خارطة حلفاء “التحالف العربي” في اليمن: الأجندات والتناقضات

تعدد أطراف “جبهة الشرعية” أصبح مشكلة مزمنة في ظل عدم انسجام المصالح والأهداف وتفاقم التناقضات

التعويل على خيار الحسم العسكري لأي طرف من الأطراف خطأ فادح فلا أحد يستطيع حسم الحرب نهائياً

شكل الحراك الشعبي لثورة فبراير 2011 حالة فارقة في الحالة السياسية اليمنية وبُنية التحالفات السياسية للسلطة، حيث تمكن من خلخلة شبكة التحالفات القديمة التي كانت الركيزة الأساسية لنظام “علي عبدالله صالح” لثلاثة عقود، دافعاً بجزء من مكونات هذا التحالف للانضمام إلى صف الثورة. إلا أن هذه التغيرات لم تؤدي إلى تكريس انقسام مجتمعي كما كرسه انقلاب جماعة الحوثي و”صالح” على السلطة الشرعية، وما ترتب على ذلك من خلق أنماط تحالفات مستحدثة عابرة للمصالح المستقرة والبنية التقليدية لتحالفات القبائل والجيش ورجال الدين، وقيام بعض هذه التحالفات على اصطفافات طائفية ومناطقية.
ومع تدخل التحالف العربي”عاصفة الحزم” بقيادة السعودية في الصراع اليمني، دفاعاً عن شرعية الرئيس اليمني “عبدربه منصور هادي”، تبلورت خارطة التحالفات السياسية الفاعلة في اليمن وتمركزت في جبهتين رئيسيتين هما: جبهة “تحالف الحوثيين وصالح”، وجبهة “الشرعية” المكونة من مقاومة داخلية تدافع عن شرعية “هادي” ومدعومة سياسياً وعسكرياً من التحالف العربي.
يحتل القاعدة الهرمية لجبهة الشرعية حلفاء التحالف العربي، قوى اجتماعية وسياسية تربطها بسلطة الرئيس “هادي” مصالح سياسية واقتصادية أو مناطقية قبلية، وقوام هذه الشريحة أحزاب سياسية ومدنيون وإعلاميون وأعضاء حوار وطني، وتشكل هذه الشريحة الخطاب السياسي لشرعية “هادي” والتحالف العربي.
ويعد حزب التجمع اليمني للإصلاح، “الإخوان المسلمون”، قوة مؤثرة في جبهة شرعية هادي إذ يحتل المرتبة الثانية في هرم حلفاء التحالف، وإن كان يمثل مع التيارات المتدينة الأخرى القوام الرئيس للقوة العسكرية المقاتلة داخل اليمن، بحكم امتلاكه لميليشيات مستقلة تابعة لمشائخ قبليين، إضافة إلى الجناح العسكري لــ”علي محسن الأحمر”، الفرقة الأولى مدرع سابقاً؛ تحارب غالبية قواعد الحزب تحت مظلة التحالف العربي لثلاثة أهداف هي: الدفاع عن شرعية “هادي”، الحصول على استحقاقات سياسية مستقبلية للحزب، وانتقاماً لكوادره اللذين سجنهم الحوثيون.
ويحارب كوادر حزب الإصلاح في مدن المواجهات، كمدينة مأرب والبيضاء ومدينة عدن، إلا أن القوة الفعلية لحزب الإصلاح تتركز في مدينة تعز، حيث يتزعم المقاومة الشعبية فيها “حمود سعيد المخلافي”، الذي ينتمي للإصلاح والقائد العسكري “صادق سرحان” الذي ينتمي إلى “الفرقة الأولى مدرع”. ورغم اصطفاف الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح)، بمختلف أجنحته السياسية والعسكرية والقبلية، مع التحالف العربي، إلا أن موقف دول التحالف-خاصة دولة الإمارات- السلبي من الإخوان المسلمين أربك أجندتهم السياسية.
لقد أسهمت الحرب الدائرة في اليمن في تعاظم قوة الجماعات السلفية، فوفقاً لحضورها الاجتماعي وقوتها العسكرية، يحتل السلفيون المرتبة الثالثة في هرم حلفاء التحالف، ويعتبر غالبية مجاميعهم مقاتلين متمرسين، سبق لبعضهم أن استقر في “دماج” بمدينة صعدة، وخاض حرباً ضد جماعة الحوثي التي طردتهم من المدينة، وعادت هذه المجاميع إلى مدنها وظلت كامنة حتى بدأت الحرب، فانخرطوا فيها لمحاربة الحوثيين من منطلق عقائدي ديني مذهبي، وليس من منطلق سياسي؛ إذ يُحمِّل السلفيون “هادي” مسئولية تمكين الحوثيين من السلطة، ولا ينسون خذلانه لهم في حرب دماج. تركزت المجاميع السلفية المقاتلة، في مدينة عدن، حيث شاركت في تحرير المدينة، كما أن قوة السلفيين في مدينة تعز آخذة في التضاعف، حيث يسيطرون على قيادة المنطقة الشرقية من المدينة، ويحظون بدعم لا محدود من التحالف العربي.
شاركت كثير من القبائل اليمنية في الحرب، وهيمنت على مناطق شمال الشمال كقوة اجتماعية مسلحة تحارب الحوثيين، في مدينة مأرب والجوف والبيضاء. وانخرطت هذه القبائل في الحرب وفقاً لولاءاتها السياسية والمذهبية، أو سعياً للحصول على مكاسب اقتصادية، أو دفاعاً عن حضورها الاجتماعي بعد تضررها من ممارسات الحوثيين، كما حدث مع مشائخ “حاشد”. رغم استقطاب التحالف لبعض مشائخ القبائل وإغداقه بالأموال والسلاح عليهم، إلا أن ولاءاتهم قد تتغيير سريعاً، تبعاً للدعم المالي أو تغير سير المعارك، مما يجعل من الصعوبة على أي طرف كسب ولاء هذه القبائل حتى النهاية.
فرض زحف الحوثيين على مدينة عدن واقعاً مغايراً على فصائل الحراك الجنوبي التي خاضت الحرب تحت أجندات سياسية مختلفة، إما دفاعاً عن شرعية “هادي” أو خوض هذه الحرب تمهيداً لاستقلال الجنوب. وقد جمدت غالبية فصائل الحراك خطابها المنادي بالاستقلال أثناء الحرب، تجنباً للدخول في صراع مع القوى السياسية الأخرى، لكن، بعد تحرير عدن والمناطق الجنوبية، عاد الخطاب الاستقلالي والصراع بين مختلف الفصائل ليطغى على المشهد السياسي في الجنوب، وإن لم يستطع تحقيق أجندته بسبب هيمنة التنظيمات الدينية المتشددة، كالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
كما يلتقي موقف طيف واسع من اليمنيين مع موقف التحالف العربي المدافع عن شرعية “هادي”، رغم موقف هؤلاء المعارض للتدخل العسكري للتحالف العربي في اليمن، أو عدم ثقتهم في قدرة “هادي” على إدارة الدولة والخروج بالبلاد من الأزمات، ويلتقي موقف هؤلاء مع تحالف الشرعية إما دفاعاً عن المشروعية السياسية لـ “هادي”، ولمعارضتهم انقلاب الحوثيين على السلطة والممارسات التي صدرت عن الجماعة طوال الفترة الماضية، وغالبية هؤلاء هم مستقلون أو ينتمون لأحزاب يسارية وقومية.
إن دراسة وتحليل بنية المكونات السياسية والاجتماعية المنضوية في جبهة الشرعية “حلفاء التحالف” وتموضعاتها يحيلنا إلى جملة من السمات العامة التي تميزها، وأول هذه السمات افتقاد هذه الجبهة إلى مشترك سياسي يوحد خطابها وأجندتها السياسية واستراتيجيتها في إدارة للحرب، وهو ما عكس تشظيها وأثر على تموضعاتها في الميدان؛اذ اختلفت دوافع ومصالح هذه القوى في انخراطها في الحرب. وهو ما يؤكد تعقد خارطة حلفاء التحالف وتناقض أجنداتها وتنافساتها المحتدمة التي تتعاظم مع اشتداد المعارك وحسم بعض الجبهات، وهو ما من شأنه أن يتحول مستقبلاً إلى تناقض رئيسي بين هذه القوى، وربما قد يتحول إلى مواجهات مسلحة بينها، مضافاً إلى ذلك، تضارب مصالح القوى الإقليمية المشكلة للتحالف العربي في إدارة الحرب في اليمن.
ولاتقتصر الإشكاليات العديدة لجبهة الشرعية “حلفاء التحالف” على ما أوردناه أعلاه، بل تعدى ذلك إلى تحول عناصر تفوقها وقوتها إلى سمات ضعف خاصة مع إطالة أمد الحرب، فمثلما كان تفوق جبهة الشرعية انطلاقاً من مبدأية الدفاع عن شرعية يمنية منتخبة في مواجهة قوى انقلابية مثلتها جبهة الحوثي وصالح، سرعان ما تحول هذا التفوق إلى ضعف، بسبب اتكاء جبهة الشرعية على حليف خارجي وتورطها في أجنداته، مضافاً إليه ماسببته الغارات الجوية من خسائر بشرية ومادية واقتصادية، وأدى مع إطالة أمد الحرب وتضاعف معاناة اليمنيين إلى تقلص الإسناد الشعبي لها. ورغم انتشار أنصار وحلفاء جبهة الشرعية في كثير من المناطق اليمنية، مقارنة بتموضع أنصار الحوثي وصالح في مناطق بعينها، وهو من شأنه أن يسهم في تحرير بعض المدن اليمنية، إلا أنه لا يسهم في الحسم النهائي للحرب أمام سيطرة الحوثيين وصالح على مناطق شمال الشمال، كما أن تعدد أطراف “جبهة الشرعية” أصبح مشكلة مزمنة لهذه الجبهة في ظل عدم انسجامها في المصالح والأهداف، وتفاقم التناقضات بينها، وتنافسها على القيادة، ونقلها الصراع إلى ما تبقى من الجيش الذي يقاتل دفاعاً عن الشرعية. وعزز تضارب مصالح دول التحالف العربي وتنافسها -كالإمارات والسعودية- ودعمها لفصيل سياسي يمني على آخر، تعقيد المشهد السياسي والعسكري في الحرب، وهو ما رشح جلياً أثناء معركة تحرير عدن والجنوب، ومعارضة الإمارات الاتجاه لتحرير مدينة تعز، بسبب موقفها من المقاومة في تعز التي ينتمي جزء كبير منها للإخوان المسلمين، بسبب قلق الإمارات من تنامي قوتهم في المستقبل، وفي المقابل، دعمت السعودية “السلفيين” على حساب حزب الإصلاح “الإخوان المسلمين”.
وعلى رأس أسباب الفشل التي تعتري جبهة الشرعية، فشل السلطة الشرعية ممثلة بالرئيس “هادي” والحكومة اليمنية في إدارة المدن المحررة، وتحديداً مدينة عدن، وعدم قدرتها على الحد من الانفلات الأمني وتوفير الخدمات للمواطنين، مما أتاح للقاعدة وتنظيم داعش السيطرة على عدة مناطق في المدينة، وهو ما عزز مخاوف اليمنيين من مستقبل المناطق المحررة الذي قد يتحول إلى دورة أخرى من العنف والفوضى.
إن التعويل على خيار الحسم العسكري لأي طرف من أطراف الصراع اليمنية هو خطأ فادح، حيث أن التعويل عليه لا يستقرئ أبعاد التناقضات البينية وتعقد الأجندات الآنية والمستقبلية لمكونات أطراف الصراع، سواء تلك المنخرطة في جبهة “الشرعية” أو المنخرطة في جبهة صالح والحوثي، فليس هناك من طرف يستطيع حسم الحرب نهائياً وخلق معادلة سياسية وطنية تحقق استقرار اليمن وتضمن حياة عادلة وآمنة لليمنيين، فوفق أداء أطراف الصراع في اليمن، ستكون حرباً لا نهاية لها ولا منتصر فيها، وسيظل اليمنيون الطرف الأضعف والخاسر الأكبر.

 

منشورات أخرى للكاتب