اليمن: نحو تسييس الحوثيين وفشل الحسم العسكري يصنع التسويات

خلف مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح تعقيداً إضافياً على المشهد اليمني، لم يعطل مقتل صالح فرص تحقيق تسوية سياسية بين الخصوم وإنهاء الحرب فحسب، بل دفع الأطراف اليمنية وحلفائهم الإقليميين أيضاً إلى السعي نحو إحراز تفوق عسكري يُغير طبيعة الصراع في البلاد، كما يعيق تنامي حدة الصراع الإقليمي بين السعودية وإيران من تحقيق أي تقارب سياسي بين جماعة الحوثي والرياض؛ فبعد اغتيال صالح وانفرادها بالسلطة في العاصمة صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرتها سعت جماعة الحوثي إلى استنساخ التجربة الايرانية في اليمن، فضلاً عن توظيف السعودية للحضور الإيراني مبرراً في استمرار حربها ضد الحوثيين، الأمر الذي انعكس على طبيعة الصراع الذي أخذ منحى طائفياً كلياً لأول مرة منذ بدء الحرب.

وأدى تحول جماعة الحوثي إلى واجهة طائفية للحرب إلى دخول ايران بكل ثقلها السياسي والدبلوماسي في اليمن، إذ لم تكتف الدبلوماسية الايرانية بتبني موقف جماعة الحوثي في اغتيال صالح، بل استثمرت انفراد الجماعة بالسلطة لتمارس وصايتها السياسية، فضلاً عن تقديم نفسها كقوة اقليمية تحمي سلطة الحوثيين وتدافع عنها كأقلية شيعية. في المقابل لعبت السياسة الخارجية الأمريكية بعد مقتل “صالح” دوراً كبيراً في تصاعد الصراع الايراني السعودي، إذ اتهمت ايران بتزويد جماعة الحوثي بالصواريخ لاستهداف العمق السعودي، وكذلك حملتها مسئولية إعاقة الحل السياسي في اليمن.

قوضت التداعيات الإقليمية والدولية لمقتل “صالح” أرضية التقارب بين السعودية وجماعة الحوثي، إلا أن غياب “صالح” فتح الباب أمام احتمالات أخرى، بما فيها تغيير معادلات الحرب وكذلك المعادلات السياسية. أخل غياب “صالح” كطرف رئيس من أطراف الحرب بموازيين القوة العسكرية لجماعة الحوثي، إذ جعل من الجماعة طرفاً وحيداً، عليه وحده تنهض إدارة العمليات العسكرية لجبهة الانقلاب في مختلف مناطق المواجهات، هذا التغيير في معادلة الحرب زاد من حضور خيار حسم الحرب عسكرياً بالنسبة للسعودية والامارات ووكلائهم المحليين، وهو ما يؤكده تصاعد العمليات العسكرية وتقدم التحالف العربي في الساحل الغربي ومدينة شبوة، إلا أن تعقيدات الحرب في اليمن، وكذلك الحسابات السياسية المتغيرة لاطرافها قد لا تجعل حسم السعودية وحلفائها للحرب ممكناً، ومن ثم فإن انهاك جماعة الحوثي، وفشل الحسم العسكري قد يكون مفتاحاً أوليا لتقارب سعوي حوثي، خاصة وأن ما يهم السعودية، بدرجة رئيسية بعد تحقيق أجندتها في الوصاية على اليمن هو تأمين حدودها الجنوبية بما يؤدي إلى إقامة منطقة عازلة.
وانخرطت السعودية سابقاً في تفاوض مباشر مع جماعة الحوثي في مرحلة مبكرة من الحرب في منطقة ظهران الجنوب بعيداً عن صالح حينها، واشترطت السعودية عدم قيام جماعة الحوثي بأعمال قتالية داخل حدودها الجنوبية.

ومن المتغيرات في المعادلة السياسية بعد غياب صالح، تفرد جماعة الحوثي بالقرار السياسي في التفاوض عن جبهة الانقلاب، لتنتهي بذلك ثنائية الصوت السياسي في تحالف الحوثي – صالح، كانت تلك الثنائية سبباً رئيساً في فشل المفاوضات مع حلفاء الشرعية. تفرد جماعة الحوثي بالقرار السياسي قد يكون مفتاحاً للتقارب بينها وبين السعودية، وفق عوامل متداخلة في الساحة المحلية وكذلك الإقليمية. كما أن تفرد جماعة الحوثي في جبهة الانقلاب سيجعلها عرضة للضغط الدولي والاقليمي من قبل ايران، وقد يؤدي ذلك إلى اذعان جماعة الحوثي للتفاوض. في المقابل، فإن احتكار السعودية، وكذلك الإمارات، كدولتين متدخلتين في اليمن لقرار الحرب والسياسة، يجعل منهما من يحدد كيفية التعاطي مع جماعة الحوثي، وبموجبه سيتم تقرير شروط التسوية وشكل السلطة السياسية في اليمن مسقبلاً.

تشكل طبيعة جماعة الحوثي، كجماعة دينية مغلقة تحكمها مرجعية دينية ممثلة بزعيمهما عبدالملك الحوثي، عائقاً في تحقيق تقارب بينها وبين السعودية، إذ لا تتعاطى الجماعة بمعايير سياسية مع خصومها، سواء السعودية أو القوى السياسية اليمنية المنضوية في السلطة الشرعية، وإنما يسيطر على الجماعة ويحكمها خطاب ديني طائفي، في مقابل خفوت الصوت السياسي داخل أجنحتها الأخرى، وبالتالي فإن المراهنة على تغير جماعة الحوثي هو بتشكل قوة سياسية داخلها تعمل على انتاج خطاب سياسي يدير علاقتها مع خصومها اليمنيين والاقليميين، وإن احتاج ذلك إلى وقت طويل لتشكل مثل هذه القوى.

شكلت التحالفات في جبهتي الحرب وحالات الانسجام والتناقضات البينية، رافعة رئيسية في دعم التموضعات العسكرية للفرقاء اليمنيين أو اضعافها. وبالتالي، يمكن المراهنة على تضعضع هذه التحالفات كأرضية لتحقيق تقاربات مستقبلية بين الخصوم.

وكما كان وجود “صالح” كحليف قوي وثقل عسكري في الساحة اليمنية عامل قوة لجماعة الحوثي إلا أن الجماعة أصبحت بعد اغتيالها لحليفها دون غطاء سياسي يمنحها القدرة على التحرك على الأرض أو إملاء شروطها على خصومها، خاصة بعد فشلها في كسب قوى سياسية يمنية لحلفها. وهو ما يجعل من جماعة الحوثي، الطرف الأضعف في المعادلة السياسية.

في المقابل فإن غلبة التناقضات البينية في تحالف الشرعية، وتحولها في أكثر من مرحلة إلى مواجهات مسلحة كالصراع بين التجمع اليمني للإصلاح وفصائل المقاومة السلفية، فضلاً عن أبعاد الصراع الخليجي بما فيها عداء الامارات لحزب الاصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن)، فإن ذلك يشتت من الجبهة السياسية لمعسكر الشرعية وحلفائها،
تتقاطع طرق الأطراف المتناقضة كالسعودية وجماعة الحوثي، وتتلاقى على أرضية ائتلاف مصالحها السياسية في المستقبل، وفي حرب بلا أخلاق، كالحرب التي تدور في اليمن، قد تحدث تطورات مفاجئة تغير من شكل التموضعات السياسية للفرقاء. وفي سياق كهذا، لا يمكن بناء وجهة نظر نهائية لمفاتيح التقاربات السياسية بين السعودية وجماعة الحوثي، إذ من الصعب التكهن بنتائج العمليات العسكرية في اليمن بالوقت الحالي التي يغذيها صراع اقليمي سعودي ايراني مستعر، يعمل الأقوياء على جني ثماره بشتى الطرق، متجاهلين كالعادة أن هناك شعوباً مغلوبة على أمرها تدفع وحدها ثمن صراع يدور على أراضيها.

منشورات أخرى للكاتب