النفقات العسكرية السعودية: العلاقة بالمؤشرات الاقتصادية (1 من 4)
بلغ المعدل السنوي للمصروفات العسكرية السعودية 74 مليار دولار. وبذلك تحتل المرتبة العالمية الثالثة بعد الولايات المتحدة والصين. كما تستحوذ على المرتبة العالمية الثانية بعد الهند في استيراد الأسلحة.
يتبين الثقل الحقيقي لهذا الإنفاق بتطبيق مؤشرات تعكس علاقة النفقات العسكرية بالناتج المحلي الإجمالي ودورها في الإنفاق العام الكلي والنسبة التي تقتطعها من إيرادات الدولة خاصة النفطية. توضح النتائج الارتفاع الهائل للإنفاق العسكري السعودي مقارنة بالدول الأخرى إذ يتجاوز النفقات العسكرية لجميع الدول العربية الأخرى، ويعادل خمسة أضعاف مجموع المصروفات العسكرية لأربع دول عربية في حالة صراع داخلي عنيف وهي سوريا والعراق وليبيا واليمن.
ينجم هذا الوضع عن ثلاثة أسباب رئيسة وهي التدخل الإيراني في منطقة الخليج العربي والتدخل السعودي في اليمن والإمكانات المالية الهائلة للبلد. كما يتعين الأخذ بنظر الاعتبار كلفة الحماية العسكرية الأمريكية. أصبحت هذه الكلفة المتزايدة مشكلة خطيرة ليست فقط سياسية بل مالية أيضا.
الإنفاق العسكري في السعودية وكذلك في الدول العربية الأخرى لا يسهم في الإنتاج لأنه استهلاكي. ولا يسهم في تحسين مركز الميزان التجاري بل في زيادة الواردات. لذلك يقود ارتفاعه إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. ولكن لابد من الإشارة أيضاً إلى أن تقليص هذا الإنفاق لا يحسن هذه الأوضاع ما لم يحل التصنيع المحلي محل الاستيراد. بمعنى أن تخفيض المصروفات العسكرية قد يصب في صالح أبواب أخرى استهلاكية خاصة وأن السياسة المالية السعودية تتسم برصد نسبة عالية من الأموال العامة للمصاريف الاعتيادية. ثلاثة أرباع مصروفات الميزانية العامة الحالية تشغيلية. كما تشكل المرتبات الجزء الأكبر من الإنفاق العسكري. وهي من حيث استخداماتها لا تختلف عن المرتبات المدنية. فالعسكري كالمدني يستهلك المواد الغذائية ويشتري خدمات السكن والنقل وهكذا. رغم ذلك النفقات العسكرية أشد ضرراً من النفقات المدنية خاصة عندما يتعلق الأمر بالاستيراد.
كما يسهم الإنفاق العسكري السعودي مساهمة قوية في العجز المالي فيترتب عليه ارتفاع الديون العامة وتقليص الاحتياطي النقدي وتزايد العبء الضريبي. ناهيك عن دوره في تردي المالية الخارجية نتيجة ارتفاع الواردات.
تصطدم دراسة النفقات العسكرية السعودية بعدة عقبات ترتبط بالدرجة الأولى بالإعلان الرسمي عن حجمها الذي غالباً ما يتأثر بعوامل سياسية واقتصادية. يقود هذا الوضع إلى إضعاف مصداقية الإحصاءات الحكومية.
معهد ستوكهولم | ميزانية الدولة | السنة |
80762 | — | 2014 |
87186 | 56800 | 2015 |
63673 | 47733 | 2016 |
70400 | 60800 | 2017 |
67555 | 56000 | 2018 |
— | 50906 | 2019 |
يختلف تقدير الإنفاق العسكري السعودي حسب المصادر وطرق الحساب. الجدول (تركيب أعده المؤلف لغرض هذا المقال انطلاقاً من نشرات ميزانية الدولة الصادرة عن وزارة المالية وإحصاءات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. بملايين الدولارات) يبين الفرق الشاسع بين المصدرين. وفق ميزانية الدولة بلغ الإنفاق العسكري 213 مليار ريال (أي 56.8 مليار دولار) في عام 2015 في حين تصل تقديرات معهد ستوكهولم إلى 87.1 مليار دولار. كما نلاحظ بوضوح أن التقديرات الرسمية أقل دائماً من تقديرات المعهد. وسوف تفضل هذه الدراسة إحصاءات المعهد وهي معتمدة لدى البنك العالمي.
ومن زاوية أخرى النفقات العسكرية غالباً ما تعني مصروفات وزارة الدفاع. في حين أن قسطاً من نفقات الوزارات الأخرى لا سيما وزارة الداخلية عسكرية أيضاً خاصة في الدول العربية. حسب الشركة السعودية للصناعات العسكرية تبلغ النفقات الأمنية ثلاثين مليار دولار وهي منفصلة تماماً عن النفقات العسكرية البالغة سبعين مليار دولار (تصريح للرئيس التنفيذي للشركة في فبراير 2019). ولكن هذه الدراسة سوف لن تأخذ بنظر الاعتبار النفقات الأمنية حفاظاً على سلامة المقارنات مع الدول الأخرى.
فيما يلي أربعة مؤشرات لتحليل هذا الجدول.
المؤشر الأول: النفقات العسكرية والناتج المحلي الإجمالي.
وهو أهم معيار لمعرفة مكانة هذه النفقات في اقتصاد البلد برمته. انتقلت النفقات العسكرية السعودية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي من 10.6% في عام 2014 إلى 13.3% في عام 2015 ثم إلى 8.7% في عام 2018.
يبين الجدول ارتفاع الإنفاق العسكري في السنة الأولى للتدخل السعودي في اليمن. ورغم هبوطه لاحقاً لا تزال هذه المعدلات مرتفعة مقارنة بالبلدان الأخرى. تسجل السعودية أعلى معدل في دول مجلس التعاون. كما انه مرتفع قياساً بالولايات المتحدة (3.1%) وبريطانيا (1.8%) ومصر (1.2%). وعندما يكون المعدل السعودي في أدنى مستوياته فهو يمثل أكثر من ثلاثة أضعاف المعدل العالمي البالغ 2.4% (هذه النسب مذكورة في مؤشر الإنفاق العسكري للبنك العالمي لعام 2018).
المؤشر الثاني: النفقات العسكرية والنفقات العامة.
يوضح أهمية النفقات العسكرية في ميزانية الدولة ويشير بالتالي إلى دورها في العجز المالي.
في عام 2017 بلغت النفقات العسكرية 30.6% من الإنفاق العام. ثم هبطت إلى 24.5% في عام 2018 نتيجة عاملين: انخفاض النفقات العسكرية وارتفاع النفقات الأخرى في آن واحد. ولكن لا تزال النفقات العسكرية تشكل نسبة عالية من الإنفاق العام مقارنة بالدول الأخرى. فقد بلغت 13.8% في الجزائر و 9.0% في الولايات المتحدة و 7.1% في تركيا و 4.6% في بريطانيا. وصلت النفقات العسكرية السعودية من حيث نسبتها إلى النفقات العامة خمسة أضعاف المعدل العالمي البالغ 6.2%.
في ميزانية عام 2019 قدر العجز المالي بمبلغ 35.9 مليار دولار. أي لو افترضنا خفض النفقات العسكرية إلى النصف لأمكن تغطية هذا العجز كلياً على وجه التقريب. هذا دليل واضح على مدى تأثير هذه النفقات على الحالة المالية للبلد.
المؤشر الثالث: النفقات العسكرية والإيرادات العامة.
ترتبط إيرادات الميزانية العامة ارتباطاً وثيقاً بالصادرات النفطية. كلما ارتفعت هذه الصادرات زادت الإيرادات العامة والعكس بالعكس.
في عام 2014 مقارنة بالعام السابق شهدت النفقات العسكرية تصاعداً كبيرا. في حين سجلت الإيرادات العامة هبوطاً نتيجة انخفاض طفيف في الصادرات النفطية. وفي عام 2015 تكرر هذا الاتجاه بصورة أشد حيث ارتفعت النفقات العسكرية على نحو لم يشهد البلد مثيله من قبل بسبب حرب اليمن. في حين سجلت العوائد النفطية وبالتالي الإيرادات العامة هبوطاً هائلا. أما في عام 2016 فقد تراجعت النفقات العسكرية والإيرادات العامة على حد سواء. وفي عام 2017 حدث العكس تماماً. ارتفعت كل من الإيرادات العامة والنفقات العسكرية. وفي عام 2018 تقلصت النفقات العسكرية مقابل تحسن الإيرادات العامة.
نستخلص من هذه الاتجاهات المتناقضة عدم وجود علاقة بين الصادرات النفطية أي الإيرادات العامة والنفقات العسكرية. لا شك أن العامل المالي يلعب دوراً بارزاً في تحديد حجم الإنفاق العسكري. لكن الحالة السعودية تشير بوضوح إلى خضوع القرارات المتعلقة بالدفاع لاعتبارات سياسية بالمقام الأول.
ومن زاوية أخرى وفق هذا المؤشر يقتطع الإنفاق العسكري 28.3% من إيرادات الدولة. وهي نسبة عالية قياساً بالبلدان الأخرى. ورغم هبوط حجم الإنفاق في نهاية فترة الجدول أعلاه قياساً ببدايته إلا أن هذا الإنفاق يمتص نسبة أكبر من العوائد النفطية. ففي عام 2014 كانت العوائد النفطية لمدة 121 يوماً كافية لتغطية الإنفاق العسكري. وفي عام 2018 اصبح من اللازم تخصيص عوائد نفطية لمدة 152 يوما. علماً بأن عام 2015 (السنة الأولى للتدخل السعودي في اليمن) امتص إيرادات نفطية لمدة 195 يوما.
المؤشر الرابع: الإنفاق العسكري الفردي.
هو حاصل قسمة النفقات العسكرية على عدد السكان. ويشير هذا المعيار إلى ارتفاع كبير للنفقات العسكرية السعودية مقارنة بالبلدان الأخرى الصناعية والنامية.
ففي عام 2018 بلغ معدل الإنفاق العسكري للفرد السعودي 2047 دولارا. مقابل 940 دولاراً في فرنسا و 196 دولاراً في الأردن و 103 دولارات في المغرب. الإنفاق العسكري للفرد السعودي يعادل تسعة أضعاف معدل الإنفاق العسكري للفرد في العالم.
قد يرى البعض أن عبء الإنفاق العسكري للسعودي منخفض نظراً لارتفاع دخله. وهذا استنتاج غير دقيق. الدخل الفردي السعودي يعادل 20696 دولارا. أي يمثل الإنفاق العسكري 9.9% منه. مقابل 2.4% في فرنسا و4.7% في الأردن و 3.4% في المغرب.
أن تخصيص عُشر الدخل الفردي السعودي للإنفاق العسكري يعني اقتطاع نسبة مهمة من هذا الدخل لصرفها في ميادين غير منتجة. الأمر الذي يسهم في تدني مستوى معيشة المواطنين.
نستنتج مما تقدم ارتفاع النفقات العسكرية السعودية وفق مختلف المعايير. أسباب عديدة أدت إلى هذه الحالة في مقدمتها المقدرة المالية للبلد والتوتر السياسي والصراع العسكري في منطقة الخليج.