الإعلامية الخليجية وكرسي الرئاسة!

المرأة في الخليج مادة دسمة في صراع التيارات الفكرية والدينية فأمضت جل وقتها وهي تبحث عن حقوقها المشروعة

ما الذي يحول دون وصول الإعلامية الخليجية إلى رئاسة تحرير الصحف والمؤسسات الإعلامية ذات الطابع السياسي في منطقتنا؟ سؤال جدير بالطرح لكنه قد يتوارى خلف حقيقة أن المرأة بشكل عام تعاني من التهميش الإعلامي في مجال السياسة، والذي طالما اعتبر حكراً على الرجال حتى في الدول المتقدمة وليس على مستوى الدول النامية فقط.
ودعوني أضرب لكم مثلاً بصحيفة لوموند الفرنسية العريقة، والتي تأسست في العام 1944 رافعة مشعل الحرية والمساواة خاصة بعد معاصرتها لثورة الطلاب في فرنسا عام ١٩٦٨، تلك الثورة التي روجت لأفكار اليسار وتمردت على المعتقدات البالية في المجتمع الفرنسي، وأبرزها الإقصاء الذي كانت تعاني منه المرأة الفرنسية على مختلف الأصعدة.
ناتالي نوغاريد صحفية فرنسية في صحيفة لوموند، كان عليها الانتظار تسعة وستين عاماً، قبل أن ترى اسمها مطروحاً على لائحة التصويت لانتخابها كرئيسة تحرير في العام ٢٠١٣، نوغاريد أصبحت بذلك أول امرأة تترأس تحرير تلك الصحيفة منذ تأسيسها، لكنها مع الأسف اضطرت إلى تقديم استقالتها بعد عام واحد فقط، بعد عصيان قاده مجموعة من الصحافيين احتجاجاً على طريقتها في إدارة الأمور.
وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية التي دفعت نوغاريد إلى الاستقالة، وهل كان الأمر متعلقاً بأسلوب الإدارة حقاً؟ أم لكونها امرأة تتسيد كرسياً ظل حكراً على الرجال لسنوات طويلة لعب دوراً في إبعادها عن المشهد؟ إلا أن عامل غياب الثقة في المرأة كفاعل أساسي في المشاركة السياسية يبقى الأبرز خلف عدم تمكنها من الوصول إلى سدة القيادة في المؤسسات الإعلامية الكبيرة لاسيما في منطقة الخليج.
هذا الأمر لا يبتعد كثيراً عن العوائق التي تحول دون وصول المرأة الخليجية إلى أي منصب سياسي إلا بمباركة الدولة، والتي ترغب عبر خطوات مماثلة في تمرير رسائل معينة إلى الداخل والخارج، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في تركيبة معظم المجتمعات الخليجية التي نأت بالمرأة دوماً عن شؤون السياسة كما فعلت مع الرجل أيضاً، بل إن في بلد كالسعودية كانت المرأة مادة دسمة في صراع التيارات الفكرية والدينية فأمضت جل وقتها وهي تبحث عن حقوقها المشروعة في خضم هذا الصراع، وأجبرت غالبية السعوديات على التوجه نحو الإعلام الاجتماعي والحقوقي لإيصال أصواتهن عبر ما توفر من المنصات والمنابر .
لا ننسى أيضاً بأننا نعيش في دول كانت بعيدة إلى حد كبير عن الأجواء السياسية المحيطة بالمنطقة، وفي ظل غياب أي قضية سياسية للدفاع عنها، لم يسعى المجتمع إلى تنمية الوعي السياسي لدى الفرد، لذلك نجد المرأة بحكم هذه التنشئة بعيدة كل البعد عن إثراء الجانب السياسي في شخصيتها والدخول في معترك الحياة الإعلامية من بوابة السياسة، ودعوني اعترف بأنني لم ادخل هذه المجال إلا بعد الاحتكاك عن قرب بالقضيتين العراقية والفلسطينية بحكم دراستي الجامعية في الأردن البلد الذي شكل بوتقة حقيقية للسجال الفكري والسياسي حول قضايا المنطقة مطلع القرن الحالي بحكم موقعه الاستراتيجي في عين العاصفة.
لا أريد ان أتعمق أكثر في نظريات الجندرة والنظرة إلى المراة في مجتمعاتنا الخليجية والتي تكتسب خصوصية بالغة أكثر من تلك التي قد نلمسها في مجتمعات أخرى، فمع وجود بعض النماذج الناجحة كالسيدة سمية الجبرتي التي عينت كرئيسة تحرير لدورية “سعودي غازيت” الناطقة بالإنجليزية كأول خطوة من نوعها في السعودية يتجدد الأمل، إلا أن الطريق يبقى طويلاً لبلوغ الهدف المنشود وتمكين المرأة من مناصب القيادة في مؤسساتنا الإعلامية الضخمة.

منشورات أخرى للكاتب