انتخابات الرئاسة في إيران: المعتدلون أقرب

انتخابات رئاسية في إيران لم تكن في الحسبان بعد رحيل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي ومرافقيه إثر تحطم مروحية كانت تقلهم شمالي غرب البلاد.

تركت حكومة الرئيس الراحل ورائها علاقات عربية ودولية كانت إيران تفتقدها في عهد الرئيس الأسبق حسن روحاني. وفي مقدمة هذا الإرث استئناف العلاقات مع السعودية. وقبالة الرضا على سياسات حكومة رئيسي الإقليمية، لا يبدو أن المرشد الأعلى السيد علي خامنئي كان راضيًا على نتائج سياسات الحكومة في إدارة الملف النووي ومفاوضاته، وهو ما يبرر تحويل ملف المفاوضات النووية في مارس/ آذار الماضي من وزارة الخارجية إلى علي شمخاني مستشار المرشد في الشؤون السياسية والأمين العام السابق لمجلس الأمن القومي في عهد روحاني.

ومن جانب آخر، أعطى المرشد الضوء الأخضر لعلي لاريجاني مستشاره الآخر والرئيس السابق لمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) لتقديم طلب الترشح للانتخابات الرئاسية المبكرة. لم يوافق مجلس صيانة الدستور على ترشح لاريجاني في انتخابات الرئاسة السابقة عام 2021. وصيانة الدستور مجلس مكلف بالبت بأهلية المتقدمين للترشح لانتخابات الرئاسة وتأييد ترشحهم أو رفضه. في التجربة السابقة، رفض صيانة الدستور أي اسم بإمكانه أن يضيق الساحة على المرشح الأصولي إبراهيم رئيسي، وشهدت الجمهورية الإسلامية أسهل انتخابات في تاريخها، حيث انحصرت الانتخابات في البيت اليميني.

اليوم، وبعد إعلان لاريجاني – ضمنيا – حصوله على الضوء الأخضر من المرشد الأعلى للترشح للانتخابات، يمكن توقع تأييد طلبه من قبل مجلس صيانة الدستور. ويظهر التاريخ، أن من لم يحصل على الضوء الأخضر لن يجتاز حاجز صيانة الدستور وإن اجتاز فإنه لن يكون رئيسًا حتى وإن كان بثقل أكبر هاشمي رفسنجاني، كما حدث في انتخابات 2005.

في الساعات الأولى من فتح أبواب وزارة الداخلية للتقديم بطلب الترشح، حضر سعيد جليلي وتقدم بالطلب رسميًا. يقود جليلي اليمين المتطرف ويعرف برفضه القاطع للاتفاق النووي على الرغم من أنه كان مفاوضًا في الملف النووي منذ 2007 حتى 2013 أثناء توليه منصب الأمين العام لمجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد. كان جليلي يفاوض من أجل التفاوض، لا من أجل الاتفاق. وفرضت أشد العقوبات على إيران في الوقت الذي كان جليلي يفاوض الغرب فيه. ويُعرف جليلي أيضا برجل حكومة الظل، حيث أنه عرقل خطوات حسن روحاني بحكومته الظل وحصل على حصة من حكومة رئيسي، بحكومته الظل أيضًا.

ورغم خسارته الانتخابات السابقة، يترشح جليلي للمرة الرابعة (برلمان وثلاثة رئاسات) نيابة عن اليمين المتطرف. في اليوم الأخير، ترشح رئيس البرلمان اليميني محمد باقر قاليباف. لكن من الصعب اتحاد جليلي وقاليباف هذه المرة. فبعد أن هيمن اليمين على كامل أركان النظام اتسعت الخلافات الداخلية في بيتهم. وهو ما قد يظهر جليًا في هذه الانتخابات.

في هذه المرحلة، يمكن تقسيم المشهد السياسي في إيران إلى يميني أي التيار المحافظ المعروف بالأصولي، ويساري أي التيار المعتدل والتيار الإصلاحي. والاعتدال في إيران ابن اليسار، فمن الجانب اليميني يعتبر الاعتدال يساريًا لا محالة، ومن الجانب اليساري (التيار الإصلاحي) يعتبر الاعتدال الخيار المناسب للتبني في ظل استبعاد التيار الإصلاحي من قبل صيانة الدستور وحذفه من النظام نهائيًا.

في الحالة الإيرانية، كلما ارتفعت نسبة المشاركة زادت حظوظ اليسار. يمتلك اليمين قاعدة أصوات تشكل بحسب كثر التقديرات نحو 35 في المئة، ويمتلك اليسار قاعدة تشكل نحو 35 في المئة من إجمالي الأصوات. ويشارك اليمينيون تقليديًا وعلى أي حال لأنهم يرون ذلك واجبًا ولائيًا ووطنيًا ودينيًا. أما اليسار فلم يشاركوا بالانتخابات الثلاثة الأخيرة إذ لم يكن لهم أي مرشح جراء رفض مجلس صيانة الدستور أو لأنهم لم يتقدموا للترشح باعتبار أن طلباتهم ستتعرض للرفض حتمًا. وهناك نحو 30 في المئة من المؤهلين للتصويت لن يشاركوا في الانتخابات على أي حال.

وبالعودة إلى نسبة اليسار، تؤثر نسبتهم على الانتخابات، ويسعى اليمين إلى أن تقاطع هذه النسبة الصناديق حيث أنه من الواضح أن ذلك يصب بمصلحتهم. واقع الحال، كلما عادت هذه كتلة اليسار إلى صناديق الاقتراع تمكنت من استقطاب الأصوات الرمادية وكسبت الانتخابات.

السؤال؛ في حال اجتياز لاريجاني مجلس صيانة الدستور وتشكلت ثنائية جليلي لاريجاني، هل ستكون الانتخابات المقبلة مماثلة لانتخابات عام 2013 وهي الانتخابات التي فاز بها حسن روحاني قبالة سعيد جليلي؟

رغم قرب لاريجاني من روحاني، لكن الانتخابات لن تكون بسهولة انتخابات روحاني، لهذه الأسباب:

أولاً: هذه الانتخابات استثنائية وجاءت بعد رحيل الرئيس اليميني الذي لم يكمل دورته الأولى، وعليه، رشح اليمين جليلي ليتشبث أكثر بميراث رئيسي ويكمل مسيرته.

ثانيًا: علي لاريجاني وإخوته معروفون في الشارع الإيراني وهناك مواقف ناقدة تجاههم، على عكس حسن روحاني في عام 2013 ولم يكن معروفًا.

ثالثًا: ساهم دعم رفسنجاني وخاتمي كثيرًا في فوز روحاني، اليوم، رحل رفسنجاني وخاتمي لا يستطيع استقطاب جميع الإصلاحيين وكذلك الآراء الرمادية لصالح مرشح معتدل مثل لاريجاني.

رابعاً: لاريجاني ليس رجل دين وإن كانت هذه النقطة ليست جوهرية بالنسبة للإصلاحيين على عكس الأصوليين، لكنها قد تترك أثرًا.

خامسًا: المدة الزمنية القليلة لتنفيذ الاتفاق النووي قبل انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منه لم تمنح الشعب الإيراني المجال لاستشعار تأثير الاتفاق النووي على حياتهم ووضعهم المعيشي، وهذا منح اليمين الورقة الرابحة للدعايات ضد الاتفاق النووي، وبطبيعة الحال، اقتنعت نسبة من الأصوات بفشل إدارة حسن روحاني، وهذا الأمر يبعدهم عن لاريجاني بصفته المقرب من روحاني.

ثمة معطى مشابه لانتخابات 2013، وهو ترشح وحيد حقانيان سكرتير المرشد الأعلى. في انتخابات 2013 ترشح مستشار المرشد ولايتي وظهر في الحملة الانتخابية مساندا لروحاني وضد المرشح اليميني آنذاك سعيد جليلي، وبهذا أوصل المرشد رسالته ووصل لغايته وهي أن يكون روحاني رئيسًا، لا سيما بعد أن كان المرشد مستاءً من محمود أحمدي نجاد الرئيس الذي سبق روحاني. يمكن ترجمة ترشح حقانيان في ذات السياق. قد يظهر حقانيان مناصرا لعلي لاريجاني وضد اليمين ولاسيما سعيد جليلي، وبهذا يتكرر هذا الجزء من سيناريو 2013.

رغم ما ذكر، يبقى الضوء الأخضر المهم الذي حصل عليه علي لاريجاني معطى مهم في سياق توقع نتائج الانتخابات. وعليه، من غير المتوقع أن يسير النظام في ذات اتجاه تناسق السلطات، بل من المتوقع أن تشهد إيران انتخابات رئاسية صعبة يفوز بها علي لاريجاني بعد انسحاب جميع اليساريين مثل علي بزشكيان ومصطفى كواكبيان جهانغيري وخاندوزي لصالحه. لن يكون فوز لاريجاني ساحقا، للأسباب التي ذكرت أعلاه وكذلك لأن النظام لا يستطيع تقديم فوز ساحق لليسار وسحق اليمين بذلك.

ختاما، لا يتأثر الشعب الإيراني بأمر داخلي أو خارجي فيما يتعلق بحضوره عند صناديق الاقتراع سوى بشعوره بالأمل. سيشعر المصوتون بقليل من الأمل بالتغيير، والعاطفة الوطنية بعد رحيل الرئيس قد تساهم في ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات.

منشورات أخرى للكاتب