الرئيس المكلف ميقاتي يستنجد بالخليج؛ هل ينجح؟
بثّت تسمية رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة بأكثرية مريحة بعد اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري بسبب الخلاف الحاد مع رئيس الجمهورية ميشال عون، الأمل في إمكانية تشكيل حكومة جديدة، لاسيّما بعد تصريحات ميقاتي أنه ما كان ليقبل التكليف لولا حصوله على تطمينات دولية وعربية وإقليمية بتسهيل عملية التشكيل.
السؤال؛ هل ينجح ميقاتي في تشكيل الحكومة بعد انتظار دام ٩ أشهر مع سلفه الحريري بسبب العراقيل بينه وبين فريق رئيس الجمهورية الذي يبدو متمسكًا بثوابته، خاصة مع تصريح الرئيس عون الذي أكد فيه أنه لن يعطي لميقاتي ما لم يعطه لسعد.
إيجابية مترددة
الإنطباع الذي تركه الرئيس ميقاتي في أول خطاب له بعد تكليفه كان إيجابيًاً، مستندًاً إلى معطيات وضمانات مسبقة، مما أثار أسئلة بشأن هذه الضمانات التي حصل عليها، في حين تبدو العوائق ذاتها قائمة كما هي. فهل نجح ميقاتي باستمالة عواصم الخليج بعد أخذ الضوء الأخضر من باريس لتشكيل الحكومة؟
بعد مضيّ أكثر من أسبوع على تكليفه، وفي اللقاء الرابع مع الرئيس عون، بدا أن الأمور تتخذ منحى سلبيًا. أكّد ميقاتي أنّ مهمة تشكيل الحكومة لن تكون مفتوحة، في إشارة إلى إمكانية إعتذاره إذا ما تمسك عون بمطلب وزارة الداخلية التي يريدها ميقاتي.
قد يكون موقف المجتمع الدولي عاملاً أساسيًاً ورافعة لإنجاح الحكومة الجديدة بعد أن صارت الأولوية لديه في لبنان هي وجود حكومة لاحتواء الأزمة ووقف الإنهيار المتسارع في ظل حكومة تصريف الأعمال المتقاعسة.
ولا شك أن الرهان يبقى دائمًا على الموقف الخليجي لإنجاح الحكومة الوليدة في لبنان وتوفير عوامل نجاحها، خصوصًاً الدعم المادي اللازم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه اقتصاديًاً. إلا أنه وعلى عكس التّطمينات التي تلقاها ميقاتي من عواصم القرار، لا سيما باريس وواشنطن بعد زيارة كل من السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو والسفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى السعودية، اللتين استشفّتا الموقف السعودي بعدم تسمية أحد لرئاسة الحكومة، مع ضرورة الإسراع بتأليف حكومة قادرة على تلبية ما يتطلع إليه اللبنانيون ودعمها على حسب برنامجها؛ رغم ذلك كله، لا يزال موقف السعودية والإمارات متشددًاً فيما يخص ملف حزب الله.
ويبقى أن هناك تباينات في مواقف الدول الخليجية كقطر التي عملت على الإلتقاء بأطراف الأزمة، حيث زار وزير الخارجية القطري العاصمة اللبنانية بيروت، في 6 يونيو/ حزيران الماضي، والتقى الرئيس اللبناني ميشال عون، حيث أكد “استعداد بلاده للمساعدة على حلّ الأزمات التي يعاني منها لبنان على الصعد كافة”.
كما دعا أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال استقباله سعد الحريري في الدوحة (فبراير الماضي)، الأطراف اللبنانية المشاركة في الحكم إلى “تغليب المصلحة الوطنية” من أجل تشكيل حكومة جديدة تعمل في سبيل مواجهة التحديات التي يتعرض لها لبنان.
كويتيًا، أثار تصريح رئيس الحكومة اللبناني المكلف نجيب ميقاتي عن استعداد الكويت للمساعدة في إنشاء معامل كهرباء عبر سداد طويل المدى، الأوساط السياسية والاقتصادية في الكويت، التي رأت في تصريحه جملة من الملاحظات ذكرتها صحيفة “الرأي الكويتية”، منها أن الرئيس المكلف بدأ يعطي وعودًاً حتى قبل تشكيل الحكومة اللبنانية، وربما كان من “الأنسب” إنتظار ولادة الحكومة، خاصةً أن موضوعاً بهذا الحجم، مثل بناء محطات كهرباء وما يستتبعه من تكاليف، “يحتاج إلى تصديق من المؤسسات الرسمية الكويتية وتوافق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية”.
وأشارت الأوساط عبر “الرأي” إلى أن “الكويت تلتزم الموقف الخليجي الموحّد في ما يتعلق بالمساعدات الأساسية والضخمة للبنان، وهي أبلغت أكثر من مسؤول لبناني أنها لا يمكن أن تسمح لأي علاقة خاصة مع أي دولة، أن تساهم في ضعضعة البيت الخليجي أو يمكن أن تفسر أنها خروج على إجماع دوله وتحديدًاً العلاقة مع المملكة العربية السعودية”.
تحديات التشكيل وما بعده
في حال تم الإتفاق على حكومة جديدة في لبنان، قد يحتاج الأمر من شهر إلى شهرين لإكمالها، وبذلك، لن يكون أمام الحكومة الجديدة سوى أشهر قليلة لن تستطيع خلالها العمل أو إنجاز أي شيء سوى المهمة الرئيسية وهي الإعداد للإنتخابات النيابية التي ستكون محطة بالغة الأهمية.
إذًا حتى لو تمكن ميقاتي من تشكيل حكومة، فثمّة أزمات كبرى تنتظرها. في الحقيقة، تشكيل الحكومة لا يعني زوال الأخطار التي تحاصر لبنان على أكثر من جبهة، خصوصاً الوضع الاقتصادي المنهار والمخاطر الأمنية المتفاقمة. فبحسب تقرير صادر عن البنك الدولي، سجّل الناتج المحلي في لبنان تراجعًاً من نحو 55 مليار دولار أميركي في العام 2018 إلى نحو 33 مليار دولار في العام 2020، مع تراجع إجمالي الناتج المحلي للفرد بالدولار الأميركي بنحو 40٪. كما ويؤكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في تقرير أصدره مؤخراً، أن معدلات الفقر تجاوزت 55%، فيما بات أكثر من 50% من العمال المهاجرين عاطلين عن العمل.
تجاوزًا لصعوبات التكليف وتشكيل الحكومة وفق المعادلات الداخلية المعقدة والمناكفات السياسية المفتوحة، يبدو الإنهيار الاقتصادي وتراجع العملة المحلية ونفاذ إحتياطات المصرف المركزي تحدّيًا صعبًا لن يكون في مقدور حكومة نجيب ميقاتي – في حال تشكيلها – مواجهته دون دعم خليجي وازن تتصدّره السعودية والإمارات وقطر، خلف ذلك سيكون الدعم الفرنسي والأمريكي ممكنًا وفعالًا.
ولئن كانت بعض المستجدات في المنطقة تصب في مصلحة الرئيس المكلف، كأن يثمر الحوار السعودي الإيراني بتفاهم سياسي جديد حول لبنان وأزماته المركبة، إلا أن مستجدات أخرى مثل التصعيد الأمريكي الإسرائيلي الإيراني حول استهداف ناقلة النفط الإسرائيلية يجعل السيناريوهات كلها مفتوحة، بما يصل إلى اقتراب سخونة المياه في الخليج من السواحل اللبنانية واستمرار القطيعة الاقتصادية لبيروت، ما يعني في المحصلة أن تولد الحكومة اللبنانية الجديدة عاجزة أكثر مما تبدو عليه حكومة حسان دياب المستقيلة.