دول الخليج وحزب الله: المهمة المستحيلة والإستراتيجيات المعكوسة

يواجه تحالف السعودية والإمارات حزب الله وحلفاءه في لبنان منذ سنوات، فالرياض إحتجزت رئيس مجلس الوزراء الأسبق سعد الحريري في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وأجبرته على تقديم الإستقالة في كلمة مكتوبة، بثّها الإعلام السعودي لأسباب مجهولة، البعض اعتبرها متعلقة بقضايا مالية فيما ذهب آخرون إلى أن الرياض، وقتها، فقدت صبرها أمام تلكّؤ الرئيس الحريري في مواجهة حزب الله. في خط موازٍ؛ طردت الإمارات في السنواتِ القليلة الماضية مئات اللبنانين الشيعة، الذين رأت أنّهم على صلة بحزب الله.

ومع اشتداد الحرب في اليمن، وتصاعد هجمات الحوثيين الصاروخية على مواقع اقتصادية حيويّة في السعودية، واتهامِ حزب الله اللبناني بدعم الحوثيين والمشاركة في القتال والتدريب، أكّدت كل من الرياض وأبو ظبي على لسان مسؤولين ودبلوماسين أنّ لبنان بات رهينة بيد حزب الله، وقرّرتا وقف دعم وتمويل أيّ حكومة يشارك فيها. كما وأوقفت برامج دعم كانت مخصّصة للجيش اللبناني بمليارات الدولارات، وطالبت معظم دول الخليج رعاياها بعدم السفر إلى لبنان، مصنّفة حزب الله منظمة إرهابية وفرضت عقوبات على شركات وأشخاص متهمين بتمويل الحزب. كان المشهد ولا يزال، سياسيًا واستراتيجيًا، يؤكد أن السعودية وأبوظبي تريدان فتح محاور الصراع مع إيران كاملة.

وإلى جانب الأفعال والإجراءاتِ العقابية وجهت الرياض وأبوظبي الدعم في اتجاه الحلفاء في لبنان، وبالأخص حزب القوات اللبنانية، الحزب التقدّمي الاشتراكي وبعض المجموعات المحسوبة على بهاء الحريري، نجل الرئيس رفيق الحريري، فضلاً عن بعض المجموعات السلفية ومنظمات المجتمع المدني، وعددٍ من الإعلاميين الذين يهاجمون حزب الله ومحور الممانعة بشكل مكثف.

ولئن كانت الرياض قد نجحت فعلًا في تعقيد المشهد اللبناني إلا أنّ الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها لا تزال صعبة المنال. في الحقيقة، لم يكن تيار المستقبل وحلفاؤه ولا الحكومة اللبنانية في يوم من الأيام يملكون الإمكانات السياسية أو العسكرية التي تمكنهم من كبح حزب الله أو تشكيل تهديد حقيقي لوجوده، خصوصًا مع ما قد يترتّب على ذلك من فتن داخلية لا تصبّ في مصلحة أحد. 

أما لجهة تأثير النفوذ السّعوديّ في لبنان، فأكثر ما تسببت وستتسبب فيه المنهجية السعودية، في أفضل الأحوال، هو تعميق الشرخ السياسيّ بين فريقي الرابع عشر من مارس/آذار والثامن منه. في الواقع، سوف يتبيّن أنّ من الصعوبة إمكانية إرساء توازن قوى بين المحور الذي يدور في الفلك السعوديّ ومحور أتباع المقاومة والممانعة الموالي لسوريا وإيران. فضلاً عن ذلك، من شأن أي تباعد طويل الأمد بين السعودية وحلفائها في الداخل اللبناني أن يُضعف حلفاء السعودية أكثر، وأن يؤدّي تالياً إلى خسارة القوى السياسية الوحيدة المتحالفة مع المملكة في لبنان لمكانتها ونفوذها.

في أسوأ الأحوال، إن من شأن سحب الدعم السّعودي عن لبنان أن يفسح المجال واسعاً أمام التدخل الإيراني سياسيًا وماليًا.

فيما يتعلق وحزب الله، يدرك الحزب أنه يواجه مرحلة فاصلة تتعدى ما يدور في الداخل من  نقاش حول تأليف الحكومة ولجم تبعات الانهيار المالي والمعيشي، يدرك أيضًا أن حجر الزاوية في كل ما يجري يدور حول الحزب وسلاحه. يستشعر حزب الله حجم المخاطر في ضوء انهيار الثلاثية السائدة (الجيش، الشعب، المقاومة) وأنه يواجه وحيداً المخطّطات المرسومة ضده على أجندة الأشهر المقبلة قبل الإنتخابات وبعدها.

ووسط هذه التخوّفات والتحديات، يعمل حزب الله جاهداً لشراء الوقت ولتجنّب الإنزلاق في فتنة داخلية من خلال افتعال مشاكل متنقلة، يُراهن الحزب في هذا السياق على أن حليفه الإقليمي (إيران) قاب قوسين أو أدنى من الوصول لتفاهم جديد مع كل من واشنطن والسعودية، وهو ما يقتضي بالضرورة أن يكون استقرار لبنان، وتخفيف الضغط على حزب الله تحديدًا، جزءًا من هذه التفاهم الجديد.

وفيما يسعى حزب الله لنزع كلّ فتائل التوتر للإلتفاف على العقوبات الأميركية والخليجية، وخلق شبكة أمان مجتمعي من خلال برامج دعم اجتماعية وإنشاء تعاونيات وتوزيع بطاقات “سجاد” و”نور”  للحفاظ على البيئة الحاضنة، يواجه حلفاء الخليج ظروفًا أكثر صعوبة وموجات متتابعة من الهجرة بحثًا عن ملاذات آمنة من الجحيم المعاش في لبنان. وهو ما يحيل إلى أن الإستراتيجية الأمريكية الخليجية في لبنان لا تمارس ضغوطًا على حزب الله بالقدر الذي تخنق فيه حلفاءها التاريخيين. 

أخيراً، في ظلّ الجمود الحاصل في تأليف حكومة لإنقاذ ما تبقى ومعالجة الأزَمات المستعصية. يبقى السؤال، هل تفتح التفاهمات السياسية في الإقليم نافذة حياة للبنان أم أن المقبل من الأيام سيكون أدهى وأمر؟

منشورات أخرى للكاتب