التحديات الكبرى أمام دول الخليج: الإصلاحات، الأمن وتنويع مصادر الدخل

كانت الهجمات الأخيرة على المنشآت النفطية التابعة لشركة أرامكو السعودية تحدياً غير مسبوق في تاريخ منطقة الخليج، والعالم أيضًا، منذ بداية عصر النفط في أواسط القرن التاسع عشر. لا شك أن تعطيل إنتاج أو تصدير النفط من السعودية، التي تعتبر ثالث أكبر منتج للنفط في العالم، يهدد الإمدادات بالرغم من المتغيرات الجديدة في مصادر النفط والطاقة.

كذلك، شكلت الهجمات تحدياً للمنظومات الدفاعية في بلدان المنطقة مما يعني أهمية وضع بدائل إستراتيجية للدفاع وتخصيص الأموال اللازمة. قد تتمكن أرامكو بخبراتها التقنية من تجاوز هذه المحنة وإستعادة مستويات الإنتاج التقليدي خلال أيام أو أسابيع على الأكثر لكن ذلك لا يبعث على الإرتياح في ظل التوترات القائمة والتهديدات الإيرانية المستمرة. هناك أهمية لحماية الإمدادات سواء من مواقع الإنتاج البرية والبحرية أو مراكز التصدير أو الناقلات في عباب الخليج والبحار. 

أدت الهجمات والتعطيل في الإنتاج والتصدير إلى إرتفاع الأسعار إلى ما يعادل السبعين دولاراً لبرميل “برنت” ولكن سرعان ما تراجعت بعد التصريحات التي صدرت عن المسؤولين السعوديين. أهم ما نتج عن تلك الهجمات هو ذلك التضامن الإممي الهادف لحماية شريان الحياة ودعم جهود السعودية من أجل صيانة أمنها الإقتصادي.

وخلال الأسابيع الماضية برزت مؤشرات لأهمية النفط التقليدي حيث ذكرت تقارير بأن الشركات العاملة في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة باتت معرضة لمشكلات مالية نتيجة للديون التي تحملتها وبسبب إستمرار  تدني الأسعار التي لا تتناسب مع إرتفاع تكاليف الإنتاج. وذكر أحد التقارير الموثوقة بأن سعر النفط دون الستين دولار للبرميل يمثل تحدياً لصناعة النفط الصخري. وعندما تراجعت أسعار النفط خلال أشهر الصيف الماضي فإن عدد من الشركات بدأت تشعر بالخوف على نتائجها المالية وتهاوت أسعار أسهمها في بورصات التداول. يضاف إلى ذلك هناك مشكلات تقنية بدأت تبرز في الحقول قد تصعب من عمليات الإنتاج. كما ويتراجع إهتمام المستثمرين في أعمال النفط الصخري حيث يرى كثير منهم أن الإستثمار قد يعني تحقيق خسائر فادحة ومن ثم يجب البحث عن مجالات إستثمارية أكثر نفعاً. أهم ما ذكر حول هذه الصناعة، ما جاء على لسان أحد المسؤولين التنفيذيين في صناعة النفط الصخري والذي بين بأن نشاط النفط الصخري قضى على 80 في المئة من رؤوس الأموال التي وظفت فيه منذ عام 2008.

مثل الإرتفاع في إنتاج الولايات المتحدة من النفط بسبب إنتاج النفط الصخري أهم عوامل التراجع في أسعار النفط خلال السنوات الخمس الماضية. بناء على ذلك، أصبحت بلدان الخليج تعاني من تراجع إيرادات النفط ومن ثم تحقيق عجوزات في موازناتها العامة والتي لم يتم ترشيد مخصصات الإنفاق فيها بما فيه الكفاية. إذاً، هل يمكن أن نتوقع تحسنًا في الأسعار خلال الأشهر المقبلة في ظل أوضاع النفط الصخري وإرتفاع مخاطرها وكذلك الأوضاع السياسية والأمنية المتوترة في هذه المنطقة من العالم؟ 

قد تتحسن الأسعار إلى درجة ما، أو على الأقل، قد تتماسك في حدود تتراوح بين الستين والسبعين دولاراً للبرميل، لكن ذلك لا يحرر الإدارات السياسية والإقتصادية في بلدان الخليج من مسؤولية الترشيد والإصلاح الإقتصادي. قبل ذلك، يتعين إنجاز تأمين هذه البلدان ومنشآت النفط من المخاطر سواء من خلال توفير مستلزمات الأمن والدفاع أو تحريرها من التوترات من خلال تسوية الخلافات ووضع حد للتدخلات الإقليمية والسعي لبناء أنظمة سياسية متوافقة مع مصالح الشعوب وتعمل من أجل التنمية الإقتصادية والإجتماعية المستدامة.

يعتبر ترشيد الإنفاق عبئاً سياسياً وإجتماعياً على حكومات بلدان الخليج والتي إستمرت لما يقارب السبعة عقود تنتهج سياسات دولة الرعاية وتتحمل أعباء عديدة من توفير الوظائف للمواطنين في المؤسسات والدوائر الحكومية إلى توفير التعليم المجاني والعلاج المجاني والمساكن بموجب برامج دعم جزيلة وكذلك دعم تكاليف الخدمات والمرافق الأساسية. كيف يمكن إعادة النظر في السياسات المالية وتحفيز المواطنين لتقبل ترشيد الإنفاق الحكومي بما يشمل التوظيف والدعم؟ 

قد تتفاوت المعالجات بين دولة خليجية وأخرى إعتماداً على الوضع السياسي وطبيعة النظام الحاكم، لكن لابد من ترشيد السياسات المالية والإصلاح الهادف إلى تقليص دور الدولة في النشاط الإقتصادي ورفع مساهمة القطاع الخاص وإعتماد آليات لتوفير موارد للخزينة العامة من إيرادات غير نفطية مثل الضرائب المباشرة أو ضرائب القيمة المضافة، والتي إعتمدت من قبل مجلس التعاون الخليجي قبل سنوات. أما التهديدات الأمنية فهي تمثل عبئاً مالياً حيث تستلزم توفير مخصصات إضافية للنفقات الأمنية والدفاعية. وهكذا ترتفع مستويات التحديات الإقتصادية.

ييجب أن لا تدفع التحديات الأمنية المتواترة الإدارات السياسية والإقتصادية في دول الخليج للتقصير في البحث عن بدائل الإصلاح الإقتصادي الممكنة أو وضع إستراتيجيات تنموية تتوافق مع المتغيرات المحتملة خلال السنوات والعقود القادمة في إقتصاديات الطاقة. لابد أن المتغيرات التقنية المعاصرة سوف تؤثر على طبيعة الإقتصاد العالمي وتطوير آليات الصناعات التحويلية وإحتياجاتها للوقود ومصادر الطاقة. هناك جهود في البحوث تهدف لتخفيض الطلب على الوقود، وخصوصاً الوقود الإحفوري من أجل الحفاظ على نظافة البيئة. 

هذه العوامل مهمة عند وضع إستراتيجيات طويلة الأجل لإقتصاديات بلدان المنطقة. ليس ثمة سيناريوهات تقول أن إيرادات النفط ستكون كافية لمتطلبات إقتصاديات بلدان المنطقة. كما أن الأوضاع الأمنية تؤكد أهمية التحرر من الإعتماد على النفط كمورد أساسي، وربما وحيد، وتعزيز الموارد الإقتصادية الممكنة وخصوصاً تلك التي تعتمد على المعرفة والعلم بها بما يؤكد أهمية التنمية البشرية. وإذا كانت البلدان المستهلكة الرئيسية قد نوعت من مصادر الطاقة فإن البلدان المنتجة يجب أن تكون معنية بوضع تصورات واضحة حول كيفية تنويع مصادر الدخل.

منشورات أخرى للكاتب