هل كذبت فرنسا على دول الخليج؟

صادرات السلاح الفرنسية ازدادت بنسبة 18% ودول الشرق الأوسط تتصدر قائمة الزبائن

دول الخليج لم تغفل عن أكذوبة “فرنسا: الدولة العظمى” لكنها أرادت وسيطاً ومتحدثاً رسمياً

لابد أن حبل الود الذي ربطته فرنسا مع دول الخليج لم يكن مجانياً، والأكيد أن فرنسا بدأت في جني ثمار تأييدها لسياسات مجلس التعاون الخليجي.

تقرير صادر عن وزارة الدفاع الفرنسية منذ أشهر قليلة أقر أن صادرات السلاح الفرنسية ازدادت بنسبة 18% عن العام 2014، مشيراً إلى أن دول الشرق الأوسط تتصدر قائمة زبائن السلاح الفرنسي. وأشار التقرير ذاته إلى أن هذه النتائج تعد الأفضل لصادرات صناعة السلاح الفرنسية منذ 15 عاماً مما يؤهل فرنسا إلى احتلال المرتبة الرابعة عالمياً بالنسبة لصادرات السلاح، متوقعاً أن تتواصل هذه الزيادة خلال العام الجاري.
تسعى فرنسا منذ سنوات إلى خلق منافذ جديدة لها لتقوية علاقتها مع دول الخليج وقد وجدت في الدعم السياسي لهذه الدول منفذاً لإخراج اقتصادها من الأزمة التي يعاني منها منذ الأزمة الاقتصادية العالمية العام 2008، ويبدو أنها حققت أولى خطوات النجاح في هذا الطريق وهو ما يبدو جلياً من خلال صفقات السلاح التي أبرمتها مع عدد من دول الخليج والوعود الاستثمارية التي أطلقتها الرياض خصوصاً في مشاريع فرنسية.
من هذا المنطلق لنا أن نتساءل، لِمَ تغدق دول الخليج العربية بسخاء على فرنسا؟ ذلك أن الإحصائيات تشير إلى أن 35% من إجمالي التجارة الفرنسية في الدول العربية مخصص لدول الخليج، في حين أن حليفها الاستراتيجي، الولايات المتحدة الأمريكية، لم يفارق موقعه ولا يزال على عهده. يذهب البعض إلى أن دول مجلس التعاون تسعى إلى إيجاد حليف استراتيجي جديد، بعيداً عن حليفها التقليدي الذي ما ينفك يخذلها في ملفاتها الساخنة، فهل أن فرنسا مؤهلة لاحتلال هذا الموقع؟ وهل تسعى دول الخليج إلى معاقبة أمريكا باستبدالها من خلال شراكتها مع قوى دولية أخرى؟ وهل لفرنسا ان تلعب هذا الدور؟ يقر الفرنسيون أنه لابد لأكذوبة الدولة العظمى التي لا يزال يروج لها، أن تنتهي. فرنسا اليوم ليست قوة مسيطرة ولكنها دولة يمكن لها أن تحدث تغييراً في عدة ملفات دولية. فهل تعي دول الخليج هذه الحقيقة؟
لا أعتقد أن الدبلوماسيات الخليجية بغافلة عن المكانة السياسية لفرنسا ومدى محدودية تأثيرها على المستوى الدولي. والدليل على ذلك أنها ما تزال تفرد حليفها التقليدي، الولايات المتحدة، بأهم الامتيازات. ولئن نجحت فرنسا في أن تقتطع لنفسها نصيباً من الكعكة الخليجية فإن أمريكا ما تزال تستحوذ على النصيب الأكبر والأدسم منها. ذلك أنه في مقابل 175 مليون دولار من الأسلحة التي باعتها فرنسا للسعودية خلال العام 2014، باعت أمريكا للسعودية ما قيمته 1.2 مليار دولار. كما أن القواعد الأمريكية في الخليج العربي ما تزال تتمركز هناك، وهو وإن دل على شيء فهو يدل بالتأكيد على أن فرنسا ولئن قدمت ضمانات عسكرية لدول المنطقة فهي تعجز عن مجاراة أمريكا ومنافستها في نفوذها وسيطرتها داخل المنطقة في مختلف المجالات كما أنها لا تستطيع أن تحلق بعيداً عن الخط الذي تحدده لها الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما يبرز جلياً من خلال موقفها من التدخل الروسي الأخير في سوريا.
الدول الخليجية لا ترى في الإيليزيه ذلك الشريك أو الحليف القوي الذي من شأنه أن يقلب موازين الملفات الحساسة لفائدتها، ودليل ذلك أنها وعلى الرغم من كل الاستثمارات والصفقات التي خصت فرنسا بها والصفقات التي يتوقع أن تفردها بها إلا أنها لم ترفعها إلى ذات المكانة التي تخص بها الولايات المتحدة، وهو ما يعني بالضرورة أن فرنسا ورغم كل تباهيها بتاريخها وتبجحها بقدراتها كدولة عظمى لم تفلح في إقناع أمراء النفط سوى بوضعها موضع الوسيط أو القوة الضاغطة، مكافأة لها على دعمها للمواقف السعودية في سوريا واليمن وموقفها من الملف الإيراني.
تاريخياً، لم تقف الدول الخليجية موقف القوة الضاغطة، بل لطالما كانت تتخذ وسيطاً تمرر من خلاله رؤيتها ومواقفها من الملفات العالمية عامة والإقليمية خاصة، ووجدت دول الخليج في فرنسا ذلك الشريك أو الوسيط الإستراتيجي في ظل خذلان واشنطن لها في ما يختص بالملفات الساخنة في المنطقة. من جهة أخرى، لا بد من التنويه بأن ما يحسب للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، الذي عبر الفرنسيون عن فقدانهم الثقة في أدائه السياسي، أنه تمكن من إقناع الخليجيين بقدرته على لعب هذا الدور وبإتقان.

منشورات أخرى للكاتب