اتفاق مقابل اتفاق؟ محمد بن سلمان يحمل شروطه إلى واشنطن للقاء ترامب

من المقرر أن يلتقي ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بالرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض في 18 نوفمبر 2025. إنها مفاوضات حاسمة تجسّد جوهر الازدواجية الأساسية في السياسة الخارجية لإدارة ترامب. فبينما تسعى الدولة الخليجية الكبرى إلى إبرام اتفاق دفاعي ملزم مع الولايات المتحدة، تضع هذه الزيارة السعي النفعي وراء صفقات اقتصادية تحت شعار “أمريكا أولاً” في مواجهة مباشرة مع الموقف الأيديولوجي العميق للإدارة، المؤيد لإسرائيل والمناهض لإيران.

بعد مرور عشرة أشهر على ولاية دونالد ترامب الثانية، يحدد هذا التناقض المتأصل طبيعة العلاقات الأمريكية السعودية. تهدف زيارة ولي العهد إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية الضخمة التي تم التعهد بها خلال رحلة ترامب في مايو 2025. ومع ذلك، فإن إدارة ترامب تُلوّح بهذه “الجزرة” الاقتصادية المغرية لتحقيق هدف أكثر تعقيدًا، وهو تحقيق تقارب شامل بين السعودية وإسرائيل.

جزرة الصفقات: الاقتصاد، الذكاء الاصطناعي ورؤية 2030

الركيزة الأولى والأكثر وضوحًا للعلاقة هي الاقتصاد. كانت زيارة الرئيس ترامب إلى الرياض في مايو 2025 نجاحًا باهرًا لدبلوماسيته النفعية، حيث ضَمِنَتْ التزامات استثمارية تاريخية. ومن المتوقع أن يبني اجتماع 18 نوفمبر على هذا الزخم، مع وجود اتفاقيات حول الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المتعلقة بالدفاع، والتعاون في بناء البرنامج السعودي النووي المدني على الطاولة حسب التقرير.

بالنسبة لإدارة ترامب، يعد هذا انتصارًا واضحًا، يفي بوعوده “إعادة الوظائف إلى الوطن” وترسيخ المصالح الاقتصادية الأمريكية في الخليج. وبالنسبة للسعودية، تُعد هذه الاستثمارات شريان الحياة لرؤية 2030. وتعتبر زيارة ولي العهد متابعة حاسمة لتفعيل هذه التعهدات. سيكون هذا الجزء من النقاش تعاونيًا؛ فكلا الجانبين يسعى إلى النتيجة نفسها. ومع ذلك، فإن إدارة ترامب تُلوّح بهذه “الجزرة” الاقتصادية المغرية لتحقيق هدف أكثر تعقيدًا: التقارب السعودي الإسرائيلي الشامل.

الأجواء السياسية المحيطة بالزيارة

تأتي هذه الزيارة، وهي الأولى لولي العهد إلى واشنطن منذ أكثر من سبع سنوات، في مناخ سياسي معقد. كانت ردود الفعل العامة والإعلامية منذ الإعلان عن الزيارة مزيجًا من التقارير المباشرة حول “المخرجات” المتوقعة – مثل الذكاء الاصطناعي واتفاقية الدفاع – والتحليلات الجيوسياسية المتشككة. ومن اللافت للنظر أن رد الفعل الأولي من السياسيين الأمريكيين البارزين كان صامتًا، حيث لم يعلق سوى عدد قليل من كلا الحزبين. ويشير هذا إلى نهج “الانتظار والترقب”، مما يسمح للإدارة باستيعاب أي انتقادات محتملة لعملية إعادة الضبط رفيعة المستوى. إن استعداد الولايات المتحدة للاستقبال الرسمي للضيف المهم، على الرغم من الانتقادات المتوقعة من بعض الأوساط الإعلامية، يؤكد التركيز البراغماتي للإدارة. من الواضح أن ترامب يرسل إشارة بأن احتمالية تحقيق “فوز” تاريخي في السياسة الخارجية وإبرام صفقات اقتصادية كبرى تفوق الضجيج السياسي الداخلي.

العصا الأيديولوجية: موقف أمني متشدد ولا يمكن التنبؤ به

العقبة الأساسية تكمن في نوعية أعضاء إدارة ترامب والسياسات التي سنوها. المسار الأيديولوجي للإدارة تم تحديده منذ ترشيحاتها الأولى، خاصة شخصيات مثل مايك هاكابي الذي عُيّن سفيرًا لدى إسرائيل. تُرجم هذا المسار إلى سياسة أمريكية تؤيد بالكامل إجراءات الحكومة الإسرائيلية المتشددة في غزة. علاوة على ذلك، قرنت الإدارة دبلوماسيتها النفعية بموقف أمني عدواني للغاية. فالضربات العسكرية الأمريكية الإسرائيلية في يونيو 2025 ضد المنشآت النووية الإيرانية خلقت واقعًا إقليميًا جديدًا وخطيرًا. وبينما يمكن اعتبار الرياض مستفيدةً استراتيجيًا من الضغط على منافستها الأساسية، فإن نهج “الضغط الأقصى” هذا يخاطر بإشعال حريق أوسع لطالما سعت – ومازالت تسعى – المملكة إلى تجنبه. تضع هذه الثنائية السعودية في موقف حرج يُطلب منها إقامة العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية في فترة متزامنة مع دعم امريكي غير محدود لإسرائيل لتقوم بأعمال تؤجج المشاعر العربية والإسلامية.

الحسابات الاستراتيجية السعودية: الاستقلالية والموقف المبدئي

لا ترى السعودية نفسها مجرد موقّع آخر على اتفاقيات أبراهام القائمة. يدرك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تمامًا المكانة الفريدة لبلاده كخادم للحرمين الشريفين وقوة محورية في الشرق الأوسط. لهذا السبب، يُعد التوقيع مع تل أبيب أقوى ورقة دبلوماسية تمتلكها الرياض في هذا الشأن.

بالنسبة للأمير محمد بن سلمان، يتطلب القبول بالمضي قدمًا نحو هذه الخطوة اتفاق دفاع أمريكي ملزم، وبرنامج نووي مدني، وتعاون متقدم في الذكاء الاصطناعي، وبشكل محوري، تقدم لا رجعة فيه بشأن إقامة دولة فلسطينية.

الموقف السعودي من فلسطين ليس عقبة تكتيكية حديثة. إنه مبدأ أساسي في السياسة الخارجية للدولة. هذا الموقف عبر عنه الملك عبد العزيز لأول مرة، الذي أرسل عدة رسائل إلى الرئيس فرانكلين د. روزفلت بين عامي 1938 و 1943 مطالبًا بحماية حقوق الفلسطينيين. كانت هذه هي القضية المركزية التي لم تُحل في اجتماعهم التاريخي على متن السفينة ‘يو إس إس كوينسي’ في عام 1945. هذا المبدأ نفسه كان أساس مبادرات السلام التي اقترحها الملك فهد (1981) والملك عبد الله (2002). وتواصل الحكومة السعودية الحالية، بقيادة الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تعزيز هذا الموقف، خاصة منذ أحداث السابع من أكتوبر.

الخاتمة: طريق مسدود أمام “الجائزة الكبرى“

هذا السياق يبرز الصراع الجوهري الذي يحفّ الزيارة المرتقبة لولي العهد. تطلب إدارة ترامب من السعودية مقايضة أثمن أصولها الدبلوماسية والتعديل الجوهري لواحد من أعمق ركائز سياستها الخارجية. في المقابل، تعرض استثمارات اقتصادية وتكنولوجية ضخمة ومضمونة التحقق (أي ليست مجرد وعود) لكنه يشترط القبول بواقع إقليمي مختلف في إطار سياسي يضع المنطقة بأسرها في حالة ترقّب حرب إقليمية، كل ذلك دون الالتزام بأي تنازلات حقيقية للفلسطينيين. كما أن إصرار السعودية على إبرام اتفاقية تعاون دفاعي ملزمة يزيد من تعقيد الصفقة المرتقبة، حيث يتطلب مستوى من الالتزام الأمريكي قد تكون الإدارة الحالية غير راغبة أو غير قادرة على تقديمه دون تحقق خطوة إقامة علاقات دبلوماسية بين الرياض وتل أبيب.

إن الركيزة الأيديولوجية للإدارة الحالية في واشنطن، التي يجسدها شخصيات مثل السفير هاكابي، تجعلها غير قادرة سياسيًا – وغير معنية عمليًا – بالضغط على الحكومة الإسرائيلية المتشددة من أجل المضي قدمًا في حل الدولتين. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن قبول صفقة بدون تحقّق حل الدولتين يعد استحالة سياسية واستراتيجية. وعليه، فإنه بينما يُرجح أن تُكلَّل زيارة 18 نوفمبر بالنجاح بشكل عام، من خلال إعلان صفقات نوعية حول الذكاء الاصطناعي، مشاريع أخرى ذات صلة برؤية 2030، والتعاون الأمني، فإن جسر الصفقات للاقتصاد لن يكون قويًا بما يكفي لعبور الهوة الأيديولوجية العميقة بشأن القضية الفلسطينية. بالتالي، فإن عناوين مثل: “الجائزة الكبرى” و “صفقة القرن” التي تروج لها الإدارة، ستظل – في الوقت الراهن – بعيدة المنال.

*هذا التقرير هو ترجمة الكاتب للمادة الأصلية المنشورة في “معهد دول الخليج العربية” في واشنطن AGSI.

منشورات أخرى للكاتب
البيت الخليجي للدراسات والنشر
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.