الكويت: وسيط اعتدال في إقليم ملتهب
ليس للكويت، الدولة الصغيرة جغرافياً والمحاطةُ بعواصم كبرى تلعب أدواراً إقليمية هامة وتؤثر في القرارات الدولية، إلا أن تعتمد سياسات معتدلة ومتزنة في محيطها حفاظاً على استقرار وأمن مستديمين، داخلياً ومع دول الجوار أيضاً.
لعبت الكويت دور الوسيط في ملفات خليجية عدة، كان آخرها ملف الحرب في اليمن حين استضافت كل الأطراف المتنازعة للحوار أكثر من مرة. وفي أزمة قطر الأخيرة، تصدت الكويت كعادتها للعب دور الوسيط الذي يحاول تقريب وجهات النظر والبقاء على مسافة واحدة من الجميع، رأباً للصدع وردماً للهوة السياسية بين وجهات النظر المختلفة.
ولم يخرج موقف الكويت من الأزمة القطرية عن مسارات سياسية واستراتيجية ألفتها المنطقة من الكويت غير ذات مرة. منذ اليوم الأول للأزمة، نأت وكالة الأنباء الرسمية والصحف الكويتية الخاصة عن الانجرار خلف الحرب الإعلامية على قطر. وأبقى الطيران المدني الأجواء الكويتية مفتوحة أمام الطيران القطري.
موقف السلطة التشريعية كان متماهياً مع قرار رأس الدولة، تصريحات عدة لنواب كويتيين أشادت بجهود أمير البلاد في حل الأزمة الخليجية، وأكدت تمسّك الكويت بوحدة الخليج والحرص على تماسك مجلس التعاون من خلال تماسك الروابط بين أعضائه واستمراريته. أهم التصريحات كانت لأمين مجلس الأمة النائب عودة الرويعي الذي أكد أن “ما يحدث هو أمر مخجل جداً، والتعويل لا يكون إلا على حكمة أمير الكويت في هذه الأزمة التي تعصف بالخليج وتهدّد وحدته”.
لا شك أن موقف الكويت من الأزمة الخليجية محل إشادة، وبالإمكان تلخيص أهم مبررات موقف الكويت في التالي:
• اشتعال الإقليم بمشاكل سياسية وعسكرية، وهو ما يتطلب وحدة خليجية داخلية تمنع انتقال النار إليها، خاصة مع وجود تهديدات أمنية من قبل المتطرفين والتكفيريين وكان للكويت نصيب من هذه العمليات في تفجير مسجد الإمام الصادق قبل عامين.
• الأزمة الاقتصادية الناجمة عن هبوط أسعار النفط، وتأثير ذلك على كل دول الخليج، ودخول الخليج في أزمات سياسية سيدفع إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.
• ملف الكويت الأمني وأهمية استقرارها واستقلالها على مستوى القرار وعلى مستوى السياسات الداخلية والخارجية، فتطويع قطر يعني تطويع الكويت في المستقبل.
• وجود خلل حقيقي في آليات اتخاذ القرار في مجلس التعاون، وذلك من خلال الاستفراد بالقرار وعدم اطلاع كافة الأعضاء على حقيقة أسباب الأزمة، وكيفية اتخاذ قرار المقاطعة مع تحييد كل من عمان والكويت.
• ضبط الاستقرار الداخلي: أحد الاتهامات الموجهة لقطر هو دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، وتعتبر الكويت مركز الثقل لإخوان الخليج، هذا فضلاً عن إبرامها مؤخراً مجموعة تفاهمات مع الجماعات الإسلامية سواء السلفية والإخوانية، حيث كانت العلاقة بين السلطة وبين هذه الجماعات مضطربة ومتشنجة لعدة أسباب، هذه التفاهمات أرست مجموعة لقواعد اللعبة السياسية الجديدة داخلياً. بالتالي، يتقارب موقف الكويت الرافض لمقاطعة قطر مع الجسور الممدودة مع الإخوان المسلمين في الداخل والذين تربطهم علاقات قوية مع قطر.
مآلات الوساطة
رغم دخول الكويت بوساطتها من خلال الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح إلا أن التصعيد الإعلامي بين الدول موضوع الأزمة مستمر. أعلنت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر مطالبها الثلاثة العشر، وهي مطالب حملت في أحشائها بذور الرفض القطري الذي اعتبرها شروطاً ومطالباً تمس سيادة قطر، وتحجم دورها.
قطر التي لم تقدم رداً رسمياً حتى اليوم، تقدمت بردود غير مباشرة منذ بداية الأزمة بتعزيز اتصالاتها والتنسيق مع إيران، وجلب الحليف التركي على خط المواجهة من خلال القاعدة التركية التي استقرت في قطر استجابة لطلب الأخيرة. تعقيدات هذا المشهد المربك بين دول الخليج تشير إلى استمرارية هذه الأزمة، وربما استفحالها. حيث لا يبدو أن حلاً قريباً قد يلوح في الأفق.