السعودية وأنصار الله: تصعيد “الصماد” يؤجل فرص السلام الممكن

تدخل الحرب اليمنية مرحلة أخرى تُلقي بتداعياتها على فُرص السلام التي كانت قد بدأت تلوح في الأفق؛ سواءً تلك التي وعدّ المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث برسم خارطة جديدة  لها في غضون شهرين، أو تلك الفُرص التي كان يُؤمل عليها عبر المحادثات غير المباشرة التي كانت تقودها العاصمة العمانية مسقط بين جماعة أنصار الله (الحوثيون) ومسؤولين سعوديين، والتي كانت تهدف إلى إحداث اختراق  في جدار الحرب التي تشهدها اليمن منذ ثلاثة أعوام.

وتشير التوقعات إلى أن الفترة المقبلة ستشهد  مرحلة تصعيد جديدة بين السعودية وجماعة (الحوثيون)؛ خاصة بعد مقتل رئيس المجلس السياسي للجماعة صالح الصماد، في غارة  للتحالف العربي الذي تقوده الرياض في 19 أبريل في مدينة الحديدة. وهي مؤشرات بدأت مع تكثيف التحالف لغاراته التي ركزت على استهداف القيادات “الحوثية” في العاصمة صنعاء، مع إطلاق معركة الزحف باتجاه مدينة الحديدة الإستراتيجية. قابلها توّعد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، بالتأكيد على أن مقتل الصماد  ”لن يمر دون عقاب”. فيما أعلن ”مهدي المشاط” الذي خلف صالح الصماد في رئاسة المجلس السياسي، عن ”حرب مفتوحة”، وتوّعدت وزارة الدفاع الخاضعة لسيطرة ”الحوثيون” بضربات مُدمرة.

قبل الـ19 من إبريل كانت آمال اليمنيين مُعلقة على إمكانية توقيع اتفاق بين السعودية والحوثيين، يقود إلى إنهاء الحرب بالبلاد التي دخلت عامها الرابع. كانت جميع الأنظار تتجه صوب العاصمة العمانية مسقط التي يتواجد فيها وفد من جماعة أنصار الله منذ شهرين، وسط أنباء تتحدث عن لقاءات غير مباشرة تدور بين وفد الحوثيون برئاسة الناطق الرسمي للجماعة محمد عبد السلام ومسؤولين من الرياض. تفاهُمات ولقاءات لاقت تسريبات انعقادها نفي التحالف والحكومة اليمنية، فيما لم تُعلق عليها الرياض ولم يُنفيها ” الحوثيون”.

من الصماد  إلى المشاط

لكن ما هو مصير المسار التفاوضي والعملية السياسية بعد التطورات الأخيرة؟. في صنعاء يبدو أن مقتل الصماد أتاح سيطرة مرتاحة للجناح المُتشدد داخل جماعة الحوثيون بقيادة مهدي المشاط الذي خلف الصماد في رئاسة المجلس السياسي. وعليه، تبدو احتمالات عقد مباحثات ايجابية ومثمرة على المستوى القريب ضعيفة. التصعيد والرغبة في الانتقام من جانب الجماعة؛ من شأنه أن يعمل على تعليق التعاون مع أي مساع للحلول السياسية، وهو ما بدأت ملامحه في إطلاق الحوثيون لـ8 صواريخ باليستية دفعة واحدة باتجاه جازان السعودية لحظة ختام تشييع رئيس المجلس السياسي بصنعاء.

عُرف عن الصماد بأنه كان يتمتع بالاعتدال والعقلانية مقارنة بخليفته مهدي المشاط الذي يُعرف عنه التشدد في الكثير من مواقفه وآرائه السياسية. ولعل هذا ما تدركه الرياض. ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أكد في حديث لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في أبريل أن خطته القادمة هي تفكيك الحوثيين من الداخل والتعاون مع الطرف الذي يلقى قبولاً للعملية السياسية. مراقبون أوضحوا – حينها – بأن الطرف الذي كان يقصده الأمير محمد بن سلمان داخل جماعة ”الحوثيون” هو جناح صالح الصماد، الذي عُرف عنه مفاوضاً مرناً وشجاعاً في تقديم التنازلات.

إمكانية صُنع اتفاق سلام

يبقى السؤال الأهم؛ هل هناك إمكانية لحدوث اتفاقية سلام بين الرياض وجماعة أنصار الله؟ وما هي العوامل والمعطيات التي ستدفع السعودية والجماعة إلى الحرص على إنهاء الحرب؟

سعودياً؛ تؤمن الرياض بأن مراهنتها على الحسم العسكري قد فشلت مع دخول الحرب عامها الرابع، لاسيما بعد إخفاق حُلفائها في تحقيق أي تقدم في جبهة “نهم” والتقدم نحو العاصمة صنعاء. كما أن هذه الحرب أصبحت تُشكل حملاً ثقيلاً على المملكة التي لم يعد بوسعها تكبد المزيد من أعبائها الاقتصادية والبشرية. يضاف لذلك ما الحقته من أذى بسمعتها بعد سقوط آلاف الضحايا من المدنيين، والتسبب في حدوث أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم.

الرياض التي استطاعت في بداية الحرب حشد تأييد دولي لم تسلم من الانتقادات مؤخراً. بل وأصبحت في موقف محرج حتى من أقرب داعيميها الذين باتوا  يُجاهرون بابتزازها مالياً. يضاف إلى ذلك، الصواريخ البالستية والطيران المُسيّر التي أصبحت تُشكل مصدر إزعاج وقلق للجانب السعودي في هجمات – شبه يومية – على المدن الرئيسية. مع تحول الحدود الجنوبية للمملكة إلى ساحة استنزاف. تجدر الإشارة أيضاً الى حالة التشظي بين حُلفاء السعودية على الأرض وتعاظم دور تنظيمي ”داعش” و ”القاعدة”، خاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية. كل ذلك قد يدفع المملكة إلى التفكير في تغيير مواقفها وإدراك أهمية الحوار لإنهاء الحرب.

في الجهة المقابلة، ترى جماعة أنصار الله في حوار الرياض مكسباً استراتيجياً؛ فهم يؤمنون بأن إيقاف الحرب هو قرار سعودي بامتياز. كما انه سيعمل على إنهاء العُزلة الدولية المفروضة عليهم والحصول على الاعتراف بهم كقوة رئيسية تتمتع بالشرعية.

الأهم من ذلك، تفاهم الجماعة مع الجانب السعودي سيُجنبها  معركة صنعاء، ومن شأنه أن يوقف خسائرها البشرية في حرب استنزاف أفقدتهم آلاف المقاتلين والقادة الميدانيين والسياسيين، على رأسهم رئيس المجلس السياسي صالح الصماد. كما أنهم يرون فيه ضربة لخصومهم في الداخل.

 

تفاهُمات ”سرية” تُثمر

شهدت الفترة (2016- 2018)؛ العديد من التفاهمات واللقاءات، بين جماعة أنصار الله ومسؤولين سعوديين، معظمها كانت عبر طرف ثالث. وفي مارس 2016، سُجل أول لقاء بين الجانبين شكل انقلاباً في الموقف السعودي الذي كان يرفض أي  تفاوض مباشر/غير مباشر مع (الحوثيين)، ويصر على تفاوض الأخير مع الحكومة الشرعية.

وفي مقابل فشل جولات الحوار التي عُقدت برعاية أممية في جنيف ومسقط والكويت، إلا أن  بعض التفاهمات التي عقدت بين الطرفين أثمرت في تحقيق اجراءات مشجعة؛ أبرزها (اتفاق ظهران الجنوب) مارس 2016، الذي نجح في إطلاق عشرات الأسرى وتبادل الجثامين بين الطرفين، وتشكيل لجان مراقبة لوقف إطلاق النار. ورغم إخفاقه في تثبيت إطلاق النار، إلا أنه مثلّ أهم  اختراق لمصلحة عملية السلام في اليمن.

ولم يُسجل عام 2017، أي لقاء بين الطرفين، ليشهد شهر أبريل 2018 الفائت استئناف اللقاءات غير المباشرة حيث تتم إحاطة تفاصيلها ونتائجها بالسرية، التسريب الوحيد في اليد هو أنها مفاوضات وصفت بالمعقدة.

منشورات أخرى للكاتب