هل ستسمع المنطقة أصوات التغيير في إيران؟
لم يكن متوقعا أن يؤيد مجلس صيانة الدستور أهلية المرشح الرسمي للتيار الإصلاحي مسعود بزشكيان للترشح في الانتخابات الرئاسية المبكرة في إيران. وحتى بعد تأييد ترشحه، توقع الكثيرون بأن الإصلاحيين ليسوا قادرين على إرجاع قاعدة أصواتهم المقاطِعة للانتخابات والتي سجلت آخر مشاركة لها في عام 2017. لا سيما بعد احتجاجات 2022 عقب وفاة الشابة مهسا أميني أثناء اعتقالها لدى شرطة الأخلاق والآداب لأن غطاء راسها لم يكن كاملاً. واجه الإصلاحيون بالفعل صعوبة بالغة في إرجاع نحو13 مليون ناخب من قاعدتهم في الجولة الأولى و16 مليونًا في الجولة الثانية التي أدت إلى فوز بزشكيان.
لكن عاد الإصلاحيون إلى سدة الحكم. ويمكن إرجاع ذلك إلى أن المرشد، آيةا الله علي خامنئي، يريد حلحلة الملف النووي، دلالة ذلك نقله ملف المفاوضات النووية في مارس/آذار الماضي من وزارة الخارجية ومنحه لمستشاره علي شمخاني الأمين العام السابق للأمن القومي، لم يكن المرشد راضيًا من أداء حكومة رئيسي في هذا الشأن، وكان يرغب في حلحلة القضايا العالقة الأخرى مع الغرب. وذلك لسببين، الأول هو أن الأمن القومي للبلد لم يعد يحتمل المزيد من الأزمات الداخلية والتي جلها تعتبر نتيجة طبيعية للأزمة الاقتصادية الناتجة عن العقوبات وكذلك الأزمات الخارجية الناتجة عن تطرف القوى المتشددة. السبب الثاني هو أن المرشد يريد إنهاء الأزمات الكبرى وهو على قيد الحياة، قد يرتبط ذلك بتفضيل شخصي أو ربما لكون نجله مجتبى هو أحد أبرز المرشحين لخلافته، وبطبيعة الحال، لا يريد المرشد أن يترك لنجله إرثا من الأزمات يجعل نجاحه صعبًا. يحاول المرشد احتواء الأزمات والغرب ولا سيما الولايات المتحدة، لتسهيل الطريق لتنصيب نجله مجتبى خلفًا له ولضمان نجاحه في المهمة نوعا ما.
عاد الإصلاحيون والأرض ملغمة من حولهم. يبدو الإصلاحيون مثل جزيرة إصلاحية تعيش في محيط محافظ، لكنهم يحظون بدعم المرشد أيضًا، وهذا يكفل تخطي العقبات وتسهيلها. عودة الإصلاحيين تعني أن المرشد يدرك تماما خطورة الأزمة الاقتصادية على الأمن القومي للبلاد. لا يمكن القول بأن الانتخابات مهندسة في إيران، لكن ثمة دولة عميقة في طهران لا تترك الأمور للصدف.
في ظل هيمنة القوى المحافظة في إيران على النظام السياسي – ما عدا السلطة التنفيذية بعد فوز بزشكيان – وكذلك البرلمان المحافظ، وهزيمة سعيد جليلي اليميني المتشدد الذي يقود حكومة الظل وله تأثيره في الدولة العميقة أمام بزشكيان في الانتخابات، وبالتأكيد التوتر الإقليمي والحرب مع الاحتلال الإسرائيلي، ومحددات الأمن القومي في هذه المرحلة، لن يتمكن بزشكيان من تشكيل حكومة إصلاحية خالصة. وبالتالي، حكومة بزشكيان التي لم يشكلها بعد، سوف لن تشبه حكومة الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي. ويذكر أن بزشكيان كان وزيرا للصحة في حكومة زعيم التيار الإصلاحي خاتمي.
في سياق التعيينات، ثمة أسماء سيكون لها تموضع مهم في حكومة بزشكيان بشكل رسمي وعلني أو غير رسمي ووراء حجاب. وأبرز هذه الأسماء رجل الاتفاق النووي محمد جواد ظريف ومعاونه آنذاك عباس عراقتشي، ووزير اتصالات روحاني محمد جواد آذري جهرمي. من المتوقع أن تتغير سياسة إيران على المستويين الداخلي والخارجي، لكن التغيير سيكون ببطء، بسبب التعقيد في عملية صنع القرار وطبيعة النظام السياسي في إيران.
تحدث بزشكيان بوضوح، وأعلن عن مواقفه بصراحة في ما يتعلق بالقضايا الداخلية، مثل قضية الحريات التي كانت محرك الاحتجاجات الأخيرة المعروفة باسم مهسا أميني وشعار “المرأة، الحياة، الحرية”. رفض الرئيس الجديد تقييد الإنترنت، كما يرفض وجود شرطة الأخلاق وصرح برفضه لاعتقال الصحفيين والسياسيين وفصل أساتذة الجامعات بسبب مواقفهم السياسية وأفكارهم التي لا تنسجم كثيرًا مع النظام، كما حاول احتواء الأقليات القومية والدينية، وأكد أنه لا مفر من تعاط جديد أي إصلاحي مع هذه القضايا لتجاوز أي أزمات أمنية داخلية محتملة.
من المتوقع أيضًا أن تشهد إيران حلحلة عُقد الأزمة الاقتصادية تدريجيًا. وتعتبر الأزمة الاقتصادية القاسم المشترك بين الشأنين الداخلي والخارجي، حيث إن حلها يتم في مساحات الخارج وتخرج بنتيجة تلاحظ في الداخل. وكذلك القضايا الخارجية الأخرى مثل السياسة في مساحة محور حلفاء إيران، يسعى الإصلاحيون إلى تجنب الصدام المباشر مع العرب والغرب وإسرائيل أيضًا.
من أجل إحياء الاتفاق النووي، وكذلك حلحلة القضايا العالقة مع الولايات المتحدة ودول الغرب مثل البرنامج الصاروخي، تحتاج إيران إلى إقليم مستقر وهدنة مع إسرائيل وجوار حسن مع العرب وجيرانها الآخرين. سيقل التركيز الإيراني على العلاقات مع العرب مثل تطويرها مع السعودية وتحسينها مع مصر والأردن والبحرين في الأشهر الأولى أو ربما في العام الأول وسيكون جل التركيز على الغرب والمفاوضات النووية.
ستقلص إيران الجديدة من دعمها للحلفاء وفي المرحلة الأولى سنشهد ذلك بتجنب الخطاب الاستفزازي. يعي المرشد جيدًا أنه لا بد من تدخله وفرض بعض القيود على الحرس الثوري، وهو ما سيؤدي إلى خلافات بين الحكومة الجديدة والحرس الثوري.
سيكون ممكنًا سماع صوت التغيير في طهران في غزة وصنعاء وبيروت وبغداد ودمشق وفي ميادين فيلق القدس الجناح التابع للحرس الثوري والمخصص للفعالية خارج الحدود. وبالتالي، ستكون هناك جهود إيرانية حقيقية لإنهاء الحرب في المنطقة. قد يعرض الرئيس الإصلاحي خطة عمل مختلفة عن السابقة للحلفاء للتوصل إلى إنهاء الحرب وليس بالسهل للحلفاء أن يقولوا “لا” لإيران. وفي واشنطن، في حال عاد الرئيس السابق دونالد ترامب للبيت الأبيض مجددًا في نوفمبر/تشرين الأول المقبل. فإن من شأن ذلك أن يُصعب الطريق أمام طهران الجديدة في بعض القضايا مثل رفع العقوبات، وقد يسهل في البعض الآخر مثل إنهاء الحروب.
من المتوقع أن تكون ثمة مفاوضات شاملة مع واشنطن تجمع الملفين النووي والصاروخي والأموال المجمدة والعقوبات وحرب المنطقة وإسرائيل وطالبان وقضايا أفريقية مثل السودان.
تحتاج إيران (الشعب) إلى شيء من الاستقرار الاقتصادي بأي شكل من الأشكال، وتحتاج طهران (النظام) إلى عقلانية أكثر من ذي قبل وتجنب الخطاب الاستفزازي. يمكن القول أن إيران اغتنمت رحيل الرئيس إبراهيم رئيسي لوضع البلاد في مقدمة طريق جديدة.