قراءة في صفقة القرن: ورشة البحرين نموذجًا

يخضع فن اللغة وفنون الخطاب في عالم السياسة لتوجهات السياسيين وخططهم ومشاريعهم الانتخابية في الدول الديموقراطية والسلطوية في الدول الملكية التي يتوارث فيها الحكم. ويمثل مجموع هذه الخطابات ودلالاتها علامة فارقة جدا في إنجاح هذه المشاريع، أو إفشالها.

ومن أبرز التمظهرات الحالية التي تؤكد هذه الخصوصية موضوع “صفقة القرن” وما تحتمله ألفاظ هذا التعبير/المسمى من تحفيز إيجابي في الجانبين الاقتصادي والسياسي على حدّ السواء، وهو ما يدفع بالأطراف المعنية في الصفقة إلى القبول بالجلوس إلى نفس الطاولة على الرغم من العداوة التاريخية وتبادل التوقيعات التي ستحدد مصير دول وشعوب المنطقة لاحقا.

تعددت الآراء حول صفقة القرن بين من يرى فيها فرصة ثمينة للفلسطينيين، وبين من يراها إخضاعا لهم، وإمعانا في إضعافهم. ويستند أصحاب الرأي الأول في ما يذهبون إليه على حجم الدعم الاقتصادي الذي سيقدم للفلسطينيين كشعب خاصة فيما يتعلق بالسكن والتجارة والسياحة وغيرها من الوعود التي قدمها راعي مشروع الصفقة، فيما يتكئ الرأي الثاني على أن المسألة لا تتجاوز كونها مسألة لغوية بحتة وتلاعبًا بالألفاظ لا غير، إذ ما عليك سوى أن تسمي  “الإخضاع” صفقة حتى تخلق قابلية وجاهزية لدى المتلقي والمستهدف للقبول بها.

تجفيف المنابع

سبق الإعلان عن صفقة القرن مجموعة من الإجراءات غير المباشرة، والتي تعتبر إجراءات تمهيدية تهدف إلى دفع الفلسطينيين تدريجيًا نحو القبول بها بفعل مجموعة من الضغوطات التي تمارس عليهم كشعب ولربما يعتبر الحرمان أهمها. وتمثلت هذه الإجراءات بعدة أمور أهمها:

أولاً: الحصار المستمر على قطاع غزة والتضييق على الحالات الحرجة صحيًا، خاصة الأطفال وكبار السن، ومنعهم من الخروج خارج القطاع لتلقي العلاج بعد أن كانت السلطات الإسرائيلية والفلسطينية تسمح بذلك.

ثانياً: امتناع الكيان الصهيوني متمثلاً برئيس وزرائه بنيامين نتنياهو من تحديد أي موعد للقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وهو ما ترجم على أنه إنهاء لأي مفاوضات حول عملية السلام، والتي كانت تتضمن عودة اللاجئين، وحل الدولتين.

ثالثاً: تجفيف مصادر دعم الأنروا في غزة والتي كانت تقدم مساعدات مهمة لأهل غزة وتساهم في تخفيف حدّة الحصار عليهم، خاصة وأنها تقدم بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية فرص عمل لكثير من الفلسطينيين، وهو ما شكل أزمة حقيقية داخل القطاع، سواء من حيث وقف هذه المساعدات التي كانت تشبه القشة التي تسند الحجر، أو من حيث تسريح عدد كبير من الموظفين الفلسطينيين في قطاع غزة من العمل، وبالتالي قطع سبل عيشهم مما زاد من تدهور الوضع الاقتصادي وانهياره.

رابعاً: تسريب أنباء عن نية الولايات المتحدة بناء شقق سكنية للفلسطينينن اللاجئين، وهذه المناطق السكنية ستكون وفق التسريبات مجهزة بكل الخدمات الصحية والتعليمية، وهو ما يعتبر تحفيزا اقتصاديًا يشجع الكثير من العائلات التي تعاني من تداعيات اللجوء وحرمانها من أبسط مقومات العيش الكريم.

وتصنّف مختلف هذه العناصر سواء ما سبق الإعلان عن صفقة القرن أو ما تلاه، على أنها مقدمات إجرائية تمهد اقتصاديا للقبول بالصفقة وذلك من خلال الضغط على الفلسطينيين وتشديد الحرمان والعوز عليهم من جهة وتقديم العروض الإقتصادية المغرية لهم من جهة ثانية.

ورشة البحرين : المدخل لصفقة القرن

لصفقة القرن جناحان مهمان يمكّنانها من الطيران باتزان في سماء نجاح المهمة دون عقبات،  في حال تمت كما خطط لها كل من نتنياهو وكوشنير وبعض حكام الخليج، وهما الجناح الإقتصادي والجناح السياسي.

وتمثل ورشة البحرين الجناح الاقتصادي من الصفقة وسيتم من خلالها التالي:

١. محاولة فرز من يساند صفقة القرن ومن يرفضها مسبقا قبل الإعلان عنها، في وسط رياح عاتية من التصادمات الشديدة بين موقف رافض بشدة لها وبالتالي رافض لورشة البحرين المشبوهة، وبين مؤيد لهذه الورشة وقابل بالمشاركة بها تمهيدا لإنجاحها كخطوة أولى نحو تعزيز فرص نجاح الصفقة.

٢. الدعم المالي الذي يعتبر ضروريا في تحقيق الوعود المقدمة للفلسطينيين من تنشيط للسياحة وتنمية الاقتصاد ودعمه وفق شروط صفقة القرن السياسية، وهي حتما مهمة ستتكفل دول الخليج بها، هذا فضلا عن الاستثمارات التي سيقدّمها رجال أعمال من الدول التي ستشارك في الورشة، وقد ذكر د. مصطفى البرغوثي في هذا السياق أن  صفقةً القرن خدعة وفيها أفخاخ،  فـ 50 مليار ستكون قروضا بفوائد وليست منحة، 28 منها ما سيعطى للأردن ومصر ولبنان من أجل توطين اللاجئين الفلسطينين فيها وتأمين مشاريع تشمل ربط غزة بسيناء. وستقدّم المبالغ  كلها على امتداد 10 سنوات  وسيكون  مصدر الشق الأكبر من هذه الأموال الدول العربية .

٣. ستحدد نسبة المشاركة الخطوة التالية، وستوضح أفق نجاح صفقة القرن كما أنها سترسم معالم ما يجب فعله لإنجاح الجانب السياسي منها، وستمهد نسب المشاركة للإعلان عن صفقة القرن وفق محددات ومخرجات ورشة البحرين المشبوهة.

ويتعلق نجاح الورشة بمشاركة الفلسطينيين لأنهم المعنيين بصفقة القرن، فهم الهدف الذي يراد إخضاعه للبتّ نهائيا في القضية الفلسطسنية كونهم أهل الأرض وأصحاب الحق، وتمثّل مشاركتهم اعترافا صريحا بشروط الصفقة والتي يعتبر أهمها، التنازل عن حق العودة وعن حل الدولتين والرضا بحكم ذاتي في نطاق محدود غير مستقل مع تقديم دعم مالي يمكّن السلطة الفلسطينية من إحداث نهضة وإن كانت نهضة محدودة اقتصاديا. وللإشارة فإنّ ما سبق هو ما تم الترويج له بخصوص صفقة القرن، وقد يكون ما أخفي أعظم من هذه التنازلات والتي قد تصل إلى حدّ تصفية القضية الفلسطينية نهائيا مع أن التجارب السابقة أثبتت عدم وفاء أمريكا والصهاينة بوعودهم، وأن ما يقدم من دعم مالي لا يتجاوز كونه ترضيات لشراء مواقف من يعتبر نفسه ممثلا للشعب الفلسطيني، ولذلك  تعمل أمريكا جاهدة من أجل تذليل العقبات أمام ورشة البحرين أي الشق الإقتصادي من الصفقة تمهيدا للإعلان عنها في شقها السياسي، ولذلك قامت امريكا بـ:

١. إعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل سفارتها إليها.

٢. إعلان الجولان جزءا من الكيان الصهيوني.

٣. البحث عن شريك فلسطيني يمكنه المشاركة في ورشة البحرين، بعد محاولة قص جناح المعارضة الفلسطينية والتخطيط للقضاء على المقاومة الفلسطينية بعملية عسكرية مكثفة.

٤. محاولة ضرب إيران ضربة عسكرية خاطفة تربك حسابات محور المقاومة وتشغلهم في تداعيات الضربة، مما يمهد الطريق أمام إعلان الصفقة دون منغصات.

المستجدات الأخيرة، وأهمها نجاح إيران في إسقاط الـGlobal Hawk  أفضل طائرة تجسس في العالم، تعتبر ضربة نوعية ومدروسة من حيث التوقيت الذي سبق ورشة البحرين ومن حيث نوع الضربة والهدف منها على حدّ السواء وفي ظلّ عدم ردّ أمريكا على هذه الضربة الموجعة إلى حدّ الآن، مما يشي بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعي جيّدا القدرات العسكرية التي تمتلكها إيران، يتعزّز  التساؤل، في ظلّ هذه المستجدّات، عن حجم النجاح الذي قد تتمكن ورشة البحرين ومن ثم صفقة القرن من تحقيقه خاصة وأن هذه التداعيات الخطيرة، والتي عززت من قوة إيران وأضعفت قوة أمريكا في المقابل أمام شركائها في صفقة القرن وبخاصة الشركاء الخليجيين، والذين عولوا كثيرا على سياسة ردع عسكرية من قبل ترامب لإيران و بالتالي لمحور المقاومة؟

منشورات أخرى للكاتب