن حالة الاستقرار الخليجي، لازالت محل شك، ولها تكلفتها الاقتصادية والسياسية بالنسبة لقطر ولباقي دول المنطقة، حيث الإنفاق العسكري المستمر، سواء لتأمين الجوانب الأمنية والدفاعية، أو لجذب الداعمين الإقليميين والدوليين.

ثالثًا: تستلزم محاربة الفساد في قطر المزيد من الشفافية بشكل عام وفي الوضع المالي بشكل خاص، وإن كانت قطر تحظى بوضع جيد على مؤشر الشفافية الدولية، كونها تحتل المرتبة 30 من بين 180 دولة يشملهم مؤشر مكافحة الفساد، وحصلت على 63 درجة من 100 درجة في درجات المؤشر. فالملاحظ أن قطر شأنها شأن دول الخليج، مغلقة من حيث إتاحة البيانات، وبخاصة تلك التي تخصّ الوضع المالي العام، وكيفية التصرف فيه، وقد كشفت الأحداث خلال الأيام الماضية، عن إقالة وزير المالية السابق علي العمادي، المعتقل حاليًا، والذي يحاكم بتهم فساد.

وفي ظل هذه الأعمال الكبيرة خلال الفترة الماضية، سواء للتجهيز لتنظيم مسابقة كأس العالم، وأيضًا مواجهة التداعيات المترتبة على الأزمة الخليجية، يتطلب الأمر إحكام الرقابة بشكل كبير وإعمال قواعد دولة القانون.    

رابعًا: التحدي الأخير، هو الإستعداد لدورة رواج جديدة قد تشهدها الوفورات النفطية خلال المرحلة القريبة القادمة، وهو ما يستلزم وجود إستراتيجية بفكر جديد، يستلهم دروس الأزمات السابقة ويُجنب قطر الصدمات والتقلبات الخارجية. من الصعب الآن الحديث عن إمكانية إستفادة قطر من تعاون اقتصادي خليجي أو عربي، فكلا المشروعين على الرغم من أهميتهما وضرورتهما، إلا أنهما في حكم المشروعات الميتة، بسبب التوجهات السياسية المختلفة بل والمتنافرة لدول الخليج وباقي الدول العربية.

منشورات أخرى للكاتب