حكومة الرئيس هادي: أوان الرحيل

تدخل الحكومة اليمنية برئاسة أحمد عبيد بن دغر عامها الثالث وسط جُملة من التحديات تُهدد بقاءها؛ على رأسها، تفشي الفساد والاختلالات الأمنية وظهور جماعات مُسلحة تُنازعها سُلطتها وتصاعد الخلاف مع أبوظبي.

حكومة بن دغر التي تشكلت مطلع إبريل 2016 خلفاً لحكومة الدكتور خالد بحاح؛ فشلت في تحقيق ما وعدت به اليمنيين من “الانتقال الكامل” من الرياض إلى العاصمة المؤقتة (عدن) لإدارة شؤون المحافظات المُحررة، حسب تعبيرها.

وعلى الرغم من قيام التحالف العربي الذي تقوده الرياض بالسيطرة على عدن واستردادها من جماعة أنصار الله (الحوثيون) وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إلاّ أن الحكومة ظلت تُمارس نشاطها من الرياض، وفشلت كل محاولاتها في العودة الكاملة؛ نتيجة تنامي الأعمال الإرهابية، والصراع مع المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات الذي يهدف إلى تقويض سلطتها، ويُجاهر في المطالبة بمنع عودتها.

السؤال الأهم؛ ما مدى الأثر الذي تركه بقاء الحكومة في”المنفى” على مستوى أداءها؟ وما هي الانعكاسات المستقبلية على واقع المحافظات المحررة؟

أدى بقاء حكومة بن دغر في الرياض إلى إضعافها وتراجع دورها في مُقابل تنامي نفوذ القوى المنافسة لها في الداخل التي أصبحت تُمثل سُلطة الأمر الواقع، ما جعل حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي خارج المشهد السياسي والقرارين العسكري والأمني.

اليوم وبعد مرور أكثر من عامين؛ تقف الحكومة عاجزة على تأمين مدينة عدن التي تشهد اضطراباً سياسياً وامنياً. أصبحت المدينة ساحة صراع بين مختلف القوى الداخلية والخارجية ذات الأهداف والأجندات المُتباينة. لم تأت الآمال المعقودة على التحرير ثمارها المرجوة؛ ولم تقدم المحافظات المحررة النموذج المثالي والمأمول لمستقبل اليمن، بعد أن أصبح العديد منها بؤرة للإرهاب في ظل غيّاب- شبه كامل – للوظائف  الاقتصادية والأمنية والخدمية للحكومة.

وتؤكد المعطيات؛ أن إخفاقات الحكومة ستنعكس سلباً على جهود عمليات استكمال التحرير، والفشل في التعامل مع أهم الملفات التي تؤرق اليمنيين (التدهور الاقتصادي، الفساد، الإختلالات الأمنية، تدهور الخدمات). إن الاستمرار في طبع العملة المحلية دون غطاء نقدي من العملة الصعبة، من شأنه أن يواصل مسلسل انهيار قيمة الريال اليمني (الدولار يساوي 490 ريال)، مع تفاقم ارتفاع الأسعار واتساع رقعة الفقر.

الشرعية الفاسدة

تواجه الحكومة اليمنية عديد الاتهامات فيما يتعلق باستغلال النفوذ وتفشي الفساد في المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية. وكانت مصادر حكومية قد تحدثت عن اكتشاف لجنة تحقيق سعودية (فبراير 2018) 120 ألف جندي “وهمي” في محافظة مأرب، وهو ما لم تنفه الحكومة أو تؤكده. النائب السابق للرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الحكومة الدكتور خالد بحاح كان قد أشار إلى أن الجيش الموالي للشرعية بلغ 425 ألف عسكري. وخاطب حكومة  بن دغر في تغريدة له على حسابه في تويتر: “فسدتم في غضون أشهر مقابل فساد 33 عام من سُلطة سلفكم” متهماً الشرعية بنهب 700 مليون دولار من نفط المسيلة في حضرموت، و400 مليار ريال يمني كانت مُخصصة لصرفها على رواتب للموظفين. يأتي ذلك، وسط تكهنات باحتمالات وجود ملفات فساد أخرى في المناطق المحررة.

رواتب العاملين في وحدات الجهاز الإداري والقطاعين العسكري والأمني لم تكن هي الأخرى بعيدة عن الاستقطاعات غير القانونية؛ فآلية سداد الرواتب، شابها اختلال كبير كشفته رسالة محافظ البنك المركزي اليمني (عدن) إلى رئيس الحكومة في إبريل الماضي.قبالة ذلك، تمتنع الحكومة عن صرف مرتبات نحو 800 ألف موظف يعيشون في المحافظات الشمالية الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله. فيما يعاني العاملون في المحافظات الجنوبية من عدم انتظام الصرف.

مؤخراً؛ تعالت الأصوات داخل المعسكر الموالي للشرعية المُطالبة بإيقاف التعيينات غير القانونية داخل المؤسسات الحكومية والسفارات والمحافظات، التي استندت إلى معيار”القرابة الأسرية” من كبار المسئولين، كان أبرزها صدور 300 قرار تعيين جديد، لشخصيات من خارج السلك الدبلوماسي، تربطهم صلات قرابة بوزراء ومسؤولين محسوبين على الشرعية.

طال الفساد أيضاً، المساعدات الإنسانية المخصصة للنازحين والمتضررين من الحرب. ووفقاً للمرصد اليمني لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية)؛ فإن جزءاً كبيراً من الموراد الإغاثية تتسرب إلى السوق السوداء، مُتحدثاً عن 27 صورة من صور الفساد التي تحدُث في مختلف مراحل عملية تقديم المساعدات الإنسانية.

الحكومة والتحالف: تبعية لا شراكة

تتسم علاقة حكومة هادي مع التحالف العربي بـ”التبعية”؛ بعيداً عن الشراكة الحقيقية. احتكار القرار السياسي والعسكري والأمني في السعودية والإمارات أضعف الحكومة وجعلها في مأزق أمام اليمنيين، وهي تبدو عاجزة عن التعامل مع التجاوزات المتكررة لأبوظبي في المدن الخاضعة للشرعية.

تشير التكهنات إلى أن الفترة القادمة ستشهد تصعيداً إماراتياً باتجاه الحكومة اليمنية، بعد أن خرج الخلاف بينهما إلى العلن أثناء أزمة جزيرة سقطرى، حيث اتهمت حكومة بن دغر الإمارات بمنازعتها سلطتها في ممارسة السيادة الوطنية. واعتبرت الوجود  العسكري الإماراتي في الجزيرة “غير مُبرر”.

مؤشرات هذا التصعيد، بدأت من خلال هجوم إماراتي كاسح على الحكومة وسط مطالبات بتصحيح ما أسمته أبوظبي بـ”الخلل” الذي أصاب أركان الشرعية. وذهب مسئولون إماراتيون إلى اتهام الحكومة الشرعية، بالفساد، وبأنها مخترقة من قبل”الإخوان” في إشارة إلى التجمع اليمني للإصلاح.

على أي حال؛فإن الفترة القادمة ستكون صعبة على حكومة هادي؛ فتصحيح مسار العلاقة مع التحالف تأخر كثيراً، كما أن إيقاف نزيف ثقة اليمنيين بحكومة الشرعية، لن يكون سهلاً.

منشورات أخرى للكاتب