الضرائب الخليجية غير المباشرة: يجب إصلاح هذه الفوضى

تعتمد دول الخليج ثلاث ضرائب غير مباشرة: الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية. تطبق هذه الضرائب بموجب اتفاقات مشتركة أُبرمها قادة دول الخليج، لكن رؤى هذه الدول لم تعد منسجمة مع التطورات العملية لهذه الضرائب. في 2003 قرر المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي إنشاء الاتحاد الجمركي. وعليه، أصبحت دول المجلس الست تطبق نظاماً جمركياً موحداً يعتمد على ثلاثة أسس:

الأساس الأول: عدم خضوع السلع للرسوم الجمركية عندما تنتقل من دولة إلى أخرى داخل الاتحاد.

الأساس الثاني: فرض سعر جمركي قدره 5% كقاعدة عامة على السلع المستوردة من خارج الاتحاد.

الأساس الثالث: كل منفذ جمركي جوي أو بحري أو بري في أية دولة خليجية يُعد نقطة دخول للسلع الأجنبية إلى باقي بلدان الخليج.

وعليه، تتولى هذه النقطة جميع الإجراءات بما فيها استيفاء الرسوم، وهذا هو نظام نقطة الدخول الواحدة المعروف في الاتحادات الجمركية. ولما كانت بلدان المجلس تتمتع بعضوية منظمة التجارة العالمية، فيتعين عليها احترام اتفاقات هذه المنظمة التي تنص على حرية تقليص الرسوم الجمركية. في حين تخضع زيادتها لشروط معينة. من الناحية العملية لم يطرأ على ذلك السعر أي تغيير منذ إحداث الاتحاد.

الضريبة على القيمة المضافة

بهدف تنويع مصادر الإيرادات العامة وبسبب العجز المزمن الذي عانت منه ميزانيات دول المجلس، قرر القادة الخليجيون فرض ضريبة على القيمة المضافة (الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المضافة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. نوفمبر 2016). وتسري هذه الضريبة على جميع عمليات إنتاج وبيع السلع والخدمات الخاضعة لها، ويدفع مبلغها الكلي المستهلك النهائي. تسهم هذه الضريبة، كأي ضرائب غير مباشرة، في ارتفاع معدلات التضخم. وحتى لا يسبب هذا الارتفاع مشكلة اقتصادية خطيرة اختارت الاتفاقية سعراً ضريبياً معتدلاً قدره 5% (الفقرة 1 من المادة 25). نورد هنا أربع ملاحظات:

الملاحظة الأولى: سعر الضريبة منخفض مقارنة بالأسعار السائدة في البلدان الأخرى. 20% في فرنسا وبريطانيا وتركيا والمغرب. و22% في إيطاليا و25% في السويد.

الملاحظة الثانية: رغم قرار القمة الخليجية لم تجد هذه الضريبة لحد الآن تطبيقاً لها في قطر والكويت.

الملاحظة الثالثة: طبقت ضريبة القيمة المضافة في الإمارات والسعودية اعتباراً من مطلع 2018 وفي البحرين في بداية 2019 وفي عمان في أبريل 2021. بدأت هذه الدول بسعر 5% حسب الاتفاقية لكن وباء كورونا أدى إلى انخفاض شديد في أسعار النفط فتدهورت الحالة المالية للبلدان المصدرة للخام. لذلك، قررت الرياض في يوليو 2020 رفع سعرها إلى 15% دفعة واحدة كما قررت المنامة مضاعفته ليصل إلى 10% في بداية 2022.

الملاحظة الرابعة: أن سعر الضريبة في جميع دول الخليج وحيد. في حين تقتضي مبادئ العدالة أن تتباين الأسعار حسب طبيعة السلع والخدمات وحسب السياسة الاقتصادية للبلد.

لذلك تعتمد الدول الصناعية على عدة أسعار، ففي أغلب البلدان الأوروبية توجد ثلاثة أسعار: سعر عام وآخر مرتفع وثالث منخفض. بل هنالك دول تطبق أربعة أسعار كفرنسا وخمسة أسعار كإيرلندا ولا توجد في أوروبا دولة واحدة تطبق سعراً وحيداً سوى الدنمارك. وتقرر القوانين الخليجية المنظمة لهذه الضريبة إعفاءات معروفة على الصعيد العالمي. من بينها صادرات السلع وخدمات النقل الدولي والسلع المستوردة من قبل المنظمات الدولية والهيئات الدبلوماسية. هناك أيضاً إعفاءات أخرى تتعلق بالخدمات في ميادين التعليم والصحة في القطاعين العام والخاص.

الضريبة الانتقائية

فرضت الضريبة الانتقائية بموجب “الاتفاقية الموحدة للضريبة الانتقائية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. نوفمبر 2016”. حيث نصت الفقرة الأولى من المادة الثالثة على ما يلي: “تفرض الضريبة على السلع الضارة بصحة الإنسان والبيئة…”. وتطبق الضريبة في بلدان مجلس التعاون باستثناء الكويت بسعر 100% على قيمة منتجات التبغ ومشروبات الطاقة وبنحو 50% على قيمة المشروبات الغازية والمحلاة. ولابد من الإشارة إلى أن هذه الضريبة الخليجية تقتصر على السلع الضارة في حين تسري في الدول الصناعية على السلع التي تحددها السلطات العامة سواء كانت ضارة كالتبغ أم غير ضارة كالطاقة الكهربائية. كما نلاحظ أن الضريبة الخليجية تقع في خطأ فادح لأنها تُربط بالنسب المئوية. في حين تتجلى الحكمة من هذه الضريبة في اعتمادها على مبلغ معين يسري على وزن السلعة أو حجمها أو عددها، وليس على قيمتها. تهتم دول الخليج بالقطاع الصحي وترصد له اعتمادات سخية في ميزانياتها. في السعودية على سبيل المثال بلغت نفقات الصحة 214 مليار ريال لعام 2024 أي 17.1% من الإنفاق العام، وهي بذلك تحتل المرتبة الثانية بعد المصروفات العسكرية. ترى هل تسهم هذه الضريبة في تحسين الحالة الصحية؟ تؤكد البحوث التي أجراها البنك العالمي على الدور الفاعل لهذه الضريبة في تراجع الأمراض لأنها تفضي إلى ارتفاع أسعار المواد الضارة الخاضعة لها وإلى الحد من استهلاكها خاصة من قبل الطبقة الفقيرة. وحسب دراسات أخرى تقود الضريبة الانتقائية إلى تغير نمط الاستهلاك وبالتالي الإنتاج. فعندما تختلف أسعارها حسب المحتوى السكري مثلاُ سوف يفضل المستهلك شراء السلعة الأرخص. الأمر الذي يفضي إلى هبوط إنتاج السلع ذات المحتوى السكري المرتفع. وفي تقرير حديث تشير منظمة الصحة العالمية إلى فاعلية الضرائب الانتقائية في إنقاذ حياة الملايين من البشر سنويا لكن المنظمة ترى بأن أسعارها لا تزال متدنية. وأشار التقرير إلى الجهود القيمة التي تبذلها عشر دول فقط في هذا الميدان جميعها أوروبية. انطلاقاً من هذه التقارير حتى تستطيع الضريبة الانتقائية الخليجية القيام بدور صحي فاعل يتعين تعديل سعرها الموحد والاعتماد على أسعار تزداد كلما زادت خطورة السلعة على الصحة العامة. وحتى يكون هذا الدور أكثر فاعلية يستحسن تخصيص حصيلتها للبحوث الطبية وللبنية التحتية الصحية. نظراً لدور الضرائب غير المباشرة في مالية الدولة وبسبب علاقتها بالحياة اليومية للمواطنين يُفترض في روى الخليج الاهتمام بها من خلال سياسة واضحة الأهداف والسبل.

الرؤى الخليجية

في البحرين، يرى برنامج التوازن المالي البحريني أن الحكومة نجحت في تنويع مصادر تكوين الناتج المحلي الإجمالي لكنها أخفقت في تنويع الموارد المالية. خلال الفترة بين 2002 و2017 ارتفعت القطاعات غير النفطية في حين انخفضت الإيرادات غير النفطية. ويرى البرنامج أن هذا الوضع أدى إلى نتائج مالية سلبية تتجلى في عجز الميزانية. لذلك اتخذت عدة إجراءات لمعالجة هذا العجز من بينها تطبيق ضريبة القيمة المضافة وارتفع سعرها من 5% إلى 10%. تصاعدت إذن الإيرادات غير النفطية بصورة كبيرة خلال فترة قصيرة. واتخذت الحكومة إجراءات إضافية للتصدي للعجز، منها زيادة الرسوم على الخدمات العامة وتقليص الدعم الحكومي وتطبيق برنامج التقاعد الاختياري. وهكذا هبط العجز من 520 مليون دينار في 2023 إلى 161 مليون دينار في 2024، لكن بالمقابل ارتفعت الديون العامة وتفاقمت خدمتها وهبطت المساعدات الخليجية وتراجع التصنيف الائتماني للدولة وانخفض مستوى معيشة المواطن. وعند العودة إلى برنامج الحكومة 2023-2026 لا نجد فيه أية إشارة إلى الضرائب وللمشاكل المستعصية خاصة الديون. في سلطنة عُمان، تتناول رؤية عمان 2040 عدة محاور منها محور التنويع الاقتصادي والاستدامة المالية. ويهدف المحور إلى زيادة الإيرادات غير النفطية من 9% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2017 إلى 15% منه في 2030 ثم إلى 18% منه في 2040. على الصعيد العملي استطاعت الدولة زيادة إيراداتها غير النفطية. وفيما يتعلق بالضرائب قامت بإصلاح الإدارة وإعادة النظر في أنظمة التحصيل. لذلك، ارتفعت حصيلة الضرائب غير المباشرة. واستطاعت مسقط تقليص العجز المالي. لكن هذه النتيجة لم تنجم عن ارتفاع الضرائب بقدر ما تأتت من انخفاض النفقات العامة بما فيها الاستثمارية. لا تشير رؤية عمان إلى الضرائب سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة بل اكتفت باستهداف الإيرادات غير النفطية. علماً بأن عمان تطبق جميع الضرائب الخليجية غير المباشرة. كما تدرس بجدية فرض ضريبة على دخول الأفراد. في الكويت، عندما يتعلق الأمر بالمواطنين تتخذ السلطات العامة موقفاً معارضاً للضرائب سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة. وباستثناء الرسوم الجمركية لا توجد أية ضريبة أخرى غير مباشرة. ترفض الكويت ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية. لكن رؤية الكويت 2035 تستهدف نمو الإيرادات غير النفطية فقد نصت صراحة على ضرورة أن تلعب الضرائب ورسوم الخدمات دوراً بارزاً في مالية الدولة. بل تذهب إلى أبعد من ذلك عندما ترى بأن ضريبة القيمة المضافة من الخيارات المناسبة للكويت. هنالك تناقض بين الرؤية والرفض الحالي لهذه الضريبة، وينتج هذا الرفض جراء خلافات سياسية واضحة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. في السعودية، تسعى رؤية السعودية 2030 إلى زيادة الإيرادات غير النفطية من 163 مليار ريال في 2016 إلى ترليون ريال بحلول عام 2030. تطرقت الرؤية إلى التزام الدولة بعدم فرض ضريبة على دخل أو ثروة المواطن أو السلع الأساسية. رغم ذلك، لا توجد في الرؤية إشارة إلى الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الانتقائية رغم أهميتهما المالية القصوى في الميزانية العامة. كان من اللازم على الرؤية توضيح سبل الوصول إلى إيرادات غير نفطية قدرها ترليون ريال أي أعلى من مجموع العوائد النفطية الحالية. لا شك أن الرؤية تعول كثيراً على صندوق الاستثمارات العامة لكن يفترض فيها أن تحدد دور الضرائب، خاصة وأن الضريبة على القيمة المضافة تشكل مصدراً مهماً للإيراد العام. التزمت الرؤية السعودية بعدم فرض ضريبة على دخول وثروات المواطنين كما ذكرنا. وبالمقابل لابد من إيرادات إضافية لتمويل النفقات العامة المتزايدة. إن التوفيق بين هذين المؤشرين يقود إلى ضرورة أن تتمخض عن ضريبة القيمة المضافة حصيلة مرتفعة. لذلك، لم ينخفض سعرها حتى بعد أن انتهت التداعيات الخطيرة لكورونا. في الواقع، لقد أصبحت وعود المسؤولين بتقليص ضريبة القيمة المضافة غير قابلة للتنفيذ، إذ لا يمكن تخفيض سعر هذه الضريبة خاصة وإن التوقعات تشير إلى هبوط العوائد النفطية للعام الجاري 2024. نستنتج مما تقدم أن الروى الخليجية لم تعد تواكب التطورات المالية بعد أن اكتسبت الضرائب غير المباشرة أهمية كبيرة. لابد إذن من برنامج ضريبي إلى جانب البرامج الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والصحية والتعليمية. كما ينبغي في هذا الميدان مراعاة 3 اعتبارات:

الاعتبار الأول: استهداف نسبة معينة لحصيلة الضرائب غير المباشرة قياساً بالإيرادات العامة.

الاعتبار الثاني: العدالة في توزيع الأعباء العامة، الأمر الذي يتطلب عدة أسعار للضريبة على القيمة المضافة وليس سعراً وحيدا.

الاعتبار الثالث: إعادة النظر في أسعار الضريبة الانتقائية.

منشورات أخرى للكاتب