اليمن: ألغام الأقلمة

تدخل “عاصفة الحزم” مُنتصف عامها الرابع في حرب تُنفذ من خلالها مخططات التقسيم بـ”القوة” بعد فشل تمرير مشروع “أقلمة اليمن” الذي انقسمت حوله القوى السياسية، بين مؤيد ومعارض. الحرب الدائرة اليوم؛ اختفت أهدافها المُعلنة وتصدّرت الأجندات الخفية، وأضحت غطاءاً لترسيم الحدود اليمنية.

رسمياً؛ برزت فكرة تقسيم اليمن إلى عدد من الأقاليم ضمن دولة اتحادية، أثناء مؤتمر الحوار الوطني الذي إنطلق بصنعاء 18 مارس/آذار 2013، بدعم خارجي غير مسبوق. وعلى الرغم من أن الفدرالية وجدت كفكرة لتوحيد دول/دويلات مستقلة، مختلفة عرقياً ودينياً ولغوياً في دولة اتحادية، فإنها في اليمن تُقسم الدولة الموحدة، وتُقدم صيغة مثالية للصراع مستقبلاً.

حظي مشروع الأقلمة بترويج دولي كبير، باعتباره علاجاً ناجعاً للمشاكل والاحتقانات السياسية التي يعانيها البلد، على رأسها قضيتا (الجنوب وصعدة). لكن قوى يمنية شمالية تهمس إلى أنه لم يكن سوى مُقترح أمريكي حرص عليه ورعاه سفير واشنطن في صنعاء جيرالد فايرستاين.

في فبراير/شباط 2014، تم الإقرار النهائي لأقاليم الدولة الاتحادية، على أساس أربعة في الشمال واثنين في الجنوب. وفق (مخرجات لجنة تحديد الأقاليم)؛ فقد جاء التقسيم على النحو التالي:

الأول: إقليم آزال (صنعاء، عمران، صعدة، ذمار)
الثاني: إقليم حضرموت (حضرموت، أرخبيل سقطرى، شبوة، المهرة)
الثالث: إقليم الجند (تعز، إب)
الرابع: إقليم تهامة (الحديدة، ريمه، المحويت، حجة)
الخامس: إقليم سبأ (مأرب، البيضاء، الجوف)
السادس: إقليم عدن (عدن، أبين، لحج، الضالع)
واتفق على أن تكون كل من :

1 -أمانة العاصمة صنعاء: مدينة اتحادية غير خاضعة لسلطة أي إقليم ويتم وضع ترتيبات خاصة بها في الدستور لضمان حياديتها واستقلاليتها.

2 – مدينة عدن: مدينة إدارية واقتصادية ذات وضع خاص في إطار إقليم عدن وتتمتع بسلطات تشريعية وتنفيذية مستقلة تحدد في الدستور الاتحادي.

بحسب إحصائية تقديرية للمجلس الوطني للسكان حول مساحة وسكان أقاليم اليمن؛ فإن إقليم حضرموت يُشكل نحو 65.51% من إجمالي مساحة اليمن البالغة نحو 555 ألف كم مربع. ويقطنه 8.04% من إجمالي السكان. ويأتي إقليم (سبأ) في المرتبة الثانية من حيث المساحة 12.05%، ويُوصف بأقل الأقاليم سُكاناً. في حين تبلغ مساحة إقليم (آزال)، نحو 7.19% من إجمالي مساحة الأقاليم، يعيشون فيه ما يُقارب الـ 5 ملايين نسمة.

وعلى الرغم من أن إقليم (الجند)، يُعد الأعلى في الكثافة السكانية، إلا أنه يُمثل أقل الأقاليم مساحة 2.76% من المساحة الكلية للبلاد. أما إقليم عدن الذي يُشكل 6.34% من المساحة الإجمالية للبلاد، فيعيش فيه نحو 3 ملايين نسمة. وتُشير الإحصائية إلى أن إقليم تهامة، يُعد الأكثر سُكاناً، حيث يعيش فيه 23.24% من إجمالي عدد السكان، يتوزعون على 6.08% من المساحة الكلية لليمن.

التقسيم الملغوم

رغم التطمينات التي أطلقها الرئيس هادي، باعتماد تقسيم الأقاليم على أساس علمي حديث يكفل التمازج الاجتماعي، تذوب فيه الطائفية والمذهبية والتباينات العنصرية، إلا أن قراءة بسيطة لمشروع الأقلمة الحالي؛ نجده “تقسيم ملغوم”، محل انتقاد كبير من قبل مُعارضوه. ووفق العديد من القراءات؛ فإن التقسيم إعتمد معايير سياسية، وإفتقر إلى الدراسات العلمية والمعايير الاقتصادية والديموغرافية  والاجتماعية.

مراقبون يرون، بأن أخطر ما تضمنه التقسيم الحالي؛ أنه جاء على أساس تشطيري، قسم البلاد إلى شمال وجنوب، ضمن الحدود التشطيرية السابقة لليمن قبل قيام الوحدة 1990.

كما جاء تقسيم الجنوب إلى إقليمين؛ استحضاراً لواقع التجزئة الاستعمارية إبان الاحتلال البريطاني، فيما كان يُعرف بالمحميات الشرقية والمحميات الغربية ومستعمرة عدن (موقع الحزب الاشتراكي اليمني) .

في الشمال؛ يأتي التقسيم أكثر خطورة ويُنبئ باحتمال نشوب صراعات مستقبلية من خلال فرز الأقاليم على أساس طائفي ومذهبي، فقراء وأغنياء. يبدو ذلك جلياً في إقليم (آزال)، ذات أغلبية زيدية، فيما الثلاثة الأقاليم الشمالية  الأخرى ذات أغلبية سُنية .

أغنياء وفقراء

ألغام أقلمة اليمن لا تتوقف عند ذلك؛ فالتقسيم الفيدرالي الجديد، أفرز البلاد إلى أقاليم فقيرة وأخرى غنية، وسط تكهنات بموجة صراعات وحروب مستقبلية على الثروة. يُشكل إقليم حضرموت أكثر من ثلثي مساحة البلاد ويقطنه نسبة قليلة من السكان، ويحوز على 70% من الثروة النفطية. بينما يُقدر الاحتياطي الخام من الذهب في هذا الإقليم بنحو 687 ألف طن بدرجة تركيز 15 جرام ذهب / الطن (وزارة النفط والمعادن). وهو ما سيجعله محل أطماع وتنافس إقليمي ودولي، نظراً لأهميته الإستراتيجية وثرواته الغنية .على النقيض من ذلك؛ إقليم عدن الذي يفتقر للكثير من الموارد.

ومن بين أربعة أقاليم في الشمال؛ يتصدّر (سبأ)، أقاليم الأغنياء، بما يتضمنه من ثروة غازية وبما أظهرته دراسات من احتواء الجوف التي تنتمي للإقليم على كميات اقتصادية من معدن الذهب والغاز (مصدر سابق). في المقابل؛ يوصف (آزال) بأكثر الأقاليم فقراً، يفتقد لمنفذ بحري، شحيح الموارد، ويضم أكبر مخزون للقبائل المُحاربة.

الأهم من ذلك؛ عدم مراعاة هذا التقسيم للثروة الطبيعية والتوازن السكاني، حيث تُعنون العديد  من الدراسات المتخصصة، ما يجري بعملية سلخ مُتعمدة للمحافظات الغنية القليلة السكان عن المحافظات الفقيرة الكثيرة السكان، لتُصبح 75% من مساحة اليمن وكل ثرواته النفطية والغازية بيد 13% من السكان، فيما يُسمى بإقليمي (حضرموت وسبأ). وهو ما يؤسس لهويات جديدة ويُضيف مزيداً من الصراعات السياسية، ما يحول دون تحقيق أي تنمية (الآثار السياسية السلبية المترتبة على تقسيم اليمن إلى أقاليم-دراسة).

صراعات مستقبلية

عدد من القوى والمكونات السياسية (جماعة أنصار الله، الحزب الاشتراكي اليمني، الحراك الجنوبي)، رفضت مشروع التقسيم، مُحذرة مما قد يترتب على هذه المخرجات من مخاطر تؤسس لصراعات تُهدد الأمن والسلم الاجتماعي .

جماعة أنصار الله (الحوثيون)؛ رأت في ذلك الإجراء، مُخططاً لإضعاف اليمن وتمزيقه. معتبرة انفراد إقليمي (حضرموت وسبأ) المُحاددين للسعودية، بالثروة النفطية والغازية، يخدم المملكة؛ كونه يعطيها مساحة كبيرة، قبلية ونفطية، حيث تتمتع الوجاهات القبلية فيهما بعلاقات مميزة مع السعودية.

الحزب الاشتراكي الذي وجد نفسه مضطراً للتوقيع على مشروع الدولة الاتحادية من ستة أقاليم، كان قد أقترح نظام دولة اتحادية من إقليمين. مؤكداً أن (خيار الأقاليم الستة لا يقدم حلاً حقيقياً للقضية الجنوبية، بقدر ما يُمثل هروباً من استحقاقات الحل العادل للقضية). كما أعتبره إعادة إنتاج لمشكلة الصراع في الجنوب عبر استحضار واقع التجزئة الاستعمارية لما قبل ثورة أكتوبر 1963 (بيان الحزب 11 فبراير 2014). ورفضت بعض قوى في الحراك الجنوبي هذا المشروع.

حرب التفكيك والتفتيت

من جهة أخرى، يدخل مشروع تقسيم اليمن (عسكرياً)، مرحلة مُتقدمة وخطيرة. فوفقاً لشواهد ووقائع الحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من ثلاثة أعوام؛ يبدو أن التقسيم أصبح هدفاً يدعمه التقاء مصالح وأهداف القوى الدولية والإقليمية مع حُلفائها في الداخل.

تعيش عواصم الأقاليم اليوم (حضرموت، صنعاء، عدن، مأرب، تعز، الحديدة)، واقعاً مختلفاً، لكل منها أهداف وأجندات وتحالفات داخلية وخارجية. نجحت الإمارات في العديد منها على تشكيل وحدات مسلحة على أساس مناطقي، أبرزها في جنوب البلاد (النخبة الحضرمية، النخبة الشبوانية، حزام عدن الأمني، النخبة المهرية).

شمالاً؛ يتحدث مراقبون عن تسليم غير مُعلن لمأرب إلى حزب الإصلاح، مٌقابل قبوله بمغادرة الجنوب. بينما تستمر لعبة (شيطنة تعز) وسط إصرار أبوظبي على أن يكون لها موطئ قدم في المدينة. لتبقى صنعاء عاصمة لإقليم (الزيدية)، بينما تعيش الحديدة اليوم، على وقع معارك طاحنة، في محاولة لترسيم حدود إقليم تهامة .

يذهب محللون يمنيون إلى الجزم، بأن مشروع التقسيم يقوم على مرحلتين؛ الأولى: استمرار حرب الاستنزاف لإضعاف القوى المتصارعة وإنهاك كاهل الشعب اليمني وتدمير الاقتصاد، للرضوخ لقرارات الأمر الواقع، فيتم فك ارتباط الجنوب عن الشمال حتى ولو بصيغة الأقلمة تمهيداً للانفصال النهائي. المرحلة الثانية: نقل المعارك إلى الشمال وتحويله إلى بؤرة صراع، كوسيلة ضغط على القوى المناهضة للأقلمة، لقبول مخطط التقسيم.

في الخلاصات؛ لن تكون الفدرالية بصيغتها الحالية سوى صيغة للفوضى، بدأت ملامحها تظهر بقوة في العديد من المناطق المحررة، على رأسها المجموعات المسلحة خارج نطاق الشرعية والعصبيات والمطامع المناطقية والقبلية، لضمان حماية مصالحها في دولة مدنية مُرتقبة، تُحيط بميلادها ضبابية ومستقبل مجهول.

وعليه؛ قد يكون على اليمنيين التعايش مع أوطانهم الجديدة (الأقاليم)، في بلد كان وطناً واحداً.

منشورات أخرى للكاتب