الأزمة الأمريكية الإيرانية وانعكاساتها على اقتصادات الخليج: المخاطر تتفاقم

في بداية شهر مايو/أيار من هذا العام، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف الاستثناءات الخاصة بعدد من الدول التي مكنتها واشنطن من استيراد النفط الإيراني، وهو ما أدى إلى قيام إيران بأعمال استفزازية دفعت الولايات المتحدة إلى تعزيز تواجدها العسكري في منطقة الخليج.

تلك الاستفزازات وذلك التواجد العسكري الأمريكي غير المسبوق في مياه الخليج وحولها، أثار شجون ومخاوف رجال الأعمال وعدد من المراقبين الاقتصاديين في هذه المنطقة من العالم. يخشى الكثير بأن تتأثر الأسواق المالية، وأن تتراجع مؤشراتها، وأن تنحو أسعار أسهم الشركات المدرجة إلى الإنخفاض بما يؤثر على قيم الأصول المالية.

الأهم من ذلك، هي مخاوف العديد من المهتمين بالعمل الإقتصادي من أن تنخفض مستويات الثقة لدى المستثمرين وتتعطل الأنشطة التقليدية بما يؤدي إلى خفض مستويات التوظيف مما يدفع بأعداد من العمالة الوافدة إلى الرحيل قبل الأوان. كما أن هناك مخاوف من التأثير على تدفق إمدادات النفط من دول الخليج المصدرة للنفط ما يعني تراجع الإيرادات السيادية الأساسية المتأتية من مبيعات النفط. لا شك أن توتر الأوضاع السياسية والأمنية في منطقة الخليج مسألة هامة ليس فقط لحكومات وشعوب المنطقة، بل أيضاً، للإقتصاد العالمي برمته.

من الصحيح الزعم بأن النفط أصبح متعدد المصادر بعد أن ارتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري بما رفع من مستوى إنتاجها إلى ما يقارب 12 مليون برميل يومياً وكذلك تظل روسيا من البلدان المنتجة الرئيسية عند مستوى 11 مليون برميل يومياً، لكن لا يمكن الإستهانة بإنتاج بلدان الخليج العربية التي تصدر عبر مضيق هرمز 30 في المئة من إمدادات النفط العالمية.

السؤال الرئيسي الهام هل يمكن إعتبار التوترات السياسية والأمنية الراهنة والناتجة عن الخلاف بين الولايات المتحدة  وإيران بشأن برنامج إيران النووي والاتفاق الموقع بشأنه بين إيران والدول الست الكبرى في عام 2015، وكذلك الخلاف حول برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية وقضايا التدخل الإيراني في بلدان الجوار العربية ، هل يمكن أن تؤدي هذه التوترات إلى حرب في المنطقة أو على الأقل صراع طويل الأجل بمختلف الأشكال؟ هناك إمكانيات قائمة لحدوث الصراع ولأمد طويل، ولكن كيف سيكون هذا الصراع وحدود أثاره المكلفة والسلبية وتأثيراته على الحياة الاقتصادية. يبدو من قراءة الأحداث والتصريحات الأمريكية والإيرانية أن هناك حدوداً لذلك الصراع، ومحاولات لتفادي الحرب المفتوحة.

يذكر بعض المراقبين السياسيين بأن الولايات المتحدة ليست بصدد شن حرب على إيران وإن تواجدها في المنطقة هو من أجل ردع إيران من القيام بأعمال متهورة ضد التواجد الأمريكي في المنطقة أو الدول الحليفة للولايات المتحدة. ويذكر هؤلاء بأن إيران ليست في وارد القيام بأعمال كبيرة تجبر الولايات المتحدة للقيام بعمل عسكري واسع النطاق ضدها.

المناوشات التي شهدتها المنطقة وإستهداف ناقلات النفط ومشتقاته أو مراكز تجميع النفط في السعودية خلقت مخاوف على إمدادات النفط. كما إن إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة  Drone قد أثار مخاوف حقيقية من نشوب حرب تعصف بالحياة الإقتصادية.

كما هو معلوم أن بلدان المنطقة تمر منذ عام 2014 بظروف اقتصادية صعبة أدت إلى معاناة هذه البلدان من عجز الموازنات وبمستويات مرتفعة وبنسب عالية من قيمة الناتج المحلي الإجمالي في كل هذه البلدان، وإن تفاوتت النسب. هناك عدد من بلدان المنطقة مثل السعودية والإمارات بدأت تطبيق برامج إصلاح اقتصادية تعزز إمكانيات تنويع القاعدة الاقتصادية وتخفيف الاعتماد على إيرادات النفط بأكبر قدر ممكن، وكذلك تقليص  الاعتماد على العمالة الأجنبية الوافدة. إذاً، هذه البلدان أصبحت واعية لأهمية إعادة الهيكلة الإقتصادية وتصحيح السياسات المالية وترشيد سياسات التوظيف الحكومية ومخصصات الدعم بكافة أنواعها، بما يمكن من تقليص عجوزات الموازنة خلال السنوات القادمة. في ذات الوقت ثمة محاولات لتبني سياسات ضريبية تؤدي إلى تعزيز إيرادات الخزينة العامة غير النفطية. والسؤال: هل سيساهم التوتر الحالي في تطوير هذه السياسات الإصلاحية إستشرافاً للمستقبل؟

مخاوف المراقبين متزايدة ومنها أن إمكانية تعطل تدفق النفط من بلدان الخليج قد يزيد من تراجع الإيرادات النفطية بما يضع الحكومات في أوضاع محرجة أمام شعوبها والتي اعتادت على فلسفة دولة الرعاية واقتصاديات الريع. الكويت، مثلا، تعتبر نموذجاً للبلدان التي تعتمد بصورة طاغية على إيرادات النفط وتخضع لنظام سياسي شعبوي حيث تستمر مطالبات  أعضاء مجلس الأمة المنتخب بتوفير ميزات مالية وعينية ودعم للمواطنين دون الأخذ بنظر الإعتبار الأوضاع التي نشأت عن تراجع أسعار النفط منذ عام 2014. وربما تعاني بلدان الخليج الأخرى من ذات المشكلة ، وإن بدرجات أقل.

مهما يكن من أمر فإن إستمرار التوتر الأمني لابد أن تكون له أثاره الضارة على مدى الشهور والسنوات القادمة حتى لو لم تنشب حرب في المنطقة أو تظل أوضاعها رهينة لصراع طويل بين إيران والولايات المتحدة والمجتمع الدولي. يضاف إلى ذلك أن هذا التوتر، مهما كانت درجته، لابد أن يعطل إمكانيات الإعمار والإستثمار في بلدان المنطقة، وخصوصاً العراق وإيران، بما يقلل من فرص تحقيق الأرباح للعديد من الشركات. ولذلك فإن التوقعات بشأن أداء أسواق الأوراق المالية سوف تخضع لمراجعات مستمرة.

هل ستتمكن أسواق المال الخليجية من جذب أموال المستثمرين للتوظيف في أدواتها المسعرة؟ خاصة في الكويت بعد أن تم ترقية سوق الكويت للأوراق المالية إلى مستوى فوستي وهناك إمكانيات لإدراجه في مؤشر MSCI قريباً ؟ لاشك أن المستثمرين الأجانب يتطلعون للتعامل مع هذه الأسواق والتي تندرج فيها شركات جيدة تحقق أرباح صافية متميزة كل عام، لكن التوتر السياسي والأمني قد يعطل هذه التدفقات.

يمكن الزعم بأن التوتر الحالي إذا لم يتحول إلى صراع قد يساهم في رفع أسعار النفط أو على الأقل يعزز من تماسكها، بيد أن هذه الإمكانية وإن تحققت لا تمثل وضعاً مثالياً لاقتصاديات دول الخليج. يتعين على حكومات بلدان المنطقة أن تضع مسألة الأمن في الحسبان وتعمل مع الحلفاء على تحرير هذه المنطقة من التوتر والصراع وتساهم في إيجاد الحلول العقلانية للقضايا العالقة والتي ينتج عنها التوتر والنزاع. من جانب آخر لابد أن تفعل بلدان المنطقة من آليات الإصلاح الإقتصادي وبرامج التعليم وإعادة هيكلة أسواق العمل بما يتوافق مع متطلبات التنمية المستدامة والتحولات التكنولوجية المتواترة. يعني ذلك أن الظروف الراهنة يمكن توظيفها لتعزيز الأوضاع الاقتصادية وتحسين ملائتها.

منشورات أخرى للكاتب