معالي الوزيرة

لا أحد يستطيع أن ينكر بأن المملكة العربية السعودية تعيش على أعتاب مرحلة جديدة، فهناك رؤية حكومية جديرة بالاهتمام لا تسعى فقط للتطوير، لكنها ترمي أيضاً إلى تغيير تلك الصورة النمطية التي طالما التصقت بالسعودية، وكانت سبباً رئيسياً خلف جل الحملات الإعلامية التي تشن ضدها شرقاً وغرباً. ولا أعتقد أيضاً أن أحداً منا يستطيع أن ينكر بأن أبرز الركائز التي تعتمد عليها تلك الحملات، إن صح التعبير، هو ملف المرأة السعودية بكل ما يحتويه هذا الملف من تعقيدات وتشابكات قد تبدأ من حرمانها قيادة السيارة وقد لا تنتهي بنظام الولاية الذي يمس كل صغيرة وكبيرة في حياتها.
الأمير الشاب محمد بن سلمان قرر أن يتصدى بنفسه لتلك الرؤية بما تحمله من إصلاح وتطوير وكانت أولى تصريحاته، وأكثرها لفتاً للانتباه، تلك التي أدلى بها لمجلة بلومبيرغ الأمريكية قبل عدة أشهر حيث قال إن المرأة في السعودية لم تحصل بعد على حقوق كفلها الدين الإسلامي، وأن خلافه في هذا الصدد ليس مع المؤسسة الدينية في البلاد بل مع من يحاولون تشويه الحقائق عنها ومنع المرأة من الحصول على تلك الحقوق.
منذ تولي الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز -رحمه الله – سدة الحكم في البلاد، حاول جاهداً إبراز دور المرأة السعودية في كافة المجالات، فكان تعيين عضوات في مجلس الشورى أحد أبرز الأمثلة على ذلك، فضلاً عن السماح للمرأة بالمشاركة في الانتخابات البلدية، وابتعاث الفتيات للخارج وتولي المرأة السعودية مناصب قيادية في السفارات والقنصليات. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو لماذا تأخر قرار تولي المرأة السعودية لحقيبة وزارية؟
لقد حمل تعيين نورة الفايز قبل عدة سنوات في منصب نائبة وزير التعليم لشئون البنات، كأول امرأة سعودية تشغل هذا المنصب، بشائر خير توحي بقرب اتخاذ قرار يسمح للنساء في المملكة بحجز مقاعدهن في الجلسات الأسبوعية لمجلس الوزراء، لكن تلك الآمال سرعان ما تلاشت بعد عزلها من المنصب، لأسباب قيل بأنها صحية في ذلك الوقت.
قبل عدة أسابيع عاد الأمل ليحيا من جديد مع تعيين الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان في منصب وكيل الرئيس للقسم النسائي بالهيئة العامة للرياضة، وعادت معها إلى الواجهة تلك المطالبات بتحقيق خطوة أكثر جرأة وتعيين أول وزيرة في تاريخ المملكة العربية السعودية. أسباب التأخر في إصدار هذا القرار تصب حسب رأينا في اتجاهين:
الأول هو عدم رغبة الدولة في الصدام المباشر مع التيار الديني المحافظ في البلاد، خاصة وأن هناك قرارات عدة تتعلق بالمرأة يتم النظر فيها حالياً، وقد يبدو تعيين وزيرة خطوة متقدمة قد تثير استهجاناً واسعاً من قبل تلك الفئة، ونعتقد بأن قراراً من هذا النوع لا يقل وقعاً عن قرارات سابقة كتعيين ثلاثين امرأة في مجلس الشورى أو السماح للمرأة بالمشاركة في الانتخابات البلدية ترشيحاً وانتخاباً.
والاتجاه الثاني قد يكمن في عدم وجود حقيبة وزارية تناسب وضع المرأة السعودية بكل الضوابط والمحاذير المفروضة عليها، فكل الوزارات كما نعلم تعتمد على كوادر رجالية في غالبيتها وقد تعيدنا إلى مربع المواجهة الأول مع التيار المحافظ والرافض لأي شكل من أشكال اختلاط المرأة، فما بالكم بتوليها منصب وزاري على رأس مجموعة من الرجال.
هذه المعضلة إن صح التعبير قد يسهل التغلب عليها عبر استحداث وزارة لشئوون المرأة والأسرة والطفل، وزارة من هذا النوع ستسهم حتماً في تكريس المزيد من الجهود لسن القوانين التي تحمي حقوق المرأة والطفل وتسعى لتعزيز القيم والمثل داخل الأسرة السعودية، كما أنها في الوقت نفسه ستكسر تلك الحواجز التي يضعها المجتمع أمام تولي المرأة لحقائب وزارية أخرى بعد أن تثبت للجميع كفاءتها في تولي شئون تلك الوزارة ، وبعد أن يعتاد على تواجدها تحت قبة مجلس الوزراء.
قد يرى البعض أن الوقت لا زال مبكراً للحديث في هذا الموضوع، وأن المرأة السعودية تنتظر قرارات من نوع آخر تمس واقعها وحياتها الشخصية بشكل أكبر، ونقول: هذا لا يمنع ذاك، ولكن لا يمكننا أن نصل إلى تحقيق شامل لرؤية العام 2030 قبل أن نسمع في السعودية كلمة .. معالي الوزيرة.

منشورات أخرى للكاتب