الاقتصاد البحريني: المرحلة الصعبة

في ظل اضمحلال الحياة السياسية العامة وتهميش مؤسسات المجتمع المدني في البحرين، كان لافتاً الإقبال الكبير يوم العاشر من مارس الماضي، على التصويت لاختيار مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين، مع ارتفاع عدد الناخبين إلى 7000، وتخطي عدد المرشحين 70 مرشحاً، واحتدام مستوى التحشيد للمشاركة.

لم يكن لذلك مدلولٌ سياسيٌ بقدر ما كان يعكس المخاوف التي ألمّت بالشارع التجاري وما يلاقيه من متاعب وضغوط، بسبب زيادة الرسوم والاجراءات الاقتصادية واقتراب موعد فرض ضريبة القيمة المضافة منتصف العام الجاري 2018، فضلاً عن ما نتج عن رفع الدعم عن سلع وخدمات أساسية من رفع الأسعار، وتأثير ذلك على تراجع القدرة الشرائية لدى قطاعات كبيرة من المواطنين.

العملية بدأت مع انهيار أسعار النفط قبل أكثر من ثلاثة أعوام، حيث دخلت الدول الخليجية عموماً في مرحلة جديدة من مواجهة الحالة المستجدة، وبسبب صغر حجم الاقتصاد البحريني واعتماده الكبير على النفط، كانت البحرين أكثر هذه الدول تأثراً ومعاناةً؛ وبالتالي مراجعةً للسياسات الاقتصادية.

أول الخطوات كانت الإعلان عن بدء رفع الدعم عن عددٍ من السلع والخدمات الرئيسية، وفي مقدمتها النفط واللحوم البيضاء والحمراء، حيث بدأ ارتفاع أسعارها مباشرةً، لارتباطها المباشر بالحاجات اليومية. وخلال عامٍ واحدٍ تم رفع سعر البنزين مرتين، بينما ارتفع سعر اللحوم الحمراء ما يقارب الضعفين (من دينار إلى 2.700 دينار)، واللحوم البيضاء بنسبة النصف (من دينار إلى 1.500)؛ وهو عاملٌ ساعد في تغيير نمط استهلاك اللحوم الحمراء في مائدة الطعام البحرينية.

وجاء الإعلان الثاني عن رفع الدعم عن الكهرباء والماء، بدءًا من مارس 2015 وبصورة تدريجية، بحيث تصل الخدمة إلى سعر التكلفة بعد مرور أربع سنوات، على أن يُمنح كل مواطن دعماً لحساب واحد فقط بالسعر القديم. وفي حال امتلاكه عدة مساكن يرتفع سعر وحدة الكهرباء من 6 فلوس لأول 3000 وحدة في 2016، ليصل تدريجياً إلى 29 فلساً في 2019. هذه الزيادة التي تقارب عشرة أضعاف تشمل أيضاً المقيمين.

أما بالنسبة للماء، فتبدأ التعرفة بـ25 فلساً لأول 60 متراً مكعباً، ترتفع إلى 80 فلساً حتى 100 متر مكعب، وما زاد عن ذلك يرتفع سعر الوحدة إلى 200 فلس، لكل حساب مواطن. أما من يمتلك أكثر من حساب أو المقيم، فتبدأ تسعيرة وحدة الماء بـ80 فلساً في 2016، لتصل تدريجياً إلى 750 فلساً في 2019. وهي خطوة مهمة ومؤثرة يُقصد بها إلى جانب زيادة الإيرادات، الوصول إلى سعر التكلفة، والحدّ من زيادة الاستهلاك ووقف الهدر المائي، خصوصاً في فصول الصيف، حيث تمتد الحرارة لأكثر من سبعة أشهر كل عام.

في العام التالي، ومع استمرار انخفاض أسعار النفط، بدأت وتيرة زيادة الرسوم والضرائب على الخدمات، مثل مضاعفة رسوم تجديد رخصة العمل، وفرض إجراءات واشتراطات جديدة مشدّدة، مثل التأمين الصحي، أو إيقاف السجل التجاري وكافة المعاملات الرسمية في حال التأخر في تجديده، ولو بيوم واحد، مع فرض غرامة مالية.

مجموع هذه الاجراءات ألقت بظلالها على مجمل الوضع الاقتصادي، وبدأت تضغط خصوصاً على الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بشكلٍ بات يهدّد بخروج الكثير منها من السوق، وعرض محلات في مناطق حيوية للبيع. فيما زادت ظاهرة إغلاق محلات في مجمعات تجارية كانت مكتظةً دائماً، ولم يكن من السهل العثور على محلٍ للإيجار فيها قبل سنوات. ومع عدم توفر أرقام رسمية عن هذه الحالات، لعدم وجود مؤشر خاص بالمستهلكين أو المؤسسات، إلا أن الصحف تنشر بشكل شبه يومي إعلانات عن إغلاق أو تصفية بعض هذه المؤسسات.

الجانب الآخر من المشهد يعكسه ما يعانيه القطاع العقاري من ركود، حيث أشار عدد من الفعاليات الاقتصادية إلى تراجع نسب الأشغال في الشقق التجارية الخاصة للبيع أو التأجير. وقدّر رئيس جمعية البحرين العقارية انخفاض نسبة المستأجرين في السوق المحلي بمعدل يصل إلى 30%، وأرجع أسباب ذلك إلى كثرة المشاريع الإسكانية، وتوزيع عدد كبير من بيوت الإسكان خلال الفترة الماضية، إضافةً إلى تغيير معظم المستأجرين الأجانب من أصحاب الدخل المتوسط مستوى الشقق المستأجَرة، والبعض الآخر فضّل إعادة عائلته إلى وطنه والسكن في مساكن العزاب المشتركة وذلك بسبب الظروف الاقتصادية المستجدة، وفي خطٍ موازٍ، تحوّل الأجانب من أصحاب الدخل المرتفع من السكن في الفلل إلى الشقق، حيث كشف أن نسبة تأجير العقارات للأجانب انخفضت بنسبة تصل إلى 50%، وهو مؤشرٌ ذو دلالة على الوضع الاقتصادي العام حيث يشكّل الوافدون اليوم 80 في المئة من سوق العمل في البحرين.

منشورات أخرى للكاتب