كورونا الذي أمرض حكومة “روحاني” وصعد بحكومة “الحرس”

في ظروف استثنائية تمر بها الجمهورية الإسلامية في إيران أتت أزمة فيروس كورونا لتصبح الأحدث في سلسلة التحديات والمصاعب التي يمر بها الإيرانيون منذ بداية العام الفارسي الماضي، خصوصاً الاقتصاد الذي تم تدميره بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية ما تسبب في ارتفاع معدل التضخم إلى ما يزيد عن 40 في المئة وانكماش ما يقرب من 9 في المئة من الناتج المحلي الإيراني.

بجانب ذلك، نتذكر اغتيال قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني وفقدان الثقة في الحكومة بسبب التستر على اسقاط طائرة الركاب الأوكرانية بسبب خطأ فادح من الدفاعات الجوية مما تسبب في مقتل 176 شخص، وقبل كل شيء، حملة القمع الدموية التي واجهها المحتجون على قرار الحكومة زيادة أسعار الوقود.

الحكومة التي تخلت عن مسؤولياتها

تاريخيًا، حين كان وباء “الكوليرا” يضرب العالم أجمع ووصل إلى حدود إيران عبر الزوار الشيعة القادمين من العراق، فضلت الحكومة الإيرانية آنذاك، الإنكار والتستر على الأمر، والسماح للحجاج بدخول الأراضي الإيرانية، وهو ما ساعد في انتشار الوباء وسط الإيرانيين. يبدو أن الحكومة الحالية لم تتعلم من أخطاء الماضي، وكررت نفس الفعل، بالسماح باستمرار الرحلات الجوية بين طهران وبكين، البؤرة الأصلية لفيروس كورونا.

في الأغلب، لا يتوقع الإيرانيون الكثير من الحكومة المنتخبة، فقد اعتادوا على تكييف أمورهم بأنفسهم والاعتماد على بعضهم البعض، لكن هذه المرة، وسط أزمة صحية عالمية تعد من أكبر الصدمات التي تعرضت كلها بلدان العالم في التاريخ المعاصر، كانوا ينتظرون أن تحاول حكومتهم النجاة بالناس لكن على ما يبدو أن ما حدث هو العكس تماماً.

بعد الإنكار الحكومي لوصول فيروس كورونا إلى البلاد، وجدت الحكومة نفسها أمام كارثة وبدلًا من التعامل بشفافية، لجأت إلى استخدام بطاقة ضعف الإمكانيات ونقص الميزانيات بجانب حجة العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد التي لا يمكن لأحد أن يخفي تأثيرها بالفعل.

يؤمن كثيرون من الإيرانيين أن الفساد الهيكلي المستشري داخل حكومة روحاني هو السبب الرئيسي في نقص الميزانية التي من المفترض تخصيصها لمواجهة تلك الأزمة. حتى حين طلبت الحكومة المساعدات الدولية، كان الشعور السائد هو الخشية من أن وصول تلك المساعدات لن يفيد الناس في شيء في ظل الفساد وسوء الإدارة الحالية. وهو ما حدث في العديد من الكوارث الطبيعية التي مرت بها إيران في السابق، مثل زلزال بام في عام 2003م حين تم بيع المساعدات الدولية في الأسواق.

كورونا: تعزيز الإحباط

قبل انتشار فيروس كورونا كانت الفجوة بين الإيرانيين وحكومتهم قد وصلت إلى أعلى المستويات. يبدو هذا ظاهرًا في نسبة الإقبال المتدنية في الانتخابات البرلمانية فبراير 2020 التي لم يسبق لها مثيل منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979، لكن مع تحول إيران إلى مركز لتفشي فيروس كورونا في الشرق الأوسط، احتاج الناس إلى المزيد من التضامن العام والثقة الوطنية بقادتهم حتى مع وجود الأعذار المسبقة فيما يخص نقص المعدات والإمكانيات بسبب الإقتصاد المنهار والعقوبات.

لم يشعر الشعب الإيراني بأن الحكومة تتخذ خطوات جادة من أجل سلامته كما فعلت عديد البلدان. حين أصبحت مدينة “قم” مركزًا لتفشي الوباء ناشد العديد من الإيرانيين والمسؤولين في القطاع الطبي، إدارة الرئيس روحاني فرض الحجر الصحي على المدينة لمنع انتشار الفيروس، لكن تلك المناشدات تم رفضها بحجة ان الحجر الصحي (الذي لجأت اليه أغلب بلاد العالم) يعد من الممارسات القديمة، ولا فائدة منه. عندما انتشر الفيروس في أغلب المحافظات الإيرانية زادت مطالب الناس بفرض الحجر الصحي، إلا أن مطالبهم وقعت على آذان صماء حيث أصر الرئيس حسن روحاني على استمرار الأعمال ورفض كافة المطالب التي تنادي بالحجر الصحي أو حتى فرض قيود على حركة المواطنين، وهو ما زاد من حدة الكارثة.

ظهور قوي لحكومة الظل

إدارة حكومة الرئيس روحاني لأزمة كورونا كانت سيئة للغاية في العديد من النواحي، حتى التدابير التي اتخذتها الحكومة لمساعدة الفئات المتضررة من الأزمة لم تنل استحسان الناس، ما جعل صقور السياسة الامريكية ومجموعات واسعة من معارضي النظام يتوقعون بأن ما تستطع أن تفعله حملة الضغط التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتغيير النظام أو تعديل سلوكه، ستفعلهُ أزمة كورونا والإدارة الإيرانية السيئة للأزمة. وعلى أي حال، هذا الافتراض لا يبدو دقيقاً، لو نظرنا إلى تاريخ الجمهورية الاسلامية في إدارة الأزمات سنجد أنها نجحت في الخروج من مختلف الأزمات التي تعرضت لها، حتى وإن تطلب الأمر استخدام القوة المفرطة. على سبيل المثال، مظاهرات عام 2009، أو ما يعرف باسم “الحركة الخضراء” وكذلك أحداث نوفمبر 2019 الماضي.

عندما قادت إيران عن طريق وزير خارجيتها، جواد ظريف، حملة لمناشدة المجتمع الدولي للضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات عن طهران حتى تتمكن من مواجهة انتشار الوباء، وجدت الإدارة الأمريكية أن استمرار العقوبات في ظل تلك الظروف سيكون له نتائج ايجابية من وجهة نظرها، صحيح أن هذا التعنت الأمريكي زاد من ضعف الحكومة ولكنه في نفس الوقت، مهد لترسيخ أقدام حكومة الظل، أو الحكومة غير المرئية في إيران.

في الوقت الذى كانت فيه حكومة روحاني المنتخبة تصب اهتمامها على عودة الحياة إلى طبيعتها في أسرع وقت، والاهتمام بعجلة الإنتاج لوقف تدهور الاقتصاد الذي يقف على حافة الانهيار، أمر الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الحرس الثوري بمساعدة الحكومة المنتخبة في تولي أمور تلك الازمة الصحية.

تأسيسًا، يتمتع الحرس الثوري الايراني بمشاركة قوية في أغلب المجالات الايرانية بما في ذلك الإعلام والإقتصاد، لكنه في الوقت الحالي، أصبح لاعبا رئيسيًا في الرعاية الصحية أيضًا، على حساب دور الحكومة المدنية.

حين اجتمع قادة الحرس الثوري والجيش بإدارة الرئيس حسن روحاني، كانوا مؤيدين تمامًا لفكرة تطبيق الحجر الصحي كما طالب الناس، وبغض النظر عن الخلاف بين روحاني والحرس بخصوص هذا الأمر إلا أن الحرس الثوري فعل ما لم تستطع الحكومة المُقيدة بالعقوبات والفساد فعله، قام بخطة مالية كبيرة لدعم 3.5 مليون أسرة متضررة من الأزمة بجانب نشر جنوده والمتطوعين للمساعدة في تعقيم المواصلات والأماكن العامة، ومحاولات حث الناس على الالتزام بالحجر الذاتي في منازلهم والحد من تنقلهم بين المدن.

كما ظهرت الجمعيات الخيرية التي تقع تحت اشراف آية الله علي خامنئي مباشرة في الصورة، ونظرًا لأنها تتحكم في موارد مالية كبيرة ولها تاريخ في دعم الأسر الفقيرة، فقد أعلنت أيضًا عن خطتها لدعم وتمويل حوالي 4 مليون أسرة إيرانية بجانب تزويد المستشفيات بالمعدات والإمدادات الطبية.

حتى عندما ترددت الحكومة المنتخبة في أمر إغلاق المزارات الشيعية والأضرحة وسط معارضة عدد من كبار رجال الدين الأقوياء، اتخذت حكومة الظل خطوات جادة وقرر وزير الداخلية، المنتمي إلى التيار المحافظ، إغلاق كافة الأماكن الدينية ما أجبر رجال الدين على تقبل الأمر وحث الناس على الالتزام.

احتوت “حكومة الظل” غضب الجماهير الايرانية على حساب سوء إدارة الحكومة المنتخبة وساعدت في كبح جماح الإحتجاجات الاجتماعية المتوقعة. مع مرور الوقت، ستزداد قوة تلك الحكومة، الاقتصاد بالرغم من مرونته أمام تلك الأزمات لن يتعافى بسهولة من أزمة كورونا وسوف تحتاج حكومة روحاني أكثر وأكثر إلى مساعدة الحرس الثوري والجمعيات الخيرية، وهو ما سيساعد تلك المنظمات على املاء رغباتها السياسية على الناس والحكومة.

أعتقد أن التوقعات التي تذهب إلى أن أزمة كورونا – التي تعتبر من أشد الأزمات في تاريخ الجمهورية الإسلامية – ستؤدي في النهاية إلى ثورة شعبية غاضبة ينتج عنها تغيير في النظام أو حتى الاطاحة به، لا تقرأ إيران من الداخل جيدًا ولا تفهم الإيرانيين.

منشورات أخرى للكاتب