الفراغ الرئاسي في لبنان: السعودية ليست على عجلة من أمرها

وسط جمود اقتصادي قاتل، وفي وقت لم تسجل فيه حتى الآن أي مبادرة جدّية، خارجية كانت أم داخلية، للتوصل إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية؛ من المُرجح أن يستمر مسلسل الفراغ الرئاسي بانتظار حصول تفاهم دولي وإقليمي – سعودي – إيراني بالدرجة الأولى – ليكون مفتاحاً للحل في قضايا المنطقة، أبرزها الملف اليمني والعراقي مرورًا بسوريا ووصولًا إلى لبنان.

اللافت في هذه المرحلة هو غياب الاهتمام الدولي بانتخاب الرئيس لانشغال عواصم القرار بمشاكلها وترتيب ملفاتها من الحرب الأوكرانية إلى الملف النووي الإيراني الذي وضعته واشنطن جانبًا. بالتوازي، لا تبدو الرياض على عجلة لحلّ الملف الرئاسي في لبنان بالنظر إلى أن حلفاء السعودية لم ينجحوا حتى الآن في خلق ساتر سياسي رفيع أمام حزب الله وبقية حلفائه.

وسط هذه الأجواء المُلبدة، قطعت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان للعاصمة اللبنانية بيروت (منتصف يناير الماضي)، مناخ الجمود السياسي الذي ترزح فيه البلاد بمسار الاستحقاق الرئاسي من مراوحة في المكان وتجديد للعجز، مستغلاً فرصة زيارته لنقل الأنباء الإيجابية عن تحسن العلاقات الإيرانية-السعودية، ومجدداً دعوته للحوار بين كافة الأطراف اللبنانية.

تتضارب المعلومات بين أن السعودية بدأت تنفتح على إسم النائب السابق سليمان فرنجية الذي كان أحد المدعوين من جانب السفير السعودي وليد البخاري في احتفالات السفارة السعودية في بيروت بالذكرى الـ33 لاتفاق الطائف، وبين أن المشكلة في أنه لا يوجد تفاهم بين الولايات المتحدة وفرنسا وقطر مع السعودية، وذلك بعد تبلغ المسؤولين الفرنسيين المعنيين بالأزمة، بحسب تسريبات صحافية، بأن السعودية ليست في وارد البحث في أي تسوية. حالة التململ السعودية تعود إلى كون الرياض بسياساتها الخارجية الجديدة لم تعد تميل إلى اللعب بسياسات النفس الطويل، التي هي بالضرورة، سمة رئيسية لطبيعة الصراعات داخل الحياة السياسية في لبنان.

وبعدما بات الاهتمام الدولي والأوروبي منصباً على التحقيق في ملفات الفساد وتفجير المرفأ، في ظل حكومة تصريف أعمال منقسمة على ذاتها بسبب الجدل حول دستورية جلساتها كونها حكومة تصريف أعمال مستقيلة، يمكن القول بأن لا مساع جدية لانتخاب رئيس جديد حتى الآن.

بعد مغادرة رئيس الجمهورية ميشال عون لقصر بعبدا في 30 أكتوبر من العام الفائت لاحت في الأفق معالم بأن الفراغ سيسكن القصر الرئاسي لأمد طويل. وما جلسات البرلمان التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب الرئيس إلا مضيعة للوقت أو مسرحيات هزلية قضت بانتخاب الورقة البيضاء لحزب الله وحلفائه، مقابل إسم النائب ميشال معوض مرشح القوات اللبنانية والحزب الاشتراكي الذي لم يوفّق بالفوز لعدم وجود أكثرية داعمة له.

أيضاً بسبب الانقسامات بين القوى السياسية الرئيسة أو ما كان يعرف بفريقي 8 آذار و14 آذار والتغييرين أو ما يعرف بنواب “الثورة”، وعدم امتلاك أي منها لأكثرية برلمانية تدعم وصول أي رئيس ترشحه؛ يتعمق الخلاف الداخلي.

أمام هذا المأزق والمراوحة التي خيمت على المشهد من خلال جلسات الانتخاب، دعا رئيس مجلس النواب إلى حوار، لكن أي من الأحزاب والقوى الفاعلة لبّت الدعوة، رغم قناعة جميع هذه القوى أن أي منها لا يستطيع إيصال مرشحه لعدم امتلاكه الأكثرية لاسيما أن فريق حزب الله منقسم على ذاته بسبب رفض التيار الوطني الحر ترشيح زعيم تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة، إذ يرى التيار الوطني أنه ممر إلزامي وأساسي لوصول أي مرشح إلى قصر بعبدا كونه يمتلك الكتلة البرلمانية المسيحية الأكبر.

مؤخرًا، كرّس رئيس التيار جبران باسيل المزيد من الافتراق السياسي عن حزب الله بعد تلويحه بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية في حال عدم التفاهم حول الرئاسة.

اليوم، ورغم المراوحات وحرب التصريحات المستعرة بين الفرقاء اللبنانيين، يذهب أكثر المراقبين السياسيين إلى أن التفاهمات السعودية الإيرانية هي المسار الواقعي وخارطة الطريق الممكنة للخروج بتوافق أغلبية داخل مجلس النواب اللبناني، وفيما تبدو حصص سليمان فرنجية متصاعدة، إلا أن خزان الرؤساء الكلاسيكي (مؤسسة الجيش) يبقى خيارًا مطروحاً على قاعدة، رئيس كلاسيكي، فلا غالب ولا مغلوب.

منشورات أخرى للكاتب