صناعة الألمنيوم في الخليج: تراجع الأرباح وتفاقم التحديات البيئية

تحتل منطقة الخليج مكانة عالمية مرموقة في إنتاج الألمنيوم، خاصة وأن أكثر من نصف إنتاجها مخصّص للتصدير. وتتولّى هذه الصناعة شركات عملاقة تابعة للحكومات بسبب ضخامة الاستثمارات التي تستوجبها. لكن هذه الصناعة تعتمد على مادة أولية وهي البوكسيت غير المتوفرة في أغلب بلدان المنطقة. كما انخفضت في الآونة الأخيرة أسعار الألمنيوم في السوق العالمية فهبطت أرباح الشركات المنتجة وزادت ديونها.

الألمنيوم من المواد المستخدمة بصورة واسعة في الصناعات كالسيارات والتعليب والمعدات الكهربائية والبناء، ولا تتوقف أهميته على الميادين المدنية بل تشمل أيضاً الأسلحة. ويتجه الطلب العالمي على الألمنيوم إلى الارتفاع الأمر الذي يفسر تزايد الاستثمارات.

تنتج دول مجلس التعاون الخليجي ستة ملايين طن متري من الألمنيوم في السنة أي ما يعادل 8.5% من الإنتاج العالمي، ويصدر منها إلى الخارج نحو 60%.تستحوذ الإمارات على المرتبة الأولى عربيًا والخامسة عالميًا في إنتاج هذه المادة البالغ 2.7 مليون طن. تليها البحرين 1.6 مليون طن، ثم السعودية مليون طن، وتعود المرتبة العالمية الأولى إلى الصين التي تنتج 41 مليون طن، أي أكثر من نصف الإنتاج العالمي.

من أهم ميزات صناعة الألمنيوم في دول الخليج هي أن إنتاج هذه المادة يتطلب كمية كبيرة من الطاقة خاصة الكهرباء والغاز الطبيعي التي تستخدم في عمليات الصهر، وتتوفر الطاقة في جميع هذه الدول دون انقطاع. وبالنظر للمكانة بالغة الأهمية للطاقة في التصنيع تصبح أسعار الألمنيوم في السوق العالمية تابعة لأسعار النفط والغاز، ترتفع أسعار الألمنيوم بارتفاع أسعار الطاقة وتنخفض بانخفاضها.ولدول الخليج ميزة أخرى ترتبط بقدرتها المالية، إذ تستوجب معامل الألمنيوم رصد مبالغ طائلة.

كما تمنح هذه الدول تسهيلات واسعة للاستثمارات في هذا الميدان:

• الحصول على قروض بشروط ميسرة.

• دعم حكومي للكهرباء والغاز الطبيعي.

• شراء الأراضي الصناعية بأسعار منخفضة.

• إعفاءات من رسوم استيراد المعدات اللازمة للمشروع.

والصناعات في الخليج محمية بالنظام الجمركي الموحد ضد المنافسة الأجنبية غير المشروعة. فقد ثبت بأن الشركات الصينية صدرت الألمنيوم إلى دول مجلس التعاون بأسعار منخفضة جداً تقل عن القيمة الحقيقية للمادة. الأمر الذي أفضى إلى الإضرار بصناعة الألمنيوم الخليجية. وللتصدي لهذا الضرر فرضت دول المجلس وفي آن واحد رسوماً ضد الإغراق على استيراد الألمنيوم الصيني بسعر 33% اعتباراً من يوليو 2021 ولغاية يوليو 2026.

لصناعة الألمنيوم الخليجية سمة أخرى تتصل بمساهمة الشركات الأجنبية. ولا تتأتى هذه المساهمة من الحاجة إلى الأموال بل من ضرورة نقل التكنولوجيا. ولذلك، تلعب هذه الشركات العاملة في الخليج دوراً مهماً في صناعة الألمنيوم في العالم.شركة ألمنيوم قطر مملوكة بالتساوي إلى شركة قطر لصناعة الألمنيوم وشركة هايدرو للألمنيوم النرويجية. ولشركة ريو تينتو ألكان الأسترالية نحو 20% من شركة صحار للألمنيوم العمانية. ولشركة ألكوا الأمريكية 25% من أسهم شركة معادن السعودية. تمثل هذه النسبة حصة الشركة الأمريكية في مشروع مدينة رأس الخير الصناعية للألمنيوم الذي يتكون من مصهر ومصفاة ومنجم البوكسيت في القصيم.

وتعاني صناعة الألمنيوم من بعض المشاكل، فهي تعتمد على مادة أولية تستخرج من المناجم وهي البوكسيت التي يتم تحويلها إلى مسحوق الألومينا. وحسب الخبراء، تنتج أربعة أطنان من البوكسيت نحو طنين من الألومينا. وطنان من الألومينا ينتجان طن واحد من الألمنيوم. وباستثناء السعودية، لا توجد مادة البوكسيت في دول الخليج، لذلك تعتمد صناعة الألمنيوم الخليجية بالدرجة الأولى على استيرادها من غينيا وأستراليا.

ومن زاوية أخرى، يتم تصنيع الألمنيوم بعملية كيميائية تخلف غازات مضرة بالصحة والبيئة. الأمر الذي يسهم مساهمة كبيرة في تفاقم أزمة التلوث التي تعاني منها جميع بلدان الخليج خاصة السعودية.

الإمارات

تتولى الإنتاج شركة الإمارات العالمية للألمنيوم المملوكة لصندوق مبادلة التابع لإمارة أبو ظبي وصندوق دبي للاستثمارات الحكومية. وهذه الملكية المشتركة تعد من أكبر المشاريع بين الإمارتين.للشركة مصهر في منطقة الطويلة في أبو ظبي ينتج 1.5 مليون طن في السنة. ولها مصهر آخر في جبل علي الواقع في دبي ينتج مليون طن. تحصل الإمارات على البوكسيت من غينيا الغنية بهذه المادة والتي تملك 7.4 مليار طن. وتوجد فيها عدة شركات صينية وروسية عاملة في هذا الميدان. وفيها أيضاً شركة الإمارات العالمية للألمنيوم التي اشترت بالكامل شركة غينيا ألومينا كوربوريشن.

وتملك الشركة الغينية منجماً وبنية تحتية كلفت 1.4 مليار دولار وتم تمويل نصف هذا المبلغ عن طريق قروض مصرفية دولية.يرى الإماراتيون أن الشركة الغينية تسهم مساهمة فاعلة في النمو الاقتصادي لغينيا وخلق فرص عمل جديدة وزيادة الصادرات. لكن الشركة الإماراتية كالشركات الأخرى لم تكتف بالحصول على البوكسيت لصناعة الألمنيوم في الإمارات بل راحت أيضاً تصدره من غينيا إلى دول أخرى. فقد عقدت الشركة الإماراتية اتفاقات مع شركات أخرى لتزويدها بالبوكسيت الغيني، منها الاتفاق مع شركة بوساي مينيرالز الصينية على سبيل المثال.أدى هذا الوضع إلى تأزم العلاقة بين الحكومة الغينية والشركات الأجنبية. ترى الحكومة أن هذه الشركات لم تحترم التزاماتها التي تنص على تصنيع الألمنيوم داخل غينيا. وتعتقد الحكومة أن الإيرادات التي تحصل عليها من تصدير البوكسيت لا تتجاوز 3.3 مليار دولار، وهو مبلغ ضئيل، ولذا، هددت بفسخ عقود الشركات التي لا تحترم الاتفاقات.عندئذ وافقت الشركة الإماراتية على بناء مصفاة لتحويل البوكسيت إلى ألومينا في غينيا بطاقة إنتاجية قدرها مليون طن في السنة، ولا يزال هذا المشروع قيد الدراسة.وفي مارس 2024 اشترت الشركة الإماراتية شركة ليشتميتال الألمانية. وتنتج الشركة الألمانية الألمنيوم الثانوي (إعادة التدوير) باستخدام الطاقة المتجددة، وتملك الشركة تكنولوجيا متقدمة في عمليات الصهر والصب، كما أن لها عملاء في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.من حيث حسابات الشركة الإماراتية، فقد انخفضت إيراداتها الإجمالية من 34.6 مليار درهم في 2022 إلى 29.5 مليار درهم في 2023. وبعد طرح التكاليف بما فيها الضرائب يتضح بأن الأرباح الصافية انتقلت من 7.4 مليار درهم إلى 3.4 مليار درهم.هبطت الأرباح رغم أن الشركة زادت إنتاجها بسبب انخفاض الإيرادات عن هبوط أسعار الألمنيوم على الصعيد العالمي. فقد تراجع سعر طن الألمنيوم الذي تبيعه الشركة من 2715 دولاراً في 2022 إلى 2264 دولاراً في 2023. ويعود هذا الانخفاض إلى عدة عوامل في مقدمتها هبوط أسعار النفط والغاز الطبيعي، فقد رأينا بأن أسعار الطاقة تؤثر بشدة على أسعار الألمنيوم.

ولابد من الإشارة إلى أن ديون الشركة بلغت 16.6 مليار درهم في نهاية 2023. وهي تتراجع مقارنة بالعام السابق، كما أنها تتأتى بالدرجة الأولى من الاستثمارات المتواصلة التي تتطلب رصد مبالغ طائلة.

البحرين

سادس منتج للألمنيوم في العالم وثاني منتج له في الخليج بعد الإمارات. تختص شركة ألبا التابعة لصندوق ممتلكات بصناعة هذه المادة علماً بأن شركة سابك السعودية تملك 20% من أسهم ألبا.

مادة البوكسيت لا توجد في البحرين، ولذلك، تستوردها الشركة من عدة دول لاسيما استراليا.يتم تصدير ألمنيوم البحرين إلى عدة بلدان منها مصر والسعودية والولايات المتحدة. ويعتمد الميزان التجاري للدولة اعتماداً كبيراً على هذه المادة. في فبراير 2024 بلغت صادرات الألمنيوم 92 مليون دينار أي 27% من الصادرات الكلية للبحرين وطنية المنشأ.

سجلت أرباح شركة ألبا هبوطاً حاداً في عام 2023 فقد انتقلت من 376.7 مليون دينار في التسعة الأشهر الأولى من 2022 إلى 94.6 مليون دينار في الفترة نفسها من عام 2023. نجم هذا الانخفاض عن ارتفاع كبير في التكلفة. واستمر هذا الاتجاه في الربع الرابع من 2023. أما ديون الشركة فقد بلغت 910 مليون دينار.

السعودية

تقوم شركة معادن السعودية بالتعاون مع شركة ألكوا الأمريكية باستغلال منجم البعيثة الواقع في منطقة القصيم. يحتوي المنجم على عدة معادن. ويقدر احتياطي هذا المنجم من البوكسيت بحوالي 230 مليون طن. وبذلك فأن السعودية هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تتوفر على كمية كبيرة من البوكسيت كافية لمدة تصل إلى نصف قرن حسب مستوى الاستخراج الحالي.

يتم استخراج حوالي خمسة ملايين طن من البوكسيت في السنة. وينقل إلى معامل لصهره في مدينة رأس الخير. ولا تتوقف صناعة سبائك الألمنيوم في السعودية على المصاهر الأولية التي تعالج البوكسيت بل تشمل أيضاً المصاهر الثانوية التي تُستخدم لإعادة تدوير الألمنيوم الخردة (علب المشروبات المستعملة على سبيل المثال). كما لا تقتصر الخردة على السوق السعودية بل تُستورد كذلك من دول الخليج الأخرى. وتبلغ الواردات حوالي 60 ألف طن في السنة.

ولإعادة تدوير الألمنيوم عدة جوانب إيجابية. إذ يمكن أن تتكرر الإعادة عدة مرات. كما تستهلك طاقة تقل عن عُشر الطاقة المستخدمة لإنتاج الألمنيوم الأولي. لذلك، تعتبر إعادة التدوير الحل الأمثل في صناعة الألمنيوم لتقليص انبعاث غازات الدفيئة.أما من الناحية المالية فقد سجلت شركة معادن انخفاضاً هائلاً في أرباحها. انتقلت مبيعاتها من 40.2 مليار ريال في 2022 إلى 29.2 مليار ريال في 2023. في حين لم تنخفض التكلفة إلا بمعدل ضئيل من 28.1 مليار ريال إلى 27.5 مليار ريال. وهكذا هبطت الأرباح من 12.1 مليار ريال إلى 1.7 مليار ريال. تراجعت إذن أرباح الشركة السعودية بمعدل يفوق بكثير تراجع أرباح الشركة الإماراتية والشركة البحرينية.

ويعود هذا الوضع إلى عدة عوامل: شركة معادن لا تنتج الألمنيوم فقط بل كذلك معادن أخرى انخفضت أسعارها في السوق العالمية. الأمر الذي يفسر تدهور مبيعاتها.أما عدم انخفاض الكلفة بصورة تتناسب مع هبوط الإيرادات فيعود بالدرجة الأولى إلى تزايد كلفة الاقتراض.

تحتل صناعة الألمنيوم مكانة مرموقة في الصناعات التحويلية الخليجية. وتسهم مساهمة فاعلة في تقليص الاعتماد على النفط. لكنها ترتكز على استيراد البوكسيت من جهة وتخلق مشاكل صحية خطيرة من جهة أخرى. يتطلب هذا الوضع سياسة اقتصادية تهدف إلى تعظيم إيجابيات هذه الصناعة وتقليل سلبياتها.

منشورات أخرى للكاتب