ماذا يعني شراء إيران نحو 72 طائرة سوخوي-35 من روسيا؟

منذ اتهام إيران بالضلوع في الحرب الروسية الأوكرانية وإقرار طهران بتزويد موسكو بمسيرات “شاهد” محلية الصنع، بدأت التكهنات حول عزم إيران شراء مقاتلات “سوخوي ـ 35” من روسيا.  والمضي في هكذا مسار بالنسبة لبلد محاصر على جميع المستويات لابد أن يكون موعودًا بمقابل لا يستهان به.

بعد أسبوع من تأكيد وزير الدفاع الإيراني، العميد محمد رضا آشتياني، عزم بلاده شراء مقاتلات روسية لتعزيز قوتها الدفاعية، أعلنت البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة مارس 2023 أن طهران انتهت بالفعل من إبرام عقد لشراء طائرات مقاتلة من طراز سوخوي ـ 35 الروسية. لكن البعثة امتنعت عن الإدلاء بمزيد من المعلومات حول عدد المقاتلات المزمع تسليمها وموعد تنفيذ الصفقة “لضمان سرية المعلومات الخاصة”. ومن المتوقع أن تستقر هذه الطائرات في قاعدة “عقاب 44” الجوية تحت الأرض التي رافق الكشف عنها رسوم ظهرت في مقطع فيديو تشبه تصميم طائرة سوخوي ـ 35، ما عزز الاحتمال بشأن مستقر الضيوف الجدد للأسطول الجوي الإيراني.

منذ عام 2018، تشهد العقيدة العسكرية الإيرانية المبنية على الدفاع والحرب بالوكالة تغيرات نسبية. يمكن إرجاع ذلك إلى عوامل عدة منها فشل الإتفاق النووي وسياسة الضغط الأقصى من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كذلك اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، وظهور حركات عند الشيعة في العراق تنطلق من القومية العربية والوطنية، يضاف لذلك ظهور المحور الذي تطلق عليه الأوساط الإيرانية بالمحور العربي ـ العبري، وتصعيد إسرائيل من خلال تكثيف هجماتها لاستهداف مقرات إيرانية أو أخرى تابعة لحلفاء إيران، وفشل الحكومتين الجديدتين في كل من إيران وأمريكا في إحياء الإتفاق النووي أو التوصل إلى واحد جديد.

من هذا المنطلق، يبدو أن طهران بدأت في تغيير عقيدتها السياسية المبنية على الدفاع بالوكالة نحو اعتماد تقليص الاتكاء على الحلفاء، وهو المسار الذي بدأ بالإتفاق مع السعودية. وبناء على هذا، تحتاج طهران إلى تعزيز قدراتها الهجومية والدفاعية المباشرة ـ دون الوكلاء والحلفاء ـ ومن غير المنطقي الاكتفاء بمخزونها المحلي والأجنبي القديم.

الشواهد التي تعزز نظرية تغيير العقيدة العسكرية الإيرانية كثيرة. بدايتها تعود إلى عام 2020 عندما استهدفت إسرائيل منشآت إيرانية. بعد شهر من ذلك كشفت هيئة الأركان للقوات المسلحة الإيرانية للمرة الأولى عن إطلاق صواريخ باليستية تابعة للحرس الثوري تنطلق من أعماق الأرض بطريقة مموهة. في العام نفسه، رفعت طهران الستار عن قاعدة سرية تحت الأرض مع إمكانية التزويد الآلي للصواريخ من المخازن.

تهيمن الطائرات الروسية من طراز ميغ وسوخوي (حقبة الاتحاد السوفياتي) على الأسطول الإيراني من الطائرات الحربية، هناك أيضًا طائرات حربية صينية من بينها إف ـ 7، إضافة إلى بعض الطائرات الأمريكية من طراز إف ـ 4 وإف ـ 5 اشترتها طهران قبل الثورة الإيرانية عام 1979. وتعتبر مقاتلات سوخوي ـ 35 من الجيل الرابع أقرب فئة لمقاتلات الجيل الخامس، ولو صرفنا النظر عن الهيكل، يمكن مقارنة سوخوي ـ 35 بمقاتلات الجيل الخامس في المعدات الأخرى. ومع ذلك، استخدمت المواد المركبة في صناعة هيكل هذه المقاتلات لتقليل الوزن وانعكاس الرادار. ورغم أن سوخوي ـ 35 تشبه مقاتلة سوخوي ـ 30 متعددة الأدوار ويمكن استخدامها في أدوار مختلفة مثل اعتراض الأهداف الجوية ومهاجمة الأهداف الأرضية الثابتة والمتحركة والسفن، إلا أن مهمتها الرئيسة صيد المقاتلات المعترضة. وعليه، سيزداد أمن الأجواء الإيرانية بشكل كبير باقتناء هذه المقاتلة عبر تحييد بعض التهديدات التي تتحدث عنها طهران في مجال العمليات الجوية.

هناك العديد من المزاعم حول عدد طائرات سوخوي ـ 35 التي اشترتها طهران من موسكو. تقدر إحدى هذه المزاعم غير الإيرانية بأن الصفقة تشمل نحو 24 طائرة. وتشير تكهنات أخرى إلى أن الاتفاقية بين إيران وروسيا تتضمن شراء أربعة أسراب ـ من 12 مقاتلة لكل منها ـ والحق باختيار سربين آخرين. في هذه الحالة اشترت إيران 48 طائرة مقاتلة ويمكنها إنهاء شراء 24 طائرة أخرى إذا لزم الأمر. وفي حال تنفيذ هذا العقد بالكامل، ستحصل إيران على 72 طائرة من طراز سوخوي ـ 35.

ومن جانب آخر، تشير الصحافة الإيرانية إلى أنه على الرغم من تركيز وسائل الإعلام على سوخوي ـ 35 إلا أنه من المحتمل أن تشتري إيران مقاتلات أخرى من روسيا، والتي يمكن أن تشمل المزيد من مقاتلات سوخوي ـ 24 المستعملة وسوخوي ـ 30.

ختاما، على الرغم من إعلان إيران إنهاء الصفقة، إلا أنه ما لم تستلم إيران المقاتلات فعلاً فإن الصفقة لم تنته بعد. لا يمكن استبعاد الإستراتيجية الروسية في هذا الشأن حيث لا تتعلق عملية شراء وبيع المقاتلات بإيران وروسيا فقط، بل يعود الأمر بلا شك إلى علاقات روسيا مع إسرائيل والسعودية أيضًا. وفي ظل هذه المؤثرات، ونظرًا إلى علاقات روسيا مع تل أبيب التي تأثرت بالحرب الأوكرانية لكنها أيضاً لم تصل إلى مرحلة من التوتر تدفع موسكو بالقيام بتزويد طهران بأسلحة متقدمة بمستوى سوخوي ـ 35. تبدو العلاقات بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي بما في ذلك السعودية والإمارات وثيقة وجيدة، ومن غير المرجح أن الرئيس بوتين سيرغب في الإضرار بهذه العلاقات. يُذكر أن روسيا تقف مع الصين إلى جانب السعودية في قضية اليمن ضد إيران كما أنها مؤخرًا وفي إجماع نادر مع الغرب، صوتت في مجلس الأمن لصالح قرار تمديد العقوبات ضد “جماعة أنصار الله الحوثي” في اليمن.

من المحتمل أن تكون إثارة مسألة بيع هذه الأسلحة لإيران هي تكتيك سياسي أيضاً، حيث أعلنت إيران عن إنهاء الصفقة لخلق فرصة من الجانب الروسي لزيادة القوة التفاوضية لموسكو وتسجيل نقاط جديدة في المنطقة، أي من أجل استفزاز إسرائيل والسعودية بطريقة ما وجرهما للدخول في مفاوضات سرية مع روسيا لثنيها عن الصفقة مع إيران، مما سيوفر المزيد من أوراق المساومة في المنطقة بالنسبة لموسكو مع الأطراف الأخرى.

منشورات أخرى للكاتب