التحالف السعودي الأمريكي: ثبات المصالح في زمن التحولات

تمثلت نقطة التحول التاريخي الأبرز في تاريخ العلاقات السعودية الأمريكية في لقاء الملك عبدالعزيز بالرئيس فرنكلين روزفلت في 14 فبراير 1945، على متن السفينة الحربية الأمريكية يو إس إس كوينسي في منطقة البحيرات المرة، خارج قناة السويس. حيث كانت هذه هي الرحلة الخارجية الأولى للملك المؤسس.

ذلك اللقاء ركّز على موضوعات محددة أهمها النفط الذي كان موضع اتفاق، والقضية الفلسطينية التي كانت محل خلاف بين الزعيمين. غير أن فترة الثمانينيات من القرن الماضي قد شهدت بروز تحالف سياسي ذي طابع استراتيجي.

ورغم الاختلاف الكبير حول قضية فلسطين، واجه البلدان المد الشيوعي بجهود موحدة. وإذا كان الرئيس رونالد ريغان قد تبنى مبدأ محاربة الشيوعية في العالم فيما عُرف بـ “مبدأ ريغان” (Reagan Doctrine)، فإن السعودية بقيادة الملك فهد تبنت مبدأ محاربة الشيوعية كمنهج سياسي تثويري يقوم على أسس ملحدة.

كان مبدأ ريغان عبارة عن تطوير لمبدأ ترومان (Truman Doctrine) الذي سعى لاحتواء التوسع الجيوسياسي السوفييتي خلال الحرب الباردة. وقتئذ، ساهم التحالف السعودي الأمريكي في مساعدة المجاهدين الأفغان على هزيمة جيش الاحتلال السوفيتي، مما أسهم في سقوط الاتحاد السوفيتي في 1989.

ولم يكد التحالف الاستراتيجي يلتقط أنفاسه، حتى قام جيش نظام صدام حسين باحتلال الكويت. حينها، وللمرة الأولى، تم تفعيل الاتفاق الأمني بين السعودية وامريكا، ليرسل الرئيس جورج بوش الأب قرابة الـ 697 ألف جندي للمملكة لقيادة تحرير الكويت وإنهاء تهديدات صدام للمنطقة.

وباعتبار التحالف الاستراتيجي، فإن التهديد الذي يواجه المملكة، هو ذاته الذي يواجه الولايات المتحدة في أغلب الأحيان. كانت مرحلة التسعينات نقطة انطلاق الإرهاب الدولي الذي قاده المقاتلون السابقون في أفغانستان، والمتأثرون بمنهجهم. وجد السعوديون والامريكان أنفسهم في مواجهة عمليات مسلحة تبناها أسامة بن لادن وأتباعه الذين أسسوا تنظيم القاعدة. وكانت أخطر عملياتهم على الإطلاق تلك التي نفذوها في 11 سبتمبر 2001.

إن حقيقة كون 15 من أصل 18 من مجموع الأفراد الذين شاركوا في هجمات سبتمبر مواطنون سعوديون قد سببت صدمة للرياض تماما كما هو الحال بالنسبة لواشنطن. وقتئذ، أصبحت السعودية مادة للانتقاد في الإعلام الأمريكي الذي ركز على قضايا مثل حقوق المرأة والتعليم الديني. غير أن الأمر لم يصل إلى حد الشيطنة الكاملة للسعودية في الإعلام الأمريكي، وهذه نتيجة توصلت لها في كتابي المعنون بـ المملكة العربية السعودية في الصحافة الأنجلو أميركية: تغطية المملكة خلال القرن العشرين، والذي خلصت فيه لنتيجة “لم تؤد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول إلى شيطنة السعوديين في أي من هذه البيانات. والواقع أن المقالات التي صدرت بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 تناولت في أغلبها قضايا داخلية في المملكة العربية السعودية.” (ص 142).

لقد لعب موقف إدارة الرئيس بوش الابن المتوازن دورًا في تخفيف حدة وتأثير الإعلام الأمريكي تجاه المملكة. فقد كان بوش على تواصل مستمر مع السفير السعودي وقتها الأمير بندر بن سلطان الذي كان صديقًا مقربًا من عائلة بوش. وقد تفهمت الإدارة الأمريكية أن مشاركة أفراد يحملون الجنسية السعودية في تلك الهجمات لا يعكس موقفًا سعوديا كارهًا للولايات المتحدة.

في كتابه المعنون داخل السراب: الشراكة الهشة بين أميركا والمملكة العربية السعودية، ينقل توماس ليبمان الباحث في معهد الشرق الأوسط عن مقال كتبه السفير الأمريكي في الرياض وقتها روبرت جوردان: “بالنسبة لبعض شرائح المجتمع في كلا البلدين، تم استبدال الفكر العقلاني بالعاطفة التي يغذيها الجهل والخوف والمعلومات المضللة، وأحيانا الأكاذيب الصريحة. وقد أدى هذا إلى حالة من الغضب لدى الكثيرين مما يضر بكلا البلدين. لا ينبغي السماح باستمرار هذا الأمر. لا يمكننا السماح للديماغوجيين بتحديد علاقتنا … ولا يمكننا السماح لمحرفي الدين بتمزيق العالم وإثارة صراع الحضارات.” (ص 342).

وبالرغم من تأييد الرياض لواشنطن في مسألة الحرب على الإرهاب، فإنها قد عارضت غزو العراق واعتبرته تهديدًا للأمن الاستراتيجي للمنطقة، ولم تسمح للولايات المتحدة باستخدام أراضيها لغزو العراق. وبناء على ذلك، لم تجدد القوات الأمريكية بقاءها في شمال شرق السعودية؛ وبالمقابل، لم تطلب السعودية منهم البقاء بحسب ما ذكر ليبمان في كتابه (ص 342-343).

وقد بادر ولي العهد السعودي وقتها الأمير -الملك لاحقا- عبدالله بن عبدالعزيز بزيارة الولايات المتحدة في أبريل 2002 في تحدٍ واضح لوسائل الإعلام التي كانت تنتقد المملكة وقتها. فالاستقبال الدافئ الذي حصل لولي العهد من قبل الرئيس بوش الابن في مزرعته بمدينة كراوفورد بولاية تكساس، عكس عمق العلاقة بين البلدين، والعلاقة الشخصية بين عائلة بوش والأسرة السعودية الحاكمة. وكرر الملك عبدالله الزيارة في أبريل 2005 ليطلق بعدها برنامج الابتعاث الأكبر في تاريخ المملكة، والذي منح الفرصة لعشرات الآلاف من السعوديين للدراسة في الولايات المتحدة.

وشهدت فترة رئاسة باراك أوباما فتورًا في العلاقات السعودية الأمريكية بسبب تباين المواقف، ورغم انتعاش العلاقات في الفترة الرئاسية الأولى لدونالد ترمب، فإن صعود نائب أوباما السابق جو بايدن للرئاسة قد أرجع الفتور لمربعه الأول، قبل أن يعود ترمب للرئاسة من جديد مطلع العام الجاري.

وكما فعل في فترته الأولى، قرر ترمب أن تكون السعودية وجهة زيارته الخارجية الأولى بعد تسلمه الرئاسة (ستعتبر الثانية بسبب زيارة ترمب غير المخطط لها للفاتيكان للمشاركة في جنازة البابا). ومن المرجح أن تكون الزيارة في منتصف الشهر الجاري (مايو 2025). هذه الزيارة تأتي بعد أن لعبت السعودية دور الوسيط في المحادثات الأمريكية الروسية في فبراير الماضي.

يبدو أن التحالف السعودي الأمريكي يعيش فترة ذهبية بسبب صعود الدور السياسي للرياض المتمثل في كونها طرفًا مقبولا في النزاعات الدولية، حيث قبلت روسيا وساطتها مع أوكرانيا أولا ومع الولايات المتحدث لاحقًا، مما يعطي السعودية ورقة قوية في علاقتها مع واشنطن. ولعل زيارة ترمب المرتقبة تكشف عن مزيد من نقاط التحالف الاستراتيجي بين البلدين.

منشورات أخرى للكاتب
البيت الخليجي للدراسات والنشر
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.