التجارة بين دول الخليج: اقتصادات متنافسة لا متكاملة

تمثل التجارة البينية للكيانات الإقليمية أحد مظاهر نجاح هذه الكيانات. وفيما تصل التجارة البينية بين دول الاتحاد الأوروبي إلى 65% من إجمالي تجارة هذه الدول مع العالم، نجد النسبة في تجمع الآسيان بحدود 25%. عربيًا، تتراوح نسبة التجارة البينية ما بين 8% و10% من إجمالي تجارة الدول العربية مع العالم.

ومنذ 1981، شرعت دول الخليج في اتخاذ خطوات عملية في إطار وجود تكتل إقليمي لها، حيث أنشأ اتحاد مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وصيغت آنذاك اتفاقيات اقتصادية من بينها اتفاقية منطقة التجارة الحرة، إلا أن الأمر تطور في 2001 حيث تم تطوير الاتفاقيات الاقتصادية، ليتم التصديق على إتفاقية الاتحاد الجمركي الذي يلزم الدول الأعضاء بوجود تعريفة جمركية موحدة تجاه العالم الخارجي.

وفي 2007 تم اعتماد اتفاقية السوق الخليجية المشتركة، التي بموجبها يسمح بحرية انتقال الأفراد والإقامة، وحرية انتقال رؤوس الأموال، وتوحيد قواعد المعاملات الضريبية.

ومن خلال بيانات الأطلس الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2020، نجد أن قيمة التبادل التجاري لدول الخليج مع العالم بلغت نحو 1.06 تريليون دولار في عام 2019، وأن قيمة الصادرات السلعية لدول الخليج بلغت في نفس العام 609 مليار دولار، بينما بلغت الواردات السلعية 451 مليار دولار.

أما فيما يتعلق بالتجارة البينية لدول الخليج، فقد أظهرت الأرقام أن الصادرات البينية السلعية بلغت 91.3 مليار دولار، وهو ما يمثل نسبة 8.6% من قيمة التبادل التجاري لدول الخليج مع العالم الخارجي، وهي نسبة مماثلة أو قد تتطابق مع نسبة التجارة البينية للدول العربية مع العالم الخارجي.

والجدير بالذكر أن التجارة البينية بين دول الخليج في 1983 بلغت 6 مليارات دولار، وفي 2017 بلغت نحو 133 مليار دولار، ويرجع هذا التطور إلى زيادة حصة دول الخليج في الاقتصاد العالمي وكذلك تطور أسعار النفط. التراجع المرصود في 2019 قد يعود إلى التداعيات السلبية على الاقتصاد العالمي وتراجع أسعار النفط لتعود إلى ما كانت عليه قبل منتصف عام 2014.

تعتبر الإمارات الدولة الخليجية الأكبر من حيث نصيبها من التجارة البينية لدول الخليج وفق بيانات 2019 بنسبة تبلغ نحو 48%، تليها السعودية بنسبة 2.8%، ثم البحرين بنسبة 7.1%، ثم سلطنة عمان بنسبة 6.2%، ثم الكويت بنسبة 3.8%، ثم قطر بنسبة 2.4%.

وبطبيعة الحال، يمكن قراءة ضآلة نصيب قطر من التجارة البينية الخليجية في 2019، كنتيجة طبيعية للأزمة الخليجية التي بدأت منذ منتصف عام 2017، وانتهت في مطلع عام 2021، إلا أن ارتفاع نصيب الإمارات من التجارة البينية الخليجية يرجع لنشاط إعادة التصدير الذي توليه الإمارات اهتمامًا كبيرًا في تجارتها الخارجية بشكل عام.

خروق لإتفاقيات التجارة

على الرغم من وجود اتفاقيات لتنظيم التجارة، بل والدفع للوصول بالعلاقات التجارية والاقتصادية لدول الخليج إلى مرحلة التكامل، كما أشرنا من قبل، مثل وجود اتفاقيات لمنطقة التجارة الحرة، ثم الاتحاد الجمركي، ثم السوق الخليجية المشتركة، إلا أن سلطنة عمان وقعت بمفردها اتفاقية للتجارة الحرة مع أميركا في عام 2006 دون الرجوع لمجلس التعاون الخليجي، أو الالتزام ببنود الاتحاد الجمركي بأن تكون الاتفاقيات مع دول العالم في إطار خليجي جماعي.

كما تنطلق الدول الخليجية في علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول العالم بشكل منفرد، دون التقيّد باتفاقيات التجارة لاتحاد مجلس التعاون، وهو أمر يضعف من الجانب المؤسسي لهذا الاتحاد ويعطل بشكل كبير مشروع التكامل الاقتصادي لدول الخليج، على الرغم من وجود مؤسسات للعمل الخليجي المشترك، بشكل كامل، ولكن يبقى عمل هذه المؤسسات رهن الإرادة السياسية.

ولكم عطّلت الإرادة السياسية خطوات مهمة على صعيد التكامل الاقتصادي الخليجي، مثل تحفظ الإمارات في عام 2009 على أن يكون مقر البنك المركزي الخليجي في الرياض، مما أدى إلى تعطيل كامل لهذه الخطوة، وتأخر إصدار العملة الخليجية الموحدة.

أسباب تراجع التجارة الخليجية

التجارة الخارجية لأي دولة، هي جزء من منظومتها الإنتاجية والاقتصادية، فكلما كانت الدولة تمتلك موارد متنوعة، ولديها قدرة على تحويل المواد الأولية إلى مواد مصنعة وتحقيق قيمة مضافة جديدة، كلما كانت قدرتها على التصدير أعلى، حتى لو افتقدت لبعض الموارد ومستلزمات الإنتاج، وكان لديها قاعدة صناعية، تمكنها من أن يكون لها نصيب لا بأس به من التجارة الخارجية الإقليمية والدولية.

وبالنظر إلى أداء اقتصاديات دول الخليج، نجد أنها تعاني من أمرين سلبيين، الأول اعتماد هذه الاقتصاديات على النفط، والثاني أن منتجاتها السلعية التصديرية متماثلة، وبالتالي فهي متنافسة، وليست متكاملة. مثال ذلك، صناعات البتروكيماويات وغيرها من الصناعات القائمة على النفط.

الملاحظ أيضًا أن لا وجود لخطط خليجية للتخصص الإنتاجي بين دول الخليج، بحيث تكون هناك خريطة إنتاجية تمنع تنافسية المنتجات الخليجية، فضلًا عن أن الاقتصاديات الخليجية لم تتخلص بعد من أكبر سلبياتها من كونها اقتصاديات ريعية، وليست انتاجية. 

مكاسب ممكنة

أكدت الأزمة الاقتصادية التي تعيشها دول الخليج، بسبب الأزمة المزدوجة من انخفاض أسعار النفط، وجائحة فيروس كورونا، على ضرورة تنوع اقتصاديات الخليج، ولا يزال الخليج يمتلك العديد من المقومات لتحقيق هذا التنوع، سواء من حيث توفر رؤوس الأموال أو القدرة على استقدام العمالة الرخيصة، وتوفير الطاقة التقليدية ووجود مصدر دائم للطاقة الشمسية يمكن من خلالها إنتاج الطاقة النظيفة.   

وفي ظل انتظار أن تتوفر الإرادة السياسية لتحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي الذي يُعد أول مظاهره زيادة التبادل التجاري، فإن ذلك يتطلب رسم خريطة إنتاجية تعتمد على تنوع الإنتاج، بما يفي بمتطلبات السوق الخليجية وإمكانية المساهمة في إيجاد فرص تصديرية.

يتطلب هذا المسار إعادة النظر في طبيعة مخرجات المؤسسة الخليجية لتناسب متطلبات سوق العمل في ظل التوجه الجديد، كما يتطلب الأمر تغيير ثقافة العمل لدى أبناء الخليج. 

تعطي الاتفاقيات التجارية والاقتصادية الموقع عليها في إطار مجلس التعاون الخليجي مزايا كبيرة للمنتجات في أي دولة خليجية، باعتبارها دولة منشأ. لكن هذه الميزة تتطلب إجراء تعديلات تتواكب مع ما اتخذ مؤخرًا من سياسات اقتصادية في ظل الأزمات الاقتصادية الأخيرة، مثلًا؛ تم تطبيق ضرائب انتقائية في بعض دول الخليج كم تم تطبيق ضريبة القيمة المضافة في بعض البلدان بنسب متفاوتة. ومالم تتوحد هذه الأعباء فسيعمل ذلك على تفاوت المزايا الاقتصادية للاستثمار من دولة خليجية إلى أخرى.   

ختامًا: تعكس محدودية التجارة البينية لمجلس التعاون الخليجي أزمة غياب الاستراتيجية الموحدة لهذا الكيان الذي تتهدده الكثير من المخاطر. وإن كان مجلس التعاون الخليجي قد نجح في عقد الاتفاقيات المنظمة لعمله وأنشأ لذلك المؤسسات اللازمة، إلا أن التوجه السياسي والاقتصادي لدول الخليج ليس واحدًا.

منشورات أخرى للكاتب