المرأة السعودية وقيادة المستقبل
تخوف كبير في الشارع السعودي من عدم فوز المرأة في هذا الاستحقاق استناداً على ثقافة المجتمع الذكورية والممتزجة بخلفية دينية متشددة
الحكومة السعودية التي رمت بكرة المرأة في ملعب المجتمع أغلب الأحيان، كانت أكثر جرأة فيما يتعلق بحقوقها لا سيما في مجالات التعليم والعمل
قبل ربع قرن من الزمان حاولت مجموعة من النساء السعوديات قيادة سياراتهن في مدينة الخبر الساحلية، وذلك في محاولة لكسر القيود المجتمعية الصارمة آنذاك، كانت تلك (ربما) المرة الأولى التي يرتفع فيها صوت السعوديات للتمرد على واقعهن، والشرارة التي انطلقت منها ثورتهن المجيدة للمطالبة بحقوقهن المشروعة.
أكثر من عشرين عاماً مضت على هذه الحادثة، كانت فيها المرأة السعودية مثالاً للمرأة العربية المناضلة في سبيل الحصول على جزء يسير من حقها في المساواة مع الرجل، داخل مجتمع كان ولا يزال متخوفاً من تمكين المرأة، وتفعيل دورها أسوة بمثيلاتها في دول الخليج.
أتذكر اليوم الذي نالت فيه المراة الكويتية في العام ٢٠٠٥ حق المشاركة في الحياة البرلمانية ترشيحاً وانتخاباً بعد كفاح دام لسنوات، حينها تنبأ الكثير من المراقبين ألا تحصل المرأة السعودية على حق من هذا النوع قبل مرور قرن من الزمان أو أكثر، خاصة وأنها لاتزال تحاول اعتلاء أولى الدرجات على سلم الحقوق والحريات.
الحكومة السعودية التي رمت بكرة المرأة في ملعب المجتمع أغلب الأحيان، كانت أكثر جرأة فيما يتعلق بحقوقها لا سيما في مجالات التعليم والعمل، واستطاعت خلال عشر سنوات، هي فترة حكم العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز -رحمه الله-، من تحقيق خطوات هامة على هذا الطريق، لكنها ارتأت أن تبدأ بأعلى الهرم، أي أن تمنح المرأة حقوقاً سيادية كحق الدخول في مجلس الشورى، وتسليمها الأدوات المناسبة لتخوض بنفسها حربها الناعمة مع المجتمع، ولتنتزع حقوقاً طالما انتظرتها .
تعيين ثلاثين امرأة في مجلس الشورى تم بأمر ملكي، أي أنه كان تكليفاً لا تشريفاً، لذلك فإن مشاركة المرأة السعوية في الانتخابات البلدية المقبلة ولأول مرة كناخبة والأهم من ذلك كمرشحة، يعد الاختبار الحقيقي للوعي الذي وصل إليه المجتمع الذي رحب بغالبية أطيافه بمنح المراة مزيداً من الحقوق والحريات لكنه حتى الآن يختلف على كيفية تطبيقها .
هناك تخوف كبير في الشارع السعودي من عدم فوز المرأة في هذا الاستحقاق استناداً على ثقافة المجتمع الذكورية والممتزجة بخلفية دينية متشددة في بعض المناطق، حتى طالب البعض بالتزام نظام الكوتا أو حتى تغيير النظام الانتخابي الذي ينتهج الصوت الواحد من أجل ضمان وصول المرأة إلى المجالس البلدية.
قد لا أتفق كثيراً مع تلك المخاوف خاصة وإن مجتمعاً كالمجتمع السعودي يضم اليوم بين أركانه ملايين النساء العاملات وأولئك اللواتي ابتعثن للدراسة في الخارج، لم يعد قاصراً عن إدراك أهمية انتخاب المراة لمقعد المجلس البلدي، وهو المكان الأنسب للمرأة لتثبت قدرتها على تحمل مسئوليتها تجاه مجتمعها المحلي المحيط بها على أقل تقدير، واعتقد بأنها لن تدخر جهداً في سبيل ذلك، كونها تسعى إلى اقتناص كل الفرص لإقناع شريكها الرجل بأهليتها للحصول على المزيد من الدعم والتشجيع لتنال حقوقها المشروعة بشكل كامل.
برأيي الشخصي فإن الفرصة الذهبية في هذا الاستحقاق تكمن في انعدام الثقافة الانتخابية لدى المجتمع السعودي بشكل عام رغم مروره بتجربتين انتخابيتين حتى الآن، كما في توجه الحكومة الرامي نحو تخفيض سن الناخب إلى ثمانية عشر عاماً، وكلاهما عاملان يشجعان على زرع بذور ثقافة انتخابية صحية تشكل فيها مشاركة المراة وتمكينها محوراً رئيسياً، فالمجتمع في هذه الظروف يعتبر أرضاً خصبة تصلح لزراعة أفكار تقدمية فيما يتعلق بأهمية الدور النسوي في الدفع بعجلة التنمية والبناء.
صحيح أن الصلاحيات التي يتمتع بها المجلس البلدي قد لا تتجاوز نطاق النقاش حول مسائل الحي أو المدينة التي يمثلها، لكن الحصول على هذا المقعد بالنسبة للمرأة السعودية يجب أن يحظى بالمزيد من الاهتمام، لأنه سيشكل مفتاح تلك البوابة التي ستسمح لها بالولوج إلى ساحة العمل الميداني والاحتكاك المباشر مع رجل الشارع، لنقل الصورة المشرقة عن المكانة الثقافية والعلمية التي وصلت إليها، وبالتالي تبديد تلك المخاوف المجتمعية التي لا زالت تطارد معشر النساء لتحول بينهن وبين أبسط حقوقهن كحرية السفر والتنقل على سبيل المثال لا الحصر.
القيادة قد لا تكون دائماً خلف مقود السيارة، فقيادة المستقبل والعمل على زيادة وعي المجتمعات قد تكون بحد ذاتها هدفاً سامياً وبداية مبشرة لنيل المزيد من الحقوق التي لن تنتظر المرأة السعودية طويلاً للظفر بها، لو بقيت متمسكة بحقها في الحلم بغد أجمل .. وإن غداً لناظره قريب.