البحرين وإيران: حسابات الردع وضرورات الضبط

بعد انتصار الثورة في إيران مطلع عام 1979، وُجدت أيديولوجية سياسية شيعية ثورية جديدة في منطقة الشرق الأوسط. وفي ظل هذه الأيديولوجية، خُلق صراع واتجاه معاكس مع بلدان المنطقة التي تحكمها حكومات سنية. وبدأ كل من المنهجين التشكيك في شرعية الآخر من خلال إثارة تساؤلات على المستويات السياسية والدينية والتاريخية.

ومنذ انتصار الثورة الإيرانية، كانت البحرين – ومثلها العراق ولبنان – أحد الأهداف المهمة للإسلاميين في طهران الذين كانوا يعتقدون أنه ينبغي عليهم دعم شيعة هذه البلدان حتى يتمكنوا من إنشاء حكومات إسلامية شيعية، خاصة في البحرين والعراق، حيث غالبية السكان من الطائفة الشيعية.

سرعان ما أصبح ما أسماه الثوار في طهران بمبدأ “تصدير الثورة” مصدرإزعاج بل وعداء للدول الأخرى. في ضوء هذه الأيديولوجية المعلنة، اتهمت المنامة مرارًا طهران بمحاولة الإطاحة بحكومتها من خلال انقلاب أو دعم ثورة مسلحة.

من جانب آخر، تحاول كل من إيران والسعودية دائمًا توسيع نطاق نفوذهما في الشرق الأوسط، باعتبارهما فاعلين إقليميين ومتنافسين. في هذا الصدد، تُعتبر البحرين أحد المجالات المهمة لحملات الهيمنة لإيران والسعودية في المنطقة.

لم تستقر العلاقات الإيرانية – السعودية بعد الثورة رغم تحسنها في بعض المراحل. في يناير/كانون الثاني 2016، كان إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر بمثابة الشرارة التي أطلقت على مخزن البارود. كان بإمكان إيران الرد بشكل مناسب على هذه الخطوة التي يمكن وصفها بـ “الاستفزازية” من قبل السعودية من خلال عمل سياسي أو خارج الحدود، لكن التطرف والتحرك المتسرع والتصرفات المتهورة التي هي بعيدة عن العرف الدبلوماسي، أدت إلى مهاجمة المراكز الدبلوماسية السعودية في إيران وتدميرها. كان هذا الحدث كفيلًا بقطع العلاقات السياسية – الهشة – بين الرياض وطهران. وفي ضوء هذا الحدث، قطعت أيضًا عدد من الدول العربية والافريقية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران. ومن بين هذه الدول البحرين.

بعد الاتفاق الثنائي بين إيران والسعودية في مارس/آذار 2023 بعد سبع سنوات من القطيعة، أصبحت طهران والمنامة أيضًا على وشك إعادة فتح سفارتيهما بعد زيارات دبلوماسية متبادلة لم يعلن عنها. بقى أن طهران تشترط على المنامة تحسين أوضاع مواطنيها من الشيعة بعد الأحداث التي شهدتها البحرين فبراير 2011 وما تبعها من تداعيات سياسية وحقوقية.

الحقيقة هي أن صعوبات وتعقيدات العلاقات الإيرانية البحرينية، تتجاوز حدود المنافسة الجيوسياسية التي كانت رائجة خلال العقد الماضي. اليوم، يُمثل المذهب الشيعي لغالبية السكان في البحرين والتاريخ الطويل للأنشطة السياسية والمدنية في المجتمع البحريني وتوجهات المعارضة وتطبيع العلاقات بين البحرين وإسرائيل، كلها ملفات تلقي بثقلها على الجولة الجديدة من العلاقات بين طهران والمنامة.

بالنظر إلى الهوية الشيعية للمعارضة في البحرين واقترابها الروحي والديني من إيران، فإن أي تغيير في طبيعة مؤسسة الحكم في البحرين سيكون له تأثير جوهري على السعودية التي تعتبر دور إيران في البحرين يشكل تهديدا لأمنها القومي وهيمنتها الإقليمية، ولذلك، تعمل السعودية على الحد من نفوذ إيران في البحرين ومواجهته. تعتبر السعودية دعم حكام البحرين من أسرة آل خليفة أحد المبادئ الثابتة لسياستها الخارجية، ولذلك، فهي تشعر بقلق بالغ من حضور إيران في البحرين إذ تخشى أن تمتد الصراعات الشيعية من البحرين إلى مناطقها الشرقية الغنية بالنفط مثل القطيف والأحساء.

لطالما فرضت قضية المعارضة الشيعية في البحرين توترًا استثنائيًا على علاقات طهران والمنامة، في المقابل، يؤدي هذا التوتر إلى المزيد من التقارب بين البحرين والسعودية والإمارات، حيث أنه من بين دول شبه الجزيرة العربية، ترتبط المنامة مع الرياض وأبوظبي بعلاقات استثنائية وشديدة الخصوصية.

يمثل تطبيع العلاقات بين البحرين وإسرائيل منعطفًا تاريخيًا في التطورات السياسية داخل منطقة الخليج. ورغم أن البحرين لم يكن لها دور رئيسي في هذا المنعطف قبالة أبوظبي التي تعلب الدور الأهم في هذا التغيير، يبدو أن على الدبلوماسيين الإيرانيين، الذين قد يعودون إلى المنامة في أي وقت، أن يتقبلوا وجود السفارة الإسرائيلية في البحرين، واعتبار هذا التطبيع أهم الضربات التي تلقتها السياسة الخارجية لطهران من هذه الجزيرة في جنوب الخليج.

رغم عديد الاتفاقيات الأمنية التي عقدتها البحرين مع دول الخليج أو الولايات المتحدة التي تتخذ من البحرين مقرًا لقيادة الأسطول الخامس، لم تتسبب أي من هذه الإجراءات او الاتفاقات استياء قادة الجمهورية الإسلامية. قبالة ذلك، ينظر الإيرانيون إلى تطبيع العلاقات البحرينية الإسرائيلية باعتباره تهديدًا جديًا لأمنها القومي.

من خلال إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، تمكنت البحرين من توجيه ضربة مهمة لمسار عودة إيران إلى موقعها المهيمن قبل الثورة في منطقة الخليج. لكن في الوقت نفسه، لا تزال الحكومة البحرينية تُستنزف من جانب أنشطة المعارضة والمراهنات حول دعم طهران المحتمل لها. وفي خضم هذا التوتر الدائم، فإن حالة الإصلاحات السياسية في البحرين ومدى مشاركة مواطنيها من الشيعة في إدارة هذا البلد لم تخرج بعد من أفقها المسدود. وفيما تواصل حكومة البحرين الحد من أي نشاط سياسي للطائفة الشيعية، إلا شدة السخط السياسي في هذا البلد يجعل من هذه الحالة السياسية المحتقنة تهديدًا خطيرًا على الاستقرار السياسي في البلاد.

من جهة أخرى، أظهرت إيران مرات عديدة بأنها قادرة على استخدام طرق غير تقليدية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. مثل هذا التفاعل على المستوى الدولي دائمًا ما يكون مدعاة لقلق لدولة مثل البحرين. وبطبيعة الحال، فإن إحدى الطرق للسيطرة على هذه المخاوف البحرينية هي ببساطة في تجنب الإضرار بمصالح إيران من خلال الذهاب في مشروع التطبيع مع إسرائيل إلى حدود قد تعتبرها إيران خطرًا يستوجب الرد.

حتى لو استؤنفت العلاقات بين إيران والبحرين قريبًا، ستواجه علاقات المنامة وطهران صعوبات كبيرة لفترة زمنية غير معروفة. هذه الصعوبات التي ترجع جذورها إلى انعدام الثقة بين الجانبين، قد تتحول إلى أزمات معقدة في أوقات مهمة. يمكن القول أن العاملين المهمين في ضبط إيقاع هذه العلاقة يرتبط بتبريد الملف الداخلي البحريني واحتواء المعارضة الشيعية أولاً، وفي عدم الذهاب في العلاقات من إسرائيل بعيدًا. 

إيران قادرة على أن تشكل تهديدًا على البحرين وعلى النظام السياسي فيها تحديدا، صحيح أن البحرين غير قادرة (منفردة) على أن تشكل تهديدًا لإيران. لكنها قادرة على التأثير – وبشكل كبير ومهم – في إمالة كفتي الميزان لصالح إيران أو خصومها (السعودية وإسرائيل)، وهنا بالتحديد، تكمن أهميتها.

من صالح إيران أن تتقبل وجود البحرين في كفة السعودية، في الوقت ذاته، يجدر على إيران التركيز على التقرب من الحكم في المنامة والمساعدة في حلحلة الأزمة الداخلية مع المكون الشيعي في البلاد. من صالح البحرين تجنب الاستفزازات المتصاعدة تجاه إيران خصوصاً ما يتعلق بعلاقاتها مع إسرائيل، يجدر بالبحرين أن تتفهم خطورة مثل هذه الاستفزازات وإلى أين قد تصل.

منشورات أخرى للكاتب