“عاصفة الحزم” في عامها الخامس: الأهداف الضائعة والسلام المُلتبس

تدخل الحرب على اليمن عامها الخامس دون أُفقٍ حقيقيٍ لحلٍ قريب. بعد أربع جولات من المُفاوضات بين أطراف الصراع؛ تتضاءل فُرص السلام يوماً بعد يوم. فيما لا تزال قوّات الرئيس هادي المدعومة من التحالف السعودي – الإماراتي عاجزة عن تحقيق انجاز مُهم على جماعة أنصار الله (الحوثيين)، رُغم أربع سنوّات من الحصار والقصف الجوي والقتال على الأرض.

وفي حين تبرُز مؤشرات على عودة مُحتملة إلى المواجهات العسكرية، تبدو هذه الجولة قويّة وواسعة، ستُمثل مدينة الحديدة على البحر الأحمر جبهتها الرئيسيّة؛ حال فشلت الجهود التي يبذلها المبعوث ألأممي إلى اليمن مارتن غريفيث في إنعاش اتفاق ستوكهولم الذي وقعته أطراف النزاع ديسمبر/ كانون الأول 2018م، في آخر فُرصة سلام لملايين اليمنيين التوّاقين إلى انتهاء الحرب التي تسببت بأسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم بحسب الأمم المتحدة.

في 26 مارس/ آذار 2015؛ أطلق التحالف العربي (عاصفة الحزم)، وضم التحالف إلى جانب السعودية تسع دول هي (الإمارات، الكويت، مصر، الأردن، البحرين، السودان، قطر، ماليزيا، المغرب)، ودعم غير مباشر من الولايات المتحدة. قالت الرياض – حينها – أن الحملة العسكرية على اليمن، تأتي استجابة لرسالة من الرئيس عبد ربه منصور هادي وجهها إلى قادة مجلس التعاون الخليجي، طالبهم فيها باستعادة الشرعية وإنهاء انقلاب جماعة الحوثي وحليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

الحملة العسكرية : صواريخ الحوثي تُقاوم

ثلاثة أهداف رئيسية رفعتها (عاصفة الحزم)؛ استعادة الشرعية؛ تدمير الصواريخ الباليستية؛ القضاء على الحوثيين وتنظيمي “داعش” و”القاعدة”. اكتمل العام الرابع من العاصفة وفي المحصلة؛ فشل التحالف السعودي– الإماراتي في تحقيق أي من الأهداف التي برر بها حملته العسكرية؛ لا يزال الرئيس هادي “عالقاً” في الرياض ولم يتمكن من العودة إلى العاصمة المؤقتة “عدن” لأسباب قيل عنها الكثير، منها تنفيذاً لرغبة سعودية إماراتية، رُغم الدعوات المحلية المُطالبة بعودته.

وفقا للحوثيين؛ فقد نفذ طيران التحالف – خلال أعوام مضت – نحو 250 ألف غارة جويّة على مختلف المدن والمناطق اليمنية. سقط على البلاد أكثر من نصف مليون قُنبلة وقذيفة صاروخيّة كبيرة ومتوسطة، بالقصف الجوي والبحري والبري. مع ذلك؛ تقول الجماعة أنها  تمكنت من إطلاق نحو 890 صاروخاً ما بين باليستي وقصير ومتوسط المدى على أهداف داخل اليمن وخارجها، منها 221 صاروخ بالستي على مناطق سعودية. وتدمير وإعطاب 4339 آلية عسكرية ومُدرعة ودبابة، وإسقاط 42 طائرة حربية واستطلاعية تجسسية، حسب زعمها.

ومع دخول الحرب عامها الخامس؛ كشفت جماعة أنصار الله عن امتلاكها مخزون استراتيجي من الصواريخ البالستية. مُشيرة إلى  إحراز تطور كبير في سلاح الجو المُسيّر الذي مكنها من تعزيز بنك أهداف القوّة الصاروخية، بإضافة 300 هدف عسكري في الإمارات والسعودية، مُهددة بضرب الرياض وأبوظبي في حال صعدّتا في الحديدة.

فيما يُسجل تواجد ملحوظ لتنظيمي “القاعدة” و “داعش” في عدد من المناطق الخاضعة لحكومة هادي، منها محافظة أبين (جنوب اليمن)، مسقط رأس الرئيس هادي، والتي أعلنت القوّات الحكومية مؤخراً نجاحها في اقتحام مُعسكر للقاعدة، رُغم مرور  ثلاث سنوات على إعلان تحريرها.

لم تُعلق حكومة هادي أو التحالف على الأرقام المُعلنة من قبل الحوثيين، لكنهما يكتفيان بالتأكيد على النجاح في القضاء على التمدد الإيراني باليمن، وإلحاق خسائر فادحة بجماعة أنصار الله.

رغم مرور أربع سنوّات من الحرب؛ إلا أن الخارطة الجغرافية للتموضعات العسكرية للطرفين تكاد تكون كما هي، مع تسجيل انجاز مهم لقوات الرئيس هادي، تمثل في السيطرة على مدينة المخا والشريط الساحلي حتى مشارف مدينة الحديدة، وبعض مناطق صعده، وتحرير أجزاء واسعة من مدينة تعز. فيما لا يزال الجمود يُخيم على مختلف جبهات القتال، أبرزها جبهة نهم (شمال صنعاء) وصرواح بمأرب والجوف والبيضاء.

مع تسجيل جماعة الحوثي انجازاً مهمًا في السيطرة على مُديرية كشر بمحافظة حجة منتصف مارس/آذار، واستعادة  مساحة مهمة من صرواح .

يبدو واضحاً بأنه لا يوجد انتصار يُحسم الصراع مع أنصار الله، لاسيما وأن صنعاء لا تزال تحت نفوذه، كما لا تزال مدينة الحديدة بموانئها الثلاثة خارج سيطرة قوات هادي.

سبعة أسباب وراء إطالة أمد الحرب

النقطة الجديرة بالاهتمام؛ لماذا طال أمد الحرب؟ ومن هو المستفيد من ذلك؟

خلال سنوّات الحرب؛ كان التناقُض والغموض يتحكم في التحركات السعودية والإماراتية في اليمن؛ فإذا كانت الرياض تدعم قوّات الرئيس هادي وحكومته؛ فإن هذا لم يمنع أبوظبي من تشكيل مجموعات مُسلحة خاصة بها في المناطق المُحررة (الحزام الأمني، قوّات النخبة الحضرمية، قوّات النخبة الشبوّانية، قوّات النخبة السقطريّة، قوّات النخبة المهريّة).

هذا التناقض أدى إلى إضعاف حكومة هادي وأعطى فُرصة للحوثيين في تقوّية نفوذهم في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم. وذهب الدور الإماراتي إلى الاتجاه لإسقاط الحكومة والتشكيك بشرعية هادي ودعم التمردات المُسلحة ضد الحكومة كما حصل في يناير/ كانون الثاني 2018. “1 “

أضف إلى ذلك؛ فشل الحكومة في إدارة المناطق المحررة، نتيجة تزايد النفوذ الإماراتي وتفعيل أدواتها التي نازعتها سُلطاتها. واختلاف المُكونات المنضويّة في قوّات هادي لاعتبارات حزبية وقبلية. وتعارض الأهداف والأجندات بين الرياض وأبوظبي وانقسام مُعسكرهما باليمن وتحوله إلى مشاريع ذات أجندات خاصة. مع انحسار التأييد الشعبي للحملة العسكرية بعد انكشاف أهدافها ونتائجها الكارثية على الإنسان اليمني والبنية التحتية.

يُضاف إلى كُل ما سبق؛ إظهار جماعة أنصار الله القدرة على مجاراة ما يحدث، وحدوث تصدعات داخل التحالف العربي؛ بإعلان العديد من الدول انسحابها من التحالف كقطر والمغرب وماليزيا، مع بقاء وجود رمزي لمصر والأردن ودور “مصلحي” للسودان. ليقتصر التحالف على السعودية والإمارات كقوتين فاعليتين.

مع ذلك؛ حقق التحالف السعودي– الإماراتي مكاسب هامة لاسيما في جنوب البلاد؛ إطالة أمد الحرب خدم الأجندات العسكرية والاقتصادية والسياسية لأبوظبي والرياض؛ تمكنت الإمارات والسعودية من خلال حُلفائها من السيطرة على سلسلة الموانئ الجنوبية والغربية والعديد من الجزر ومناطق الثروة والمناطق الإستراتيجية؛ أصبح حلفائها أحد أهم القوى الفاعلة في الجنوب، الذين يتصدون لأي أصوات معارضة لسياسات التحالف. ما يُشير إلى أن الحملة العسكرية  لم تكن سوى (حرب مصالح) وسباق على النفوذ، شملت مناطق بعيدة عن سيطرة الحوثيين، كما حصل من السيطرة على جزيرة سقطرى ومحافظتي المهرة وحضرموت.

الشمال: تشجيع الاقتتال الداخلي وبث الفوضى

شمالاً؛ تعامل التحالف بانتقائية مع معارك التحرير؛ فالمحافظات المحسوبة على حزب الإصلاح، ناور في عملية تحريرها كما حصل في محافظة تعز التي انطلقت منها ثورة 2011م، حيث ترك مُهمة تحريرها للمقاومة، لتدخل المدينة اليوم في اقتتال داخلي بين أطراف مؤيدة للسعودية وأخرى للإمارات (حزب الإصلاح وجماعة أبو العباس). في المقابل؛ حرص التحالف على تحرير مناطق الغاز والنفط، خاصة تلك التي تشترك بحدود مع السعودية كما هو الحال في محافظتي مأرب والجوف.

كما ويبُدي التحالف حرصاً على توسيع الاقتتال الداخلي وإغراق المناطق الشمالية بالفوضى، كما حصل في دعمه انتفاضة مجاميع قبلية ضد الحوثيين في مديرية حجور بمحافظة حجة، والعمل على إنهاك جميع القوى في معارك الشمال والعمل على استنزافها.

اتفاق السويد: الفرصة الأخيرة

يوصف اتفاق ستوكهولم، بأنه أهم انجاز سياسي منذ بدء الحملة العسكرية على اليمن، ورُغم  الاختراق الذي أحدثه، إلا أنه يواجه خطر الانهيار في ظل فشل أطراف الصراع في تنفيذ بنوده الأساسية، المُتمثلة في وقف إطلاق النار وسحب القوات من الحديدة على مراحل وإطلاق الأسرى. كما وتبرز مؤشرات على عودة مُحتملة إلى المواجهات العسكرية.

فما هي أسباب عدم تنفيذ الاتفاق على الأرض؟ وهل ما يزال قابلاً للتطبيق؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة حال الإعلان الرسمي لوفاة اتفاق السويد؟

من المؤكد؛ يبدو فشل المشاورات في اختراق جدار “عدم الثقة” بين الطرفين قد انعكس سلباً على تنفيذ الاتفاق على الأرض. كما أن عدم تحديد الاتفاق للسلطة المحلية التي ستتولى مهمة ملئ فراغ المناطق بعد انسحاب مقاتلي الطرفين منها، ساهم هو الآخر في جموده.

يُحاول المبعوث الأممي اليوم إعطاء الاتفاق جُرعة إنعاش لتحقيق أي مكسب يُمكنه من الدعوة إلى مُفاوضات جديدة للسلام، ولعل هذا ما يُفسر عدم تسميته للطرف المُعطل للاتفاق، رُغم تصاعُد حدة التصريحات من الطرفين المتنازعين بشأن عرقلة الانسحاب من الحديدة، أبرزها ما أسمته جماعة الحوثي بتلقيها معلومات استخباراتية تُشير إلى اعتزام قوات هادي القيام بتصعيد عسكري كبير بالحيدة، فيما يتهم الطرف الآخر الحوثيين باستقدام تعزيزات عسكرية كبيرة إلى المدينة.

وفقا للعديد من المعطيات؛ فإن السيناريوهات المُحتملة، تتمثل في احتمال تمكن مارتن غريفيث بالخروج بأي انجاز عملي لاتفاق السويد للاستفادة منه في الدعوة إلى مفاوضات جديدة، لكن هذا يتوقف على مدى رغبة التحالف والقوى الدولية. أما السيناريو الثاني؛ وهو فشل الاتفاق، فيُعني تقلُص فُرص التوصل لمحادثات سلام جديدة كما كان مقرراً لها، عودة المعارك وبشكل أكثر شراسة إلى مدينة الحديدة في خيّار أكثر كُلفة لانتزاع المدينة وموانئها من أنصار الله، اشتعال مختلف جبهات القتال، أبرزها جبهة نهم بصنعاء وصرواح  بمأرب للضغط على الحوثي في صنعاء، وأخيراً، تنفيذ الحوثيون لتهديداتهم بتكثيف استهداف الرياض وأبوظبي، ولا يُستبعد بان تكون هناك آثار سلبية للمعركة على حركة الملاحة الدولية بالبحر الأحمر.

في الخلاصات؛ يبدو أن طريق السلام في اليمن ما يزال وعراً ومُعقداً؛ في ظل إصرار أمريكي على دعم التحالف السعودي- الإماراتي في حملته العسكرية، وغيّاب أي تفاهمات إقليمية ودولية  جادة من شانها إنهاء ما تعتبره الأمم المتحدة أسوأ كارثة إنسانية في العالم.

المراجع:

  1. النفوذ الإماراتي في اليمن.. المرتكزات والحصاد – مركز أبعاد للدراسات .
منشورات أخرى للكاتب