الرئيس بري: الحل الوسط بين السعودية وحزب الله في لبنان

رغم بعض المنغصات، يسير قطار التسويات والتفاهمات في المنطقة بهدوء ، سواء ما يتعلق بالأنباء الواردة من فيينا عن قرب التوصل إلى إتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني بصيغة جديدة، أو التقارب السعودي – الإيراني الذي تتم هندسته بعيداً عن الأضواء، ما سينعكس حتماً على عدد من أزمات المنطقة، من العراق إلى اليمن، مروراً بلبنان وسوريا.
رغم هذه الأجواء التي تبدو ايجابية، إلا أن هذه التفاهمات/ التوافقات الجديدة بين كل من الرياض وطهران لا يبدو أنها تُسهم بالايجاب في تغييرمسار الحرب الكلامية المستعرة بين كل من السعودية وحزب الله اللبناني. مواقف حزب الله لا تبدو منعزلة عن التوجه الإيراني الذي يحاول أن يحقق بعض المكاسب دون ربط ذلك بتقديم تنازلات. وفيما تسعى طهران لاستئناف علاقاتها الدبلوماسية مع الرياض والتقارب مع باقي دول الخليج، تراهن أيضاً على أن في مقدورها تحقيق بعض المكاسب الجديدة من خلال حلفائها في المنطقة.
يمكن فهم مواقف حزب الله بأنه يحاول أحياناً إظهار تمايز في مواقفه عن طهران، والتأكيد على أنه سيد قراره رغم ارتباطه بإيران منذ انطلاقته. فلطالما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن كل أسلحتهم وتمويلهم من الجمهورية الإسلامية. كما أن كل تدخلاته في حروب المنطقة (العراق، سوريا، اليمن) جاءت بتنسيق مشترك مع إيران، وهو أمر معروف وليس خفياً على أحد. رغم ذلك، لا يبدو أن تقارب طهران والرياض سيكون تأثيره بذات المستوى على علاقة الرياض بحزب الله.
في ظل هذا التباين بين مساعي إيران التصالحية مع الرياض، لا شك أن طهران ستغلّب مصالحها لتمارس ضغوطاً على حزب الله لتليين مواقفه والانخراط في تسوية جديدة لم تتضح معالمها بعد في لبنان. من جانب آخر، حددت الرياض – حين قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع لبنان غداة تصريحات وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي عن حرب اليمن – مرادها من لبنان بوقف هيمنة حزب الله على الحياة السياسية وعدم مشاركة عناصره في دعم الحوثيين في حرب اليمن، وهو ما يبدو صعب المنال.

حاولت السعودية على مدى السنوات الماضية الضغط من خلال فرض العقوبات على الحزب ووضعه في قوائم الإرهاب، لكنها لم تفلح في ذلك. وعليه، قد تلجأ الرياض إلى بناء تسوية جديدة قد تحد من نفوذ حزب الله، تتمثل بإعادة إنتاج السلطة السياسية بشكل يراعي مندرجات اتفاق الطائف ووقف تعطيل الحياة السياسية.
لذلك، ستسعى الرياض لنزع الغطاء المسيحي عن حزب الله، المتمثل بدعم التيار الوطني الحر، من خلال دعم حزب القوات اللبنانية، بزعامة سمير جعجع، للفوز بالانتخابات النيابية القادمة، ودعم القوى المعارضة لسياسات الحزب ومنعه من الحصول على أغلبية برلمانية، وهو ما تتلاقى السعودية به مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يرفض التحالف مع التيار العوني، ويريد كسر رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل.

تقاطع المصالح بين السعودية والرئيس بري سيفضي إلى البحث عن تفاهمات يؤدي الأخير فيها دوراً وازناً نظرًا لما يمثله من زعامة وطنية وداخل المكون الشيعي، خصوصاً أنه أدى دوراً في تدوير الزوايا في أكثر من محطة وطنية، ويشغل رئاسة مجلس النواب منذ العام 1992. وبذلك، يصبح بالإمكان صياغة تفاهمات غير مباشرة عبر حلفاء السعودية في لبنان، وليس مع السعودية مباشرة.
هذه التفاهمات قد تنتج صيغة جديدة لسلطة لبنانية لا تستعدي السعودية، ولا تكون فيها هيمنة لحزب الله، وإن بقي ممثلاً في البرلمان، ومشاركاً في الحكومة دون أغلبية تدعم مواقفه بالمسطرة. كل ذلك يبقى متوقفاً على إمكانية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرر في 15 أيار/مايو القادم.
يبقى من المهم أن يتم التحقق من موقف إيران، فالأخيرة قد تعمل على تمرير تسوية تمنح الرياض نفوذاً جزئياً في لبنان كما كان سارياً منذ بدء تطبيق إتفاق الطائف الذي رعته السعودية آنذاك، لكنها لن تستطيع أن تضغط على حزب الله ليكون نفوذ السعودية أكبر من نفوذه في هذا البلد الذي تتقاطع فيه مصالح الدول الكبرى. لذا، ما تحتاجه السعودية هو أن تتفهم أن الهيمنة على لبنان كله هي مشروع لن يكتب له النجاح، سواء بقطع العلاقات مع حزب الله والضغط عليه أو ببناء أي تفاهمات معه.
على السعودية أن تدرك أن تصعيد حزب الله الأخير بوجه دول إقليمية ودولية ليس في معزل عن مسار الأحداث في ما يخص المفاوضات والملفات المشار إليها، أي قرب التوصل إلى صيغة جديدة للإتفاق النووي الإيراني واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض، ما يعني أن الحزب أصبح يلعب في ملعب الكبار، وقد تكون له كلمة في هذه التطورات. أما حزب الله فهو معني، أكثر من أي وقت مضى، بفهم أن نفوذه الطاغي وهيمنته المطلقة على لبنان لن يكون لها أي معنى وهو معزول عن جميع دول المنطقة والعالم.

منشورات أخرى للكاتب