‏مكافحة الإرهاب بسلاح المرأة

‏‏قبل عدة أشهر التأم اجتماع خاص في مقر الأمم المتحدة في نيويورك لبحث السبل المثلى في مكافحة الإرهاب. توافق المجتمعون على نقطة رئيسة تصدرت قائمة النتائج التي خرجوا بها وهي ضرورة تمكين المرأة في المجتمعات التي تعاني من ظاهرة الإرهاب والتي تكون عادة في مقدمة ضحاياها، فضلاً عن أهمية اضطلاع العنصر النسائي بدور محوري في مكافحة الإرهاب والقضاء عليه.
‏‏اللافت هو حديث رئيس لجنة مكافحة الإرهاب جون بول لابورد والذي كشف عن أن التنظيمات الإرهابية كداعش وبوكو حرام وحركة الشباب الصومالية اكتشفت ابتداءً الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه النساء في الترويج لأفكار ومعتقدات تلك التنظيمات، فضلاً عن استخدامهن كقنابل موقوتة لتنفيذ بعض خططها الإجرامية، ولذلك، فقد منحتهن الفرصة للعب هذا الدور بشكل بات ملموساً لكل متتبع للأنشطة التي تقوم بها تلك الحركات والمجموعات الإرهابية.
‏السؤال المطروح هو: لماذا لا تتم الاستفادة من العنصر النسائي بشكل معاكس، أي في مكافحة الإرهاب، واقتلاع الأفكار المتطرفة من مجتمعات شاء لها القدر في أن تغرق داخل وحل الأفكار والمعتقدات التي تشجع على الغلو والتطرف وكراهية الآخر؟
‏قبل أسبوع كنت أتابع لقاءً جريئاً مع الكاتبة السعودية رقية الهويريني في برنامج الإعلامية المتميزة الدكتورة بدرية البشر، وباختصار يمكنني القول بأن الهويريني مؤهلة لترؤس لجنة خاصة لمكافحة الإرهاب والأفكار المتطرفة في المملكة العربية السعودية، لتجربتها المثيرة في الغوص داخل عقيدة الصحوة التي اختطفتها كما قالت في اللقاء، وكرّست لديها إيماناً بفكر تنظيم القاعدة الإرهابي، حتى جاء ذلك اليوم الذي أبصرت فيه الهويريني هذا التنظيم وهو يختطف طائرات مدنية محملة بالأرواح البريئة، ويتجه بها إلى برجي مبنى التجارة العالمي فاستحالا ركاماً على رؤوس من كان بداخلهما .
‏هي نقطة تحول أجبرت هذه السيدة على مراجعة أفكارها ومعتقداتها التي طالما شكلت مادة دسمة لدروسها ومواعظها الدينية وسلاحاً تزجر به وتنهر كل من خالفها في الرأي ولم يوافقها في المعتقد، وجعل الكثيرات يتأثرن بها لما تملكه من قوة حجة وإقناع. من ينظر إلى هذه السيدة اليوم وكيف تحولت إلى داعية سلم وسلام يُفكر كثيراً في أسباب تجاهل هذه الكفاءات في تنظيم ذات الدروس والدورات لمحاربة تلك المعتقدات التي كانت ولاتزال تنال من ضعاف النفوس في مجتمعاتنا.
‏الأمر ليس صعباً، وتحقيقه ليس مستحيلاً، فالمرأة التي طالما كانت أداة في يد التنظيمات الإرهابية وضحية لبطشها واستبدادها، يجب أن تصبح رأس الحربة في مواجهة فكرها وأيديولوجياتها داخل المجتمعات على اختلافها. بالإمكان الاطلاع على تجربة الخبيرة الأنثروبولوجية الفرنسية دنيا بوزار في هذا الصدد التي لجأت مؤخراً إلى أساليب توعية مدمني المشروبات الكحولية وعلاجهم لإبعاد الشباب المسلمين عن التطرف.
‏بوزار، وهي امرأة مسلمة في الـ 51 من عمرها تعمل لصالح وزارة الداخلية الفرنسية لتدريب السلطات المحلية على أسلوب العلاج المبتكر الذي انتهجته وتقول: “إن الشاب الذي جُنّد يعتقد أنه مختار وأنه يعرف الحق”، مضيفة “بمجرد أن تستخدم المنطق والمعرفة لمعالجة هذا النوع من الشبان فإنك تسير في طريق الفشل.”
‏في البداية حاولت بوزار استعمال المنطق في محاولة إقناع هؤلاء الناس، وكانت تقارع حججهم الدينية بالحجة الدينية لمحاولة إبعادهم عن التشدد، ولكنها فشلت في ذلك، فلجأت بوزار إلى استخدام الذكريات والموسيقى وحتى الروائح لمحاولة صرف المتشددين الشبان عما هم فيه.
‏ولا يعتبر المسؤولون الفرنسيون أو بوزار نفسها أن أسلوبها هو الحل الوحيد لمواجهة تجنيد المتشددين، لكن بوزار ترى أن أساليبها تمثل بداية لعملية يمكن أن تحقق نجاحاً أكبر ، وهذا ما أكده بيير نجاهان المسؤول عن برنامج منع التشدد في فرنسا الذي أشار في حديث صحفي أن بوزار وفريقها “يحرزون نتائج نحن راضون عنها تماماً.”
‏ورغم أن أساليب هذه الخبيرة لا تنال إعجاب الجميع في فرنسا خاصة بين أوساط الجاليات المسلمة التي ترى بأنها ليست من علماء الإسلام ولا تتحدث العربية وتلعب بعلم النفس كما يفعل الهواة، إلا أن بعض أطروحاتها تلقى رواجا كتلك التي تؤيد فيها طلب العون من عائلات فقدت أبناءها بعد تجنديهم، والتحدث عن تجربتهم مع أسر انضم أبناؤهم حديثاً إلى الجماعات المتطرفة، ضمن تجربة تشبه تبادل القصص في منظمات معالجة الإدمان، هذا النجاح حققته خبيرة ومعالجة نفسية تعيش في مجتمع غربي فتخيلوا لو أتيحت الفرصة لسيدات مثل رقية الهويريني وغيرها ممن كانت لهن تجارب واقعية في التصدي لتلك المهمة، اعتقد بأن النتائج ستتجاوز سقف التوقعات.

منشورات أخرى للكاتب