انتخابات البحرين 2018: نواب بلا برامج وبرلمان بلا جمعيات سياسية

في أول تصريح صحافي لرئيسة البرلمان البحريني الجديد السيدة فوزية زينل، قالت إنها ستعمل مع النوّاب على تحقيق توجيهات جلالة الملك، وبذلك تكون قد وضعت اللمسات الأخيرة على لوحة البرلمان الجديد.

الصورة شبه الكاملة كانت قد اتضحت بعد إكمال جولة الإعادة في الانتخابات البرلمانية والبلدية مطلع ديسمبر 2018، بعد فشل ثلاثة أرباع الفائزين بأعلى الأصوات في الجولة الأولى من تحقيق نسبة الـ51% التي تؤهلهم لعضوية البرلمان.

الانتخابات التي سبقها الكثير من الجدل، لم تأتِ بجديد، فالنتائج جاءت في خطوطها العامة حسب السيناريو الذي توقّعه الكثيرون، حيث السيطرة التامة للنواب “المستقلين”، وهو المصطلح الذي يُطلق على المرشحين غير المنتمين للجمعيات السياسية، خصوصاً الجمعيات المعارضة التي تعمل بمثابة أحزاب سياسية. وهو الوضع الذي يرى فيه النظام الخيار الأمثل لاستمرار الوضع السياسي الراهن وتعميقه، بعد تجربة الدورات الثلاث الأولى التي شاركت فيها الجمعيات، فيما اقتصرت الدورة الرابعة على عدد محدود من نواب جمعيات “الموالاة”، وغالبية من “المستقلين”.

ثلاثة يساريين مقابل 57 مستقلاً

النواب المستقلون كمن سبقهم من مستقلين، لم يكونوا يحملون أية برامج انتخابية، ولمعرفتهم بواقع الحال، وتجنباً للقيل والقال، كانت شعاراتهم متواضعةً ومحدودةً، غير ملزِمةٍ بشيء، ولا تَعِدُ بشيء، مثل “المواطن أولاً”، “نتشرّف بخدمتكم”، “وعد وأمل”، “سنحاول…”. وشذّ عن هذه الحالة نواب “جمعية المنبر التقدمي” (يسار)، الذين نشروا ما يشبه البرنامج المقترح للعمل داخل البرلمان. وهي الجمعية الوحيدة التي كانت ضمن ائتلاف المعارضة الوطنية أثناء أحداث 2011، ونجح اثنان فقط من بين مرشحيها الخمسة، مع شخص ثالث “مستقل” يُحسب ضمناً على التيار.

جمعيات التحالف السداسي الذي تشكّل بداية الأزمة، تعرّض أربعة من الأمناء العامين لهذه الجمعيات إلى الاعتقال والمساءلة القانونية، وتم رسمياً حلّ ثلاث جمعيات منها (وعد، الوفاق، أمل)، بينما حلّتْ جمعيةٌ رابعةٌ (الإخاء) نفسها، وتجمّدت أخرى عملياً: (التجمع القومي/ بعث)، ولم يتبق غير “المنبر التقدمي” الذي خاض لوحده غمار الانتخابات الأخيرة، وبشعاراتٍ متواضعةٍ وزخمٍ شعبي محدود.

انتخابات 2018، شهدت انحساراً كبيراً للمعارضة وجمهورها، حيث اتخذت السلطات مبكراً خطوات احترازية للحد من حركتها المحتملة أو قطع الطريق على أية مناورة قد تتخذها في ربع الساعة الأخيرة، فبادرت قبل أشهر، إلى إصدار قانونٍ صادق عليه مجلسا الشورى والبرلمان، يمنع بموجبه أعضاء الجمعيات المنحلة من المشاركة في أية أندية أو جمعيات من مؤسسات المجتمع المدني. ومع اقتراب موعد الانتخابات في 24 نوفمبر، فوجئت المعارضة بسقوط آلاف الأسماء من قوائم الناخبين، في المناطق التي تعتبر مغلقةً عليها. وبعد إثارة الكثير من التساؤلات، أعلنت السلطة عن اتخاذ هذا الإجراء بناءً على قرار بإسقاط اسم من لم يشارك في الانتخابات مرتين متتاليتين، وهو ما دفع المعارضة للحديث عن وجود ما أسمته بـ”قانون العزل السياسي” يستهدف المعارضة وجمهورها، علماً بأنها كانت ملتزمةً بالمقاطعة حيث لم يستجد أي جديد.

قطع الطريق على المتسللين

قبل ذلك بأسابيع، شهدت الساحة تحركاً لمجموعةٍ مختلطةٍ من الناشطين الراغبين في ملء الفراغ الكبير الناشيء عن غياب جمعيات المعارضة، وطرحت نفسها كبديل، لكن تحرّكها جُوبِه برفض شديد من الشارع عكسته بوضوحٍ وسائل التواصل الإجتماعي، في ظل وضع سياسي واجتماعي واقتصادي محبِط يزداد تدهوراً مع الوقت. ومع ذلك ظلّ الأمل يحدو هذه المجموعة حتى اللحظة الأخيرة، حتى فوجيء الجميع بقراراتٍ جديدةٍ تمنع ترشّح أي منتمٍ سابق للجمعيات المعارضة، وهو شرطٌ ينطبق على أكثرهم. ورُفضت كل التظلمات التي تقدّم بها أفراد المجموعة رغم ما قدّموه من دفوعات.

الأمر الوحيد الجديد في هذه الانتخابات، أن البرلمان الجديد سيكون شبه خالٍ حتى من جمعيات الموالاة (المنبر الإسلامي/ “أخوان مسلمون”، الأصالة/ “سلف”)، فضلاً عن جمعيات صغيرة أخرى متناهية الصغر، بعد أن ساهمت عدة عوامل داخلية وخارجية في إزاحة “الحزبيّين” تدريجياً، وتقليص حجم تمثيلهم من 15 مقعداً كما كان الحال في برلمان 2006، إلى مقعدين خجولين فقط نالهما السلفيون بصعوبة. فداخلياً، هناك ضعف الأداء البرلماني للنواب بشكل عام، ما انسحب على من تبقّى من نواب الجمعيتين، وتورّط المجلس السابق في تمرير القرارات التي كانت ترغب بها الحكومة، خصوصاً تلك التي كان لها تأثير سلبي على الوضع الاقتصادي للناس، مثل رفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية، وزيادة الرسوم والضرائب. أما خارجياً فهناك الوضع الإقليمي، الذي باتت فيه الحركة السلفية فضلاً عن تنظيم الأخوان المسلمين، في موضع الدفاع وتلقّي الضربات حتى من داخل المنظومة الخليجية، بعد أن كانتا في بدايات الربيع العربي تتطلعان إلى مواقع قيادية في عددٍ من البلدان العربية. وهكذا شهد المحيط الخليجي تراجعاً في حضور التيارين، إثر تعرّضهما للمزيد من الضغوط والحرب الإعلامية المركّزة، خصوصاً بعد تفجّر الأزمة الخليجية القطرية، وتعرّضهما للمساءلة والمراقبة في عددٍ من دول المنطقة، تحسباً لأية مواقف قد يتخذانها في خضم النزاع الحاد مع تركيا، سواءً بعد محاولة الانقلاب ضد أردوغان أو بعد قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.

نتائج انتخابات 2018، أعطت انطباعاً بأن هناك رغبةً بالتخلص من بقايا التكتلات الحزبية ورموز الإسلام السياسي، بشقّيه السنّي والشيعي، الذي بلغ ذروة صعوده في برلمان 2006، بسيطرة 32 نائباً من مجموع 40؛ ومسح بقايا المظاهر الموروثة من الفترة السابقة، بخلو البرلمان الجديد من شيوخ الدين أو المعمّمين. وكان لافتاً فشل “الرابطة الإسلامية”، (جمعية شيعية صغيرة من تيار الشيخ سليمان المدني تُحسب على الموالاة)، من الحصول على مقعدٍ واحد، رغم التحشيد الشديد في الجولة الأولى والإعادة. خروج جمعيات “الموالاة” كانت تعني بوضوح أنها “صفحة وطُويت”.

تجاذب الأرقام

أخيراً، شهدت انتخابات 2018، حالة شد وجذب بشأن نسبة المشاركة، بين الرواية الرسمية (67%) ورواية المعارضة (30%)، لكن يمكن الركون إلى رقم وسطي في حدود الـ45% باطمئنان، خصوصاً بعد لجوء كتلة انتخابية من المناطق المقاطعة للتصويت قُدّرت بحوالي 24 ألفاً، بعد صدور تسريبات غامضة بحرمان المقاطعين من الخدمات الأساسية التي تقدّمها الدولة، كالحصول على وحدة سكنية أو غيرها من الخدمات، وهو ما روّجه رئيس البرلمان المنقضية ولايته أحمد الملا، وهو الأمر الذي دحضه وزير العدل والشؤون الإسلامية، إلا أن المخاوف ظلّت تتردّد لدى الكثيرين. وهناك عاملٌ آخر مهم، ساهم برفع نسبة المشاركة، حتى في شارع الموالاة المحبَط، وهو محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد خيبة الأمل الكبيرة في نواب 2014، الذين خذلوا المواطنين، والرغبة في معاقبتهم وقطع الطريق عليهم من العودة مجدّداً إلى البرلمان.

منشورات أخرى للكاتب