الانتخابات الرئاسية في تونس: نفوذ الخليج أمام صخرة “الخصوصية” التونسية

يتصدّر محورا النهوض بالاقتصاد الوطني والإصلاح السياسي اهتمامات الناخب التونسي في الدورة الجديدة من الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي تشهدها تونس يوم الأحد الموافق لـ 15 من سبتمبر/أيلوب الجاري. وعلى الرغم من الاختلافات فيما يتعلّق بتقديم أيّ محور عن الآخر إلا أنهما يظلان في صدارة اهتمام الشارع التونسي، كما السياسيين.

ولئن كان المناخ السياسي العام يختلف عما كان عليه في العام 2014، تاريخ آخر انتخابات رئاسية وتشريعية في تونس، وذلك من حيث الأولويات إلا أن هاجس التدخّلات الأجنبية، خصوصا الخليجية منها، لا يزال يؤرق التونسيين خصوصًا بعد التصريح الذي أدلى به الرئيس السابق والمترشح للانتخابات الرئاسية محمد المنصف المرزوقي الذي شن فيه هجومًا صريحًا على دولة الإمارات العربية المتحدة معتبرا إياها “عدوة الديمقراطية والحرية”؛ كذلك هي الإدعاءات والاتهامات المتبادلة بين الفرقاء حول التمويل السياسي من دول خليجية مثل قطر والإمارات والسعودية.

قبالة الاتهامات الموجهة لمحور الإمارات والسعودية بالتدخل في الداخل التونسي؛ تستمر الاتهامات لحزب حركة النهضة  بارتباطه بمحور قطر – تركيا باعتباره المحور الداعم لجماعات الإسلام السياسي.

الخصوصية التونسية: الداخل أقوى

ما يخفف احتقان التدخل الخليجي في الإنتخابات التونسية هو أن تجربة السنوات الأخيرة أثبتت أن أحدًا من اللاعبين الدوليين – دول الخليج أو غيرها – لا يستطيع فرض ايقاعه بالكامل على تونس أو التونسيين، لا قبل صندوق الإقتراع، ولا بعده. ما يشي بل ويؤكد بأن أي قراءات للمشهد التونسي بناءاً على نتائج الإحتراب الخليجي الخليجي في مصر أو غيرها من البلدان، لن تكون قراءات واقعية؛ أو ناجعة.

يبدو من المؤكد أن الدور الأول في الانتخابات الرئاسية لن يحسم اسم الرئيس القادم في ظلّ حالة التشتت في المشهد العام والتشظي في الفرقاء السياسيين.

ولا يقتصر ذلك على الأحزاب السياسية العلمانية واليسارية والوطنية وحسب، بل يشمل ذلك حركة النهضة إذ تتقسم الولاءات فيها مابين عبدالفتاح مورو، المرشّح الرسمي عنها، وحمادي الجبالي أحد أهم القيادات السابقة فيها. وعليه، فإن الدّور الثاني سيكشّف النقاب عن خارطة التحالفات – داخلياً وخارجياً – خصوصاً حين تبدأ المكنات الإعلامية الخليجية في العمل بوضوح.

من يخلف السبسي؟

في العام 2014 استفاد الرئيس التونسي الراحل محمد قايد السبسي من مجموعة معطيات في المشهد التونسي نجح في تطويعها لصالحه واقناع الناخب التونسي بها.

قدّم السبسي نفسه على أنه حامي “الدولة المدنية” في مقابل حركة النهضة التي تتهم بسعيها إلى تحويل تونس إلى “دولة دينية”، يضاف إلى ذلك تخوّف الشارع التونسي من اكتساح الإسلاميين للبرلمان في سيناريو مشابه للانتخابات البرلمانية في العام 2011، ساعد السبسي آنذاك تنامي المخاطر الأمنية وتعدد العمليات الإرهابية وتوسّع نشاط الإسلاميين المتطرفين.

هذا القالب الذي قدّم السبسي نفسه فيه من خلال حزب نداء تونس مكّنه -آنذاك- من الحصول على الدّعم الإماراتي الذي لا يُخفي مُعاداته للحركات الإسلامية وللإخوان المسلمين (تعتبر حركة النهضة التونسية أحد أهم فروعها في المنطقة). تحالف الرئيس السبسي مع حركة النهضة فيما بعد، وتمنعه الواضح في تكرار التجربة المصرية أنهى الدعم الإماراتي لينقلب الحال إلى عداء بين حليفي الأمس، خصوصًا وأن السبسي نأى بنفسه في العديد من المناسبات عن البتّ في قضايا إقليمية كان حليف الأمس طرفا فيها.

لا يبدو المشهد السياسي الحالي أو خارطة التحالفات الاقليمية بالوضوح الذي كانت عليه العام 2014، كما أن الحليف الجديد لأبو ظبي لا يبدو واضحًا كما كان في تلك الفترة. كان من الممكن أن يكون رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد وأحد أبرز المرشحين لكرسي الرئاسة، المرشح الأبرز للتمتع بالدعم الإماراتي/السعودي لولا تحالفه السابق مع حركة النهضة، وهو ما لا يمكن أن تسمح به أبو ظبي والذي كان السبب الرئيسي في خلافها مع ” نداء تونس”.

ويذهب بعض المراقبين إلى الزعم بأن الحليف الجديد للإمارات في تونس هو من بقايا النظام السابق نظام الرئيس زين العابدين بن علي ممن نجحوا في العودة إلى تصدّر المشهد السياسي، وخصوصا وزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي، وغالباً ما يدأب السياسيون في تونس على اتهام الإمارات بمحاولة إعادة السيناريو المصري في تونس، ولعلّ في وصول وزير ممثل للمؤسسة العسكرية إلى كرسي الرئاسة يفتح المجال أمام سيناريو مماثل.

وبدرجة أقل، قد تكون عبير موسي الأمينة العامة للحزب الدستوري الحر والعدوّ اللدود لحركة النهضة مرشّحا ملائما للدّعم الإماراتي لتقارب التوجّهات وبالخصوص معاداة حركات الإسلام السياسي وهي التي لا تكاد تفوّت مناسبة لكيل التّهم لحركة النهضة والتأكيد على أنها جزء من “تنظيم الإخوان المسلمين”. وعلى أي حال؛ تبقى مثل هذه السيناريوهات أشبه ما تكون بالبروباغندا الدعائية، ولا تخلو من المبالغات. الذي لا شك فيه، هو أن الدعم الاماراتي والسعودي – مالياً واعلامياً إن وجد – سيكون دون شك مرتبطاً بالمرشح الذي سيقف ضد مرشح النهضة في الدور الثاني؛ أيًا يكن.

من المؤمل أن تكشف نتائج الانتخابات الرئاسية التي تشهدها تونس نهاية الأسبوع الجاري -إلى حد معقول ومعتبر- عن خارطة التنافس وتوازنات القوى في الإنتخابات التشريعية المقبلة، وهي الأكثر أهمية، خصوصاً فيما يتعلق وهوية المتنافسين الحقيقيين والمرشحين لمنافسة حزب حركة النهضة جماهيريًا.

وفي سياق متصل، ستكون هذه الانتخابات ساحة اختبار مناسبة لاختبار ومعرفة مدى النفوذ التي تتمتع به دول الخليج في تونس، وذلك عبر رصد نتائج وكلاءها أو المتعاطفين من سياساتها في الداخل؛ إن صح التعبير.  

منشورات أخرى للكاتب