ما الذي سيتغير في العراق بعد مايو/ أيار ٢٠١٨؟

ما الذي سيتغير في العراق بعد انتخابات مايو/ أيار ٢٠١٨؟ ربما هو واحد من الأسئلة التي يتجنب كثيرون الخوض في معمعة الإجابة عليها، ومع أن فرضية تأجيل الانتخابات النيابية العراقية المقبلة عادت مجدداً الى الواجهة، في ظل تصاعد الحديث عن عدم جاهزية مفوضية الانتخابات، التي لا تَفوت مناسبة إلا ويتم الحديث فيها عن شبهات في عملها (خلصت تحقيقات برلمانية سابقة الى تورط مجلس المفوضين السابق في عمليات تزوير وقدمت كل من النائبتين حنان الفتلاوي وماجدة التميمي في مناسبتين علنيتين، أدلة على ذلك)، لكن الحديث هذه المرة يتزايد عن مشاكل تقنية جدية في الفرز الالكتروني الذي أوجب قانون الانتخابات الجديد، العمل به، قد تدفع باتجاه التأجيل، لا سيما مع عدم تجربة او اختبار النظام الالكتروني للفرز عملياً لحد الان، وعدم وجود شركة أو جهة معتبرة لحماية المجال الالكتروني لسير وجمع النتائج الكترونياً، وكذلك وهو لربما الأهم عدم اقتران الفرز الالكتروني بالتصويت الكترونياً، اَي ان المُصوت يدلي بصوته ورقياً، لكن النتائج تُحسب الكترونياً بعد إجراء المسح الضوئي (scanning) لورقة الاقتراع.

ليس هذا فحسب، بل إن ظاهرة استشراء بيع وشراء البطاقات الانتخابية في الكثير من المحافظات، قد تجعل من الانتخابات تحصيل حاصل بعد أن اشترت أطراف في الكتل الكبيرة كميات من هذه البطاقات تضمن او تعزز بها حظوظها، وهو ما دفع برئيس الحكومة حيدر العبادي الى تشكيل لجنة بصلاحيات واسعة لملاحقة وتطويق هذه العمليات، والتلويح بأن البائع والمشتري سيكون معرضاً للسجن والملاحقة القانونية.

حكم الأغلبية لا التوافقية

إذاً هي أشياء كثيرة تجعل من فرضية تأجيل الانتخابات قائمة ولها أنصارها ومريدوها.

لكن وعلى العموم، فإنه و مع حلول ١٤ نيسان/ ابريل ٢٠١٨، موعد بدء الحملات الانتخابية، (تم تقديمه أربعة ايّام اخرى عن موعده السابق، ما عُد مؤشراً آخر على ارتباك عمل مفوضية الانتخابات) فإن المشهد في عراق ما بعد هذه الانتخابات تنتظره الكثير من المتغيرات:

  • الحديث عن نظام حكم يعتمد الأغلبية السياسية الذي تتبناه أطراف نافذة في التحالف الوطني (الشيعي) الحاكم، يهدد صيغة التوافق السياسي الذي بُنيت عليه العملية السياسية، وهو أن تجاوز مرحلة الابتزاز السياسي الى محاولة تنفيذه على الأرض، سيعني بلا شك تمّكن أطراف (التشيع السياسي)، ومن يدور في فلكه سنياً وكردياً، من الاستفراد اجرائياً بالمشهد، وبالتالي اضافة خصوم جدد الى قائمة طويلة من مناهضي العملية السياسية، حيث يتسع نطاق المُبعدين من المشاركة في الحكم من داخله، ولا يتوقع بالطبع ان يتحول هؤلاء في بلد مضطرب مثل العراق، الى معارضة بالمعنى الديمقراطي، بقدر ما سيزداد معهم المشهد تعقيداً ويرتد على مستويات مختلفة أخطرها الملف الأمني المعروف بهشاشته.
  • التموضع المتوقع للجماعات المسلحة المدعومة معظمها ايرانياً، في المفاصل الرئيسة للبرلمان ومجالس المحافظات والحكومة المقبلة، في ظل ترجيحات قوية باختراق ملحوظ يُنتظر أن تحققه الائتلافات التي تضم المجاميع المسلحة، التي من الواضح انها توّظف انتخابياً قتالها ضد داعش، وهو ما سيضع على المحك الرغبة الأمريكية والخليجية التي تريدها انتخابات (مفصلية) للوصول الى نظام حكم عراقي امريكي خالص (كما وعد ترمب في حملته الانتخابية) منسجم مع جيرانه (السنة المعتدلين) أو على الأقل تكون هذه الانتخابات وفق الرؤية والسعي الأمريكيين، مقدمة مقبولة لمرحلة جديدة من اعادة بناء دولة حليفة وفقاً للمقاسات الامريكية، لكن كل هذا ربما سيكون في مهب الريح الإيرانية العاتية.

 

الأكراد يريدون مجلس النواب والسنة عيونهم على الخارجية

  • الإحجام الشعبي المتوقع عن التصويت سيجعل من أي طبقة سياسية تنتجها الانتخابات المقبلة، بمثابة حكومة وبرلمان الأمر الواقع، ما يعني نظاماً سياسياً (على أقل تقدير) بعلاقات خارجية وخصوصاً غربية، مغلولة، كونه سيكون وفقاً للمقاييس الديمقراطية الغربية، لا يمثل إلا نسبة محدودة من المقترعين، ما يعني تحديات حقيقية تواجهها أية حكومة عراقية مقبلة في الحصول على دعم المؤسسات الدولية والدول المانحة والتي يعتمد عليها العراق في الحصول على القروض والمساعدات الدولية لإعادة الإعمار أو سد العجز المستديم في الموازنات السنوية.
  • والاهم، ان حكومة ولدت من رحم عزوف انتخابي واضح ، سوف لن تكون قادرة على الإيفاء بالتزاماتها المعلنة في معالجة مشكلات وجودية يواجهها الداخل العراقي، سواء على مستوى الأمن والاقتصاد والخدمات العامة، والبنى التحتية، واعادة إعمار المناطق المحررة من داعش، والوصول الى حلول ناجعة لمشاكل اقليم كردستان (التي قد تهدد اذا ما استمرت حالة الاستقرار التي يشهدها)، في توفير الرواتب للموظفين والمتقاعدين، او اعادة ضبط العلاقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية في المناطق المتنازع عليها، ما يعني ترحيل كل هذه الأزمات الى مديات زمنية قادمة قد لا يكون الشارع العراقي قادراً على تحمل تبعات استمرارها واستفحالها.
  • عودة العديد من الوجوه السياسة المتوقع تمريرها لتولي المناصب الرئيسة للحكومة المقبلة، سيعّمق الإحباط الجمعي في الشارع العراقي من طبقة سياسية تلاحقها اتهامات الفساد والفشل وسوء إدارة الملفات الكبرى، ولا يستطيع الشارع تغييرها والإتيان باخرى قادرة على تقديم الحلول، ويبدو انه لا أمل في ان تُنحي الانتخابات المقبلة، جانباً هذه الوجوه، بقدر ما سيتم وفقاً لهذه الانتخابات اعادة تغانم المناصب الرئيسة، لكن قد نرى هذه المرة اصراراً كردياً على الحصول على منصب رئيس مجلس النواب، مقابل التخلي عن منصب رئيس الجمهورية للسُنَّة، حيث يشعر الأكراد بأنهم سيحتاجون المؤسسة التشريعية أكثر مع ما تنتظرهم من تشريعات تتعلق بنقاط الخلاف الجوهرية مع بغداد، وربما يحاول السُنة الحصول على وزارة الخارجية بالتماهي مع رغبة خليجية قديمة، وهي جميعها، زادت او نقصت، مؤشرات خجولة لا تلبي الحدود الدنيا من تطلعات الناس الى التغيير.
  • تصاعد التململ اقليمياً ودولياً من استعصاء الحلول في عراق ما بعد انتخابات ٢٠١٨، سيجعل المجتمع الدولي أمام اختبارات حقيقية في التزامه بعراق ديمقراطي مستقر يمثل انموذجاً في منطقته، بعد أن يجد نفسه وبعد عقد ونصف، يتعامل مع نظام يراوح مكانه، وهو ما سيدفع وبعد كل هذا الزمن الطويل، الى البحث عن مقاربات اخرى في التعامل مع هذا البلد، لا سيما مع توجه عام لحلحلة عُقد التوتر في منطقة الشرق الأوسط كالملفين السوري واليمني، والتفرغ لممارسة الضغط المباشر على ايران واذرعها، يعزز هذا توجه الرئيس الامريكي دونالد ترمب الى سياسة “حسم الأمور” وعدم تركها معلقة كما كان يفعل سلفه اوباما.

 

انتخابات (الفرصة الأخيرة)!

 إن أكثر السيناريوهات تشاؤماً، هي التي تتوقع أن تكون الانتخابات المقبلة، مجرد بوابة لإعادة انتاج ذات الطبقة السياسية، وأكثرها تفاؤلاً هي تلك التي ترى بصيص ضوء في نهاية النفق، قد يفضي الى تغييرات ولو محدودة في الخارطة السياسية، تساعد بدفع أممي ودولي في وضع البلاد على سكة اخرى غير التي تسير عليها اليوم.

 

وفِي الحصيلة، فإن عراق ما بعد انتخابات ٢٠١٨، لن يكون غير عراق ما قبلها، هي خواتيم تُنبأ بها مقدمات ما قبل بضعة أسابيع فقط من إجراء الانتخابات، التي تريدها أميركا وبعض دول الإقليم لا سيما الخليجية، انتخابات (الفرصة الأخيرة) لتغيير ما يمكن، وتدفع إيران وقواها الممسكة بالحكم في العراق لأن تبني من خلالها على ما تم تحقيقه في الممارسات الانتخابية المقبلة، ولكل من الطرفين هواجسه وخططه وأدواته، بيد أن الحل في العراق، كما يريده شعبه، مؤجل كما يبدو الى مناسبات قادمة لن تكون انتخابات مايو/ آيار واحدة منها.

منشورات أخرى للكاتب