ما هي خطة دول الخليج من تغييب السنة عن المشهد الانتخابي في لبنان؟

بإعلان رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة عزوفه عن الترشح للانتخابات النيابية قبل ساعات من إغلاق باب الترشيح منتصف ليل 15 آذار/مارس الجاري، يكتمل مشهد مقاطعة نادي رؤساء الحكومات السابقين للانتخابات البرلمانية المقررة في 15 أيار/مايو المقبل، وهي الانتخابات التي، تأسيساً، لا يتوقّع منها أن تحدث تغييراً كبيراً في المشهد السياسي العام في لبنان الغارق في أزمة سياسية واقتصادية حادة منذ أكثر من سنتين.

عزوف الأقطاب السنّة الأساسيين عن الترشح يطرح علامات إستفهام كبيرة حول إمكانية عدم إجراء هذه الانتخابات أو تطييرها، ويبقى التساؤل الأبرز: لماذا قررت القيادات السنية مقاطعة الانتخابات؟ وما مدى ارتباط قرارها بالموقف الخليجي من لبنان بعد فشل كل المساعي لإعادة العلاقات بين بيروت ومعظم العواصم الخليجية، وتحديداً الرياض، التي أعلنت في أكثر من مناسبة شروطها لإعادة العلاقات مع لبنان، وهي وقف ما اعتبرته هيمنة حزب الله على الحياة السياسية ومنعه من القيام بأي أعمال ضد دول الخليج.

وجاء إعلان عزوف السنيورة عن الترشح بعد ساعات من إعلان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي القرار نفسه. هذا العزوف سبقه إعلان رئيس تيار المستقبل سعد الحريري تعليق مشاركته في الحياة السياسية بعد توتر العلاقات على مدى سنوات مع السعودية – الداعم السابق للبنان في المنطقة – بسبب ما اعتبرته المملكة ضعفاً منه في مواجهة حزب الله الذي يدعم الحوثيين ضدها من جهة، والذي أفسح المجال أمام الضاحية الجنوبية لبيروت لتكون مقراً لما تعتبره دول الخليج جماعات عدائية ضد أمنها واستقرارها من جهة ثانية.

لا شكّ في أن قرار الحريري أثار مخاوف بشأن مقاطعة محتملة من السنة للانتخابات، ما قد يقوّض العملية الانتخابية برمتها، رغم أن أشخاصًا من الطائفة السنية قد رشحوا أنفسهم بالفعل، لكن السنيورة الذي علل أسباب عزوفه عن الترشح بالقول إنه يفسح المجال أمام قيادات جديدة، قال إنه منخرط في الانتخابات وأنه سيدعم لائحة بيروتية وازنة، على رأسها الوزير السابق خالد قباني.

يحاول السنيورة استرضاء الحريري بعد أن قرر الأخير مقاطعته بصورة مباشرة، رداً على عدم التزامه بتوجه مقاطعة الترشح أو المشاركة بالحملات الانتخابية، إلا أن مسؤولين التقوا الحريري في مقر إقامته في الإمارات ونقلوا رفضه بأي شكل وتحت أي مبرر ترشّح أي من قيادات المستقبل لهذه الانتخابات. بدوره، برّر ميقاتي قراره العزوف عن المشهد الانتخابي بجملة أسباب، من بينها “إيمانه بحتمية التغيير وبضرورة إفساح المجال أمام الجيل الجديد ليقول كلمته ويحدد خياراته عبر الاستحقاق النيابي المقبل”، داعياً في الوقت ذاته أهالي طرابلس “إلى المشاركة في الانتخابات، إذ لا يجوز التلكؤ عن القيام بهذا الواجب الوطني، لأي سبب كان”.

لا بد من الاعتراف بأن قرار رؤساء الحكومات الأربعة، الحريري وسلام وميقاتي والسنيورة، ترك الساحة السنية في حالة إرباك، ولكنَّ هذه الخطوة لا تعني مقاطعة الانتخابات، بل هي فرصة لصعود قيادات شابة تحمل المسؤولية في المرحلة الجديدة. ومع إقفال باب الترشيح منتصف الشهر الجاري، تتجه الأنظار إلى تشكيل اللوائح والتحالفات التي ستحدد هُوية المجلس الجديد والأكثرية التي ستنتج من هذه الانتخابات.

ما يغيب عن دول الخليج التي تقف وراء القرار السني العام في لبنان هو عدم التنبه إلى أنّ غياب الحريري في بلد يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية قد يفيد خصومه، لا سيما حزب الله، الذي سيدعم وصول نواب سنّة مقربين منه إلى البرلمان ما يخوّله الفوز بالأكثرية النيابية، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي أيقنت أن سياسة العقوبات والحصار التي انتهجتها في الآونة الأخيرة لم تؤثر في حزب الله بقدر ما تسببت في الأذى للشعب اللبناني الذي بات أكثر من ثلثيه تحت خط الفقر، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وبعد مناشدات عددٍ من القيادات اللبنانية المقربة من الرياض، منهم سمير جعجع ورئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير، للقيادة السعودية بعدم التخلي عن لبنان وطلب المساعدة، تحركت باريس التي أطلقت مبادرة لحل الأزمة بين لبنان ودول الخليج، غداة تصريحات وزير الإعلام السابق جورج قرداحي المرتبطة بالحرب القائمة في اليمن، والتي انتهت باستقالته.

وبالفعل طُرح الملف اللبناني على طاولة المحادثات مع المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، بمشاركة السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، فيما ترأس الوفد الفرنسي المستشار باتريك دوريل، ضمن ما أُطلق عليه مسمى “شراكة فرنسية – سعودية”. وخلال الاجتماع، تم بحث نقطتين أساسيتين؛ الأولى تتعلّق بالانتخابات النيابية والحضور السياسي السعودي في لبنان، والأخرى ترتبط بتقديم المساعدات. وخلال الاجتماع، تمّ البحث أيضاً في إمكانية عودة السفير السعودي إلى بيروت قريباً، ضمن “الشراكة الفرنسية – السعودية”، لمساعدة اللبنانيين على المستويات المعيشية والاجتماعيّة.

يترك عزوف تيار المستقبل والقيادات السنية عن الترشح المشهدَ الانتخابيَ في حالة إرباك شديدة. ومع إغلاق باب الترشيح وانطلاق قطار التحالفات، يجمع المراقبون على أنَّ حزب الله يسعى للفوز بالأغلبية لترتيب العلاقة بين حركة أمل والتيار العوني ودعم نواب اللقاء التشاوري للحصول على أصوات السنة، فيما تسعى باريس، من خلال تحركاتها ودعمها مجموعات المجتمع المدني، لإيصال عددٍ من مرشحيها وترتيب تحالفات بين حزب التقدمي الاشتراكي وبعض رموز 14 آذار، لقطع الطريق على استئثار حزب الله وحلفائه بالأغلبية في المجلس النيابي. ولهذا السبب، حركت دبلوماسيتها تجاه الرياض.

لكن، هل سيكون ثمة تغيير في الموقف السعودي قبل شهرين من إجراء الاستحقاق الانتخابي في لبنان؟ وما هي المساحة الباقية لهذا التأثير؟ مرة أخرى، يبدو أن حزب الله وحلفائه ينعمون بين فترة وأخرى بمساعدات مجانية من دول الخليج. خلاف ذلك؛ يجدر التساؤل بجدية عن ماهية الخطة التي تنتهجها السعودية ودول الخليج في لبنان؟

منشورات أخرى للكاتب