البحرين: ضغوط الاقتصاد والسياسة تتزايد
استقبل البحرينيون العام الجديد بتطبيق ضريبة القيمة المضافة رسمياً في الأول من يناير 2019، بعد أشهرٍ من النقاشات والتوجسّات الشديدة بشأن ما ستتركه من تأثيرات على الوضع الاقتصادي العام، ومن آثارٍ على الأوضاع المعيشية على مستوى الأسر والأفراد.
ومنذ اليوم الأول لتطبيق الضريبة الجديدة، انشغل الناس بتتبّع آثارها المباشرة على المصروفات اليومية، للوصول إلى تقديرات أولية لما ستضيفه من أعباء على الموازنة الشهرية.
الضريبة الجديدة لم تكن جديدةً بالمطلق، ولم تشكّل مفاجأةً بالنسبة للرأي العام، وإنّما سبقتها إجراءات تمهيدية كثيرة خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، نتجت عن تدنّي أسعار النفط في منتصف العام 2014، وفي مقدمتها رفع الدعم عن النفط، الذي زاد بأكثر من ستين في المئة، وأثار معارضةً في الشارع وفي الوسط الإعلامي والنيابي، إلا أن القرار الحكومي كان قد حُسم أمره. وترافق ذلك مع رفع الدعم عن مجموعةٍ من السلع الأساسية كاللحوم البيضاء والحمراء، فارتفعت أسعارها ما بين 50 و150 في المئة.
إلى جانب ذلك، رفعت الحكومة قيمة الرسوم على الكثير من الخدمات التي تقدّمها، وعلى رأسها الكهرباء والماء، حيث تمّ برمجة زيادة السعر تدريجياً على مدى أربعة أعوام، تنتهي هذا العام، لتصل وحدة الكهرباء إلى ما يبلغ خمسة أضعافها، ووحدة الماء إلى سبعة أضعافها، بما يعادل قيمة إنتاج الوحدة الحقيقي.
هذه الزيادات تدفع بالتتابع إلى رفع أسعار كافة السلع والخدمات والمواد الغذائية والإستهلاكية، التي يقدّمها التجار والشركات والمؤسسات، والكلفة النهائية ستكون على حساب المستهلك، بما يؤثّر على مستوى المعيشة إجمالاً، خصوصاً مع جمود الرواتب لفترةٍ طويلة.
الضريبة الجديدة (القيمة المضافة) لم تكن واضحةً للجمهور حتى بعد البدء بتطبيقها، فالجهات الرسمية كانت تتكلّم في العموميات، ولا تنزل إلى التفاصيل. واتضح ذلك بجلاء من خلال حالة الاستثارة الكبيرة والتوجس الشديد تجاه موجة الغلاء التي أطلت برأسها، والتي يعبّر عنها الجمهور من خلال ما يتداوله من تعليقات ومقاطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ كـ”تويتر” و”الواتس أب”، حيث بدأت عملية مقارنةٍ واسعةٍ بين أسعار الأمس واليوم، لكشف التلاعب بالأسعار، إذ استغلت العديد من المحلات الفرصة لرفع أسعارها تحت عباءة القيمة المضافة. وهو ما دفع الجهات الرسمية للطلب من الشركات والمحلات التجارية إبراز ما يثبت تسجيلها في النظام الضريبي الجديد، كما دعت الجمهور لمراقبة المحلات المخالفة، ما يثبت عدم استعدادها المسبق لمواجهة هذه الحالة المتوقعة.
آثار واسعة
الآن وبعد مرور شهرٍ على التطبيق الأولي لضريبة القيمة المضافة، أخذ يتضح ما تسببت فيه من ضغطٍ كبيرٍ على موازنة الأسر والأفراد، يقدّر بعض المراقبين محصلته ما بين 20 و30 في المئة، نتيجة استمرار تصاعد الأسعار. وهو ما سيؤثّر على قطاع واسع من المواطنين، من الطبقتين الوسطى والدنيا، خصوصاً مع وجود أكثر من 12 ألف أسرة من ذوي الدخل المحدود (150 ألف مواطن)، وهو ما يساوي 10 في المئة من السكان، يعتمدون في معيشتهم على ما يتلقونه من مساعدات شهرية تقدّمها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وما يوازي ذلك من مساعدات تتكفل بصرفها الجمعيات والصناديق الخيرية، التي تجاوز عددها المئة مؤسسة خلال السنوات الأخيرة.
ولا تقتصر الآثار على الطبقة الدنيا، بل تمسّ بقوةٍ أفراد الطبقة الوسطى، ذات الحضور الفعّال في الحراك السياسي والثقافي طوال عقود، التي يتقلص دورها وحجمها وإمكاناتها المالية، وبالتالي قدرتها على التمتع بذات المستوى من الخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية. ولا تقتصر هذه الآثار على مناطق أو فئات معينة، وإنّما تشمل كافة الجغرافيا البحرينية بمختلف الشرائح والفئات. وهو ما يمكن قراءته في الرسائل المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، من شكاوى وحالات تذمر وانتقادات ذات نبرة متصاعدة، تصدر حتى من الفئات الشعبية التي كانت تلتزم الصمت أثناء الحراك السياسي طوال العقدين الماضيين. وهي ظاهرةٌ واضحةٌ، يلحظها المراقبون سواءً في شارع المعارضة أو الموالاة، من خلال مدخل رئيسي، وهو التساؤل عن فلسفة فرض الضرائب أساساً على عموم الشعب، وتجنّب أي نوعٍ من الضرائب على المؤسسات والبنوك والشركات الكبرى التي تعلن عن تحقيق أرباح كبيرة سنوياً، فضلاَ عن كبار التجار وأصحاب رؤوس الأموال، بحجة عدم تهريب الاستثمارات.
هذا ولن تقتصر آثار الضريبة المضافة على الطبقات الشعبية، الدنيا والمتوسطة، بل ستشمل أيضاً الفئات السكانية الأخرى، من الأجانب، والذين يشكّل أكثرهم طبقةً من العمال الفقراء، مقابل طبقة أخرى من الفنيين والمهنيين الذين ينافسون العمالة المحلية على فرص العمل وزيادة نسبة البطالة بين البحرينيين. فالطبقة الأولى (الفقراء) ستواجه ظروفاً صعبةً مع الموجة الجديدة من ارتفاع الأسعار، التي ستحد من قدرتها على البقاء والاستمرار، ما سيرفع بالتالي من كلفة المشاريع الإنشائية والخدمية. أما الطبقة الوسطى من الأجانب، التي ازداد تمكّنها في سوق العمل في العقدين الأخيرين، فستحاول أن تعيد التكيّف مع الظروف المستجدة، في ظلّ غلبةِ سياسةِ توظيفٍ ظلّت فيها الأولوية للأجانب، حتى باتوا يستحوذون على 85 في المئة من الوظائف وفرص العمل.
لقد دخلت البحرين عصر الضرائب بصورةٍ شبه نهائية، حيث لم يعد هناك أملٌ في التراجع عنها، خصوصاً مع بقاء أسعار النفط المتدنية، مع مخاوف من فرض مزيدٍ من الضرائب، تدشن مرحلة تقشفٍ قادمة في الطريق.
في يناير 2010، حين لمّحت الحكومة إلى نيتها رفع سعر المحروقات، دعت الجمعيات المعارضة إلى مسيرة جماهيرية طافت الشارع الرئيسي بالعاصمة المنامة، الذي يقع عليه مقر الحكومة، ورفعت شعار “إلا لقمة العيش”. يومها كان للمعارضة صوتٌ مسموعٌ يعزّزه وجود 18 نائباً في البرلمان، وحضور جماهيري كبير في الشارع، أما اليوم فقد غابت أو غُيّبت الجمعيات السياسية، ولم يعد يعلو في الساحة إلا صوت الضرائب المضافة.