البحرين: ما الجديد الذي تحمله الانتخابات المقبلة؟

مع صدور الأمر الملكي بفضّ دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي الرابع، في 26 يونيو 2017، يكون قد أسدل الستار على رابع تشكيلة برلمانية في البحرين، لتبدأ التكهنات بشأن الانتخابات المقبلة في شهر أكتوبر المقبل، وما يواجهه الشارع البحريني من خيارات.

من حيث التسلسل التاريخي، عاش البحرينيون أول تجربةٍ برلمانيةٍ حرّةٍ بعد ثلاثة أعوام من الاستقلال، ولكن عمرها كان قصيراً بعد أن تم إجهاضها في 1975 بعد خلافٍ على تمرير قانون “أمن الدولة” الذي ألقى بظلاله الكئيبة على الحياة العامة، من حيث خنق الحريات ومنع العمل السياسي والنقابي، وملاحقة الشخصيات الوطنية المعارضة، من القوميين وقوى اليسار، واستمر ذلك الجمود لأكثر من ربع قرن.

خلال هذه الفترة، حدثت الكثير من المتغيرات، فبعد الطفرتين النفطيتين، بعد 1973 (حرب أكتوبر) و1979 (الثورة الإيرانية)، عاد النفط إلى الإنخفاض بشدة في الثمانينات، مع تأجج الحرب العراقية الإيرانية. كما شهدت الخريطة الشعبية صعود الحركات الإسلامية، لتحتل الدور الأكبر في الحراك في العقود الثلاثة التالية، وفي الحالة البحرينية أصبح التيار السياسي الشيعي في مقدمة الحراك، وتجلّى ذلك في حركة الاحتجاجات في مطلع التسعينات. وكانت استجابة السلطات في تلك المرحلة تدشين تجربة “مجلس الشورى” القائم على التعيين، ولم يمثل ذلك استجابةً كافيةً لمطالب الشارع، وظلّ دون الطموح العام.

في 14 فبراير 2001، تم الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني، في سياق عدة خطوات إيجابية في مقدمتها إطلاق سراح السجناء وتبييض السجون والسماح بعودة المنفيين، ومثّل ذلك انفراجةً كبيرةً في الوضع العام. ولم يستمر ذلك طويلاً، إذ بدأت الخلافات مجدّداً حول بعض مواد الدستور الجديد المقترح (دستور 2002)، الذي لم يُعرض للاستفتاء الشعبي العام؛ وهكذا اتخذ أغلب قوى المعارضة قرار المقاطعة.

خلال السنوات الثلاث الأولى من برلمان 2002، بدأ التضييق على حركة المعارضة وأنشطتها وتجمعاتها الشعبية، وانتهى باستخدام القوة لفضّها، كما حدث في جزيرة سترة خلال ندوة عامة حيث أصيب الأمين العام السابق لجمعية “وعد” بإصابة في رجله جراء إطلاق مسيلات الدموع على المنصة. وفي نهاية 2005، بدأت تتبلور قناعة عامة بعدم جدوى المقاطعة، والميل نحو تجربة خيار المشاركة. وهكذا فازت المعارضة ممثلةً بجمعية “الوفاق” بـ17 مقعداً من أصل 40. وقد استطاعت أن تطرح ملفات كبيرة ومهمة للمناقشة، من بينها الأراضي العامة وملف شركة ألمنيوم البحرين (ألبا)، لكنها لم تحقّق خرقاً في مجال استجواب الوزراء. ومع نهاية العام الثالث (2009)، صرّح رئيس كتلة الوفاق الشيخ علي سلمان بأن “حصيلة العمل في البرلمان تساوي صفراً”. وبعد أشهر أعلن سلمان بأنه لن يترشّح مرةً أخرى، ما فسّره الكثيرون بأنها مجرد مناورة، لكنه كان جاداً فعلاً في موقفه فلم يترشّح، وأوكل عمل الكتلة إلى قيادات شابة أخرى لمواصلة العمل في برلمان 2010. وحين أجريت الانتخابات استعادت الوفاق مقعداً إضافياً كان قد ذهب لحليفها السابق عزيز أبل، الذي عُيّن لاحقاً في مجلس الشورى.

في مطلع 2011، فاجأت أحداث الربيع العربي البحرين كما فاجأت بلداناً عربية أخرى، ونتيجة للتعاطي الأمني مع الحدث أعلنت كتلة الوفاق المعارضة انسحابها من البرلمان، لتترك فراغاً لم تنجح الانتخابات التكميلية في سدّه، حيث وصل للبرلمان نوابٌ لم يحصل بعضهم على مئة صوت أو مئتين، في ظل تدني نسبة التصويت في مناطق المعارضة. وهي قناعةٌ ترسّخت أكثر في هذه المناطق مع قرب الانتخابات لبرلمان 2014، نتيجة اشتداد الإجراءات الأمنية وكثرة أعداد ضحايا الحراك السياسي وملاحقة الجمعيات السياسية نفسها وحلّها وسجن قيادات بعضها (تم حلّ ثلاث جمعيات معارضة من مجموع خمس وأعلنت السادسة حل نفسها). وتقدّم أفرادٌ لا يحملون انتماءً سياسياً، أو يدّعون امتلاك برنامج انتخابي لملء الفراغ الناشىء. بالمقابل اندفع شارع “الموالاة” إلى المشاركة، نتيجة حملةٍ مكثّفةٍ تحت شعارات مثل “بصوتك تقدر”. وفي ظلّ التشكيلة “الفردانية” الجديدة للبرلمان، كانت الحصيلة أقل من الصفر، إن لم تكن مردوداتها سلبيةً محضةً على عموم المواطنين، بما فيهم المتحمّسون للتصويت. فقد فشل البرلمان في إقرار أي مشروع لصالح المواطن، أو إيقاف أي مشروع حكومي مثل رفع الدعم عن الكهرباء والماء وبعض السلع الأساسية أو رفع سعر النفط. كان برلماناً مفكّكاً، لا يجتمع على كلمةٍ واحدةٍ، وأحياناً كانت الخلافات الشخصية تنفجر بين أعضائه إلى حدّ المطالبة بإسقاط الحصانة عن بعضهم تمهيداً لتقديمهم للقضاء، ما استدعى تدخلات من خارج البرلمان لرأب الصدع.

مع صدور الأمر الملكي، بفضّ البرلمان الأخير، نهاية الشهر الماضي، كانت قد بدأت بعض الأسماء الإعلان عن نفسها كمرشحين لبرلمان 2018، حيث تم رصد ترشّح 135 شخصاً حتى الآن، من بينهم 45 رجل دين، ويتوقع أن يتضاعف الرقم مع اقتراب موعد الانتخابات، بينما أعلن نصف النواب السابقين عن رغبتهم في الترشّح مجدداً، رغم ما يواجهونه من انتقادات. يحدث ذلك مع تغيّر كبير في المزاج الشعبي العام، حيث انتقل الإحباط واليأس من البرلمان كمؤسسة، من محيط مناطق “المعارضة” إلى قلب مناطق “الموالاة”، التي بدت أكثر يأساً من إمكانية التغيير، سواءً على مستوى “جلب المنافع” أو “تجنب الأضرار”، بعد أربع سنوات عجاف علّق آماله على برلمانٍ نجح فقط في تمرير ما تريدة السلطة التنفيذية من قوانين واقتراحات.

منشورات أخرى للكاتب