لماذا تراجع التقارب الخليجي مع سورية؟

على وقع التحولات الكبيرة في العلاقات بين القوى الفاعلة في المنطقة، واكتساب عودة العلاقات السورية الخليجية حيزًا بارزًا في مسار التبدلات الإقليمية التي تنحو اتجاه خفض التصعيد، وتحويل منطقة الشرق الأوسط إلى ساحة من المكاسب المتبادلة، وخصوصاً لناحية التطبيع العربي مع إسرائيل من جهة والتهدئة السعودية الإيرانية من جهة ثانية، إلا أن الزخم العربي الذي شهده العالم منذ قمة جدة مع سوريا قد تراجع بشكل ملحوظ بعد تسارع إيجابي، وبات اليوم يشهد فتوراً واضحاً في مسار العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد.
خمسة أشهر مرت منذ قمة جدة، وحضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة العربية من بوابة السعودية، التي مهدت لبداية مرحلة جديدة تقفل زمن “الربيع العربي” وتفتح الأفق واسعاً لحل شامل للأزمة السورية المستمرة منذ العام 2011. وعلى الرغم من أهمية هذا التقارب، إلا أن العزلة السورية لم تنته، بل لربما عادت إلى نقطة الصفر في المضمون.
لاتزال الدول الخليجية تطالب الأسد بإجراء عملية تسوية سياسية للأزمة تشمل تأمين عودة اللاجئين السوريين، ومحاربة تجارة المخدرات وتهريبها إلى دول الجوار، وإنهاء معاناة الشعب السوري، إضافة إلى البند الأساس وهو تقويض حجم علاقته بإيران وإبعاد الأسد عن المحور الإيراني، في المقابل ترى سوريا أن طريقة التفكير العربية “لا تطرح حلولاً عملية، ولا تطرح أفكاراً عملية لأي شكل”.
عملانياً، ما يمكن التعويل عليه هو مجموعة اللقاءات الدبلوماسية الأخيرة التي جرت مؤخراً، وأبرزها زيارة القنصل السوري إحسان رمان إلى مقر السفارة السورية في السعودية، لاستئناف العمل الدبلوماسي في السفارة، وذلك تنفيذا لقرار البلدين استئناف عمل بعثتيهما الدبلوماسيتين في الدولتين. ولكنها خطوة تقوم على مبدأ “خطوة مقابل خطوة” الذي ينجو باتجاهه مسار العلاقات الخليجية – السورية، وهي ذات نتائج “صفرية” كما وصفها محللون سوريون.
وبعد تصريح وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، أن دمشق “سارت مئات الخطوات في ما يتعلق بما هو مطلوب منها، في حين لم تلق أي خطوة من الأطراف الأخرى”، داعياً تلك الأطراف إلى “أن تبدي حسن النوايا، والتوقف عن تجويع الشعب السوري”، عنونت صحيفة “عكاظ” السعودية كاتبة: “الحل العربي للأزمة السورية يتعثر”، كما نعت سياسة “خطوة خطوة”. وعن تراجع الاندفاع الخليجي، بررت الصحيفة في مقالها أن بداية الاندفاع نحو الأسد كان يقوم على أساس أن استمرار الأوضاع على ما هي عليه لا يخدم أي طرف من الأطراف.
واعتبرت الصحيفة أن السعودية التي رسمت أفقاً لحل الأزمة السورية، بذلت جهوداً جبارة، وعملت على إقناع المجتمع الدولي بضرورة هذا الحل وفوائده من الناحية السياسية والأمنية والإنسانية، وتوجهت إلى سوريا ورئيسها بالقول: “ولكن إذا لم تساعد نفسك فلا أحد يستطيع مساعدتك، وربما الحالة السورية تتطلب من الحكومة السورية مقاربة مختلفة تسمح بالخروج من عنق الزجاجة”.
إلى ذلك، يبدو، بحسب بعض المحللين، أن مسار إعادة الأسد إلى ما سمي بالحضن العربي، هو مسار فاشل من بدايته. بل أكثر من ذلك، يعتبر المحللون أن كل ما أراده الأسد من حضوره القمة العربية كان فقط لرفع راية النصر من هناك على أرض السعودية، وبذلك قد أعطى لإيران مقعداً جديداً في الجامعة العربية.
على صعيد آخر، وعلى عكس ما تريد سوريا اشاعته، فالحكومة السورية كانت تأمل حقاً في أن ينعكس الانفتاح العربي عليها بالإيجاب، سواء في الشق السياسي أو الاقتصادي. والكرة اليوم في ملعب سوريا المطالبة بتحقيق ما تم الاتفاق عليه. وعليه، من المستبعد أن يقدم الأسد أي تنازل بخصوص ملف اللاجئين العنوان الأول الذي طالب به العرب والخليج كشرط لإعادة الانفتاح على سوريا. فالأسد من المتوقع أن يستمر في النهج ذاته بالتعامل مع ملف اللاجئين، وربط أي فكرة لقبول عودتهم بتدفق أموال إعادة الإعمار، هو أمر غير وارد حالياً في ظل استمرار نفاذ العقوبات الأميركية على الأسد واستمرار علاقته المحورية مع إيران.
في الملف الثاني، أي مكافحة المخدرات وتجارة الكبتاغون، لا تملك سوريا حالياً القدرة الكاملة على وقف “مزراب الذهب” نظراً لارتباط هذه التجارة بمافيات واسعة ممتدة على نطاق الدول الإقليمية والتي تعود بأرباح كبيرة، وذلك على الرغم من التأكيد السوري أن سوريا ستحارب تجارة المخدرات، وهو ما أرادت إثباته عندما أعطت الغطاء لقتل أشهر مهرب مخدرات المعروف باسم ” أسكوبار” بغارة جوية جنوب سوريا.
أما فيما يتعلق بالملف الثالث أو الشرط للعودة إلى الحضن العربي، وذلك من خلال الحد من النفوذ الإيراني، فالأسد لا يمتلك أوراقاً فاعلة تمكنه من تحقيق ذلك، هذا أن امتلك أصلاً قراراً سيادياً شاملاً بذلك، وبالتالي فإن هذا الملف قد يعيد العلاقات السورية – الخليجية إلى نقطة الصفر، حتى مع التقارب السعودي الإيراني الأخير.
وبالتالين يتوقع بأن مسار التطبيع العربي لن يسهم وفق الطروحات الحالية بإيجاد ملف شامل للأزمة السورية، بل ربما وأسوأ من ذلك بكثير، سيسهم في إعطاء المزيد من الشرعية للوضع الحالي، ومن يعلم ربما استمرار تفجر الصراع مستقبلاً أو إعادة الصراع الداخلي إلى نقطة الصفر.
إلى ذلك، وبحسب المعطيات، لن تؤدي السياسات العربية تجاه الأسد إلى تغيير حالة الجمود في سوريا سياسياً أو عسكرياً في الوقت الحالي، ومن ثم فإن لعب الدول العربية هذا الدور بعيدا عن الفاعلين الرئيسين مثل الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران لن يمنحها قدرة على التأثير، ولن يكون لسوريا القدرة في الوقت الحالي على تقويض علاقتها بإيران.
وعليه، فإن مسار العلاقات العربية مع دمشق يتأثر ببعض المتغيرات التي جعلت الدول الخليجية تتراجع في زخمها تجاه سوريا، وخصوصا لناحية علاقات الدول الغربية الرئيسية وعلى رأسها الولايات المتحدة ونظرتها لطبيعة النظام وتحركاته، إضافة إلى العلاقات بين الدول الإقليمية فيما بينها والتي تشهد مداً وجذراً في كثير من الملفات.
يذكر المقاطعة الدبلوماسية العربية للرئيس السوري بشار الأسد بدأت منذ العام 2011، حين طُردت سوريا من الجامعة العربية، فيما أصدرت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بيانا مشتركا أدانت فيه القمع العنيف، كما أقدمت تلك الدول طيلة السنوات الأولى للحرب على اتخاذ المزيد من الخطوات لعزل الأسد دبلوماسياً، فأغلقت الدول سفاراتها في وجه سوريا.

منشورات أخرى للكاتب