شبح النمو السكاني في الكويت: ما العمل؟

يبلغ تعداد سكان الكويت حوالي 4.5 مليون نسمة وتصل نسبة المواطنين 30 في المئة، أي ما يقارب 1.4 مليون نسمة. لكن كيف تطورت هذه النسب الديموغرافية على مدى السنوات والعقود الماضية؟ بلغ عـدد سكان الكويت عام 1957 – قبل 61 عاماً مع أول تعداد سكاني رسمي – 206,473 نسمة، نسبة الكويتيين كانت 55 في المئة. الطفرة في عدد السكان تعود للتدفق البشري بعد بداية عصر النفط في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي بعد أن كان عدد السكان عام 1950 لا يتجاوز المائة ألف نسمة، كما قدر من عدد من المختصين.

اعتمد سكان الكويت وهي من البلدان صعبة المناخ، فقيرة المياه ومحدودة الموارد، على البحر كمصدر لاستمرار الحياة، واتقنوا الغوص لاستخراج اللؤلؤ والصيد وصناعة السفن الشراعية والإبحار إلى شبه القارة الهندية وشرق أفريقيا لنقل البضائع والسلع ذهاباً وأياباً. كما أن سكان الكويت الأصليين كانوا في الأساس نتاجاً لهجرات من مناطق مجاورة مثل نجد والإحساء والبحرين والعراق وفارس، واستقر هؤلاء في البلاد منذ أواسط القرن الثامن عشر، وربما قبل ذلك بعدة عقود، لكنهم تمكنوا من تطوير نظام الحكم في بداية العقد السادس من القرن الثامن عشر.

ظل عدد سكان البلاد محدداً ومحكوماً بعوامل الطبيعية والنشاط الاقتصادي والظروف المعتادة. وبطبيعة الحال، كانت الرعاية الصحية محدودة ومعدلات الحياة قصيرة وتعرضت البلاد لأوبئة مثل الطاعون والجدري وأمراض عديدة أخرى أنهكت السكان ورفعت أعداد الوفيات، خصوصاً بين صغار السن.

مع حدوث الكساد الكبير في الولايات المتحدة 1929م وما نتج عنه من آثار إقتصادية كارثية، تدهورت الحياة الاقتصادية في الكويت وخصوصاً بعد تراجع أهمية اللؤلؤ الطبيعي لصالح اللؤلؤ الصناعي. وتذكر تقارير صدرت عن زوار أوربيين خلال ثلاثينات القرن الماضي أن الكويت واجهت أوضاع صعبة وعانى المواطنون من أحوال معيشية متردية. ولذلك، عندما انتُخب المجلس التشريعي الأول عام 1938 لم تتجاوز ميزانية الدولة أكثر من ربع مليون روبية، أما عدد السكان آنذاك فقد قدر بـ 70 ألف نسمة. ونظراً لافتقار البلاد للمتعلمين تم عام 1936 تأسيس مجلس المعارف الذي اضطلع بمهام حيوية لنشر التعليم وإرسال الطلبة للدراسة في العراق ومصر لإكمال مراحل الدراسة الثانوية ثم الإلتحاق بالجامعات والمعاهد.

ما بعد النفط

بعد تصدير أول شحنة نفط خام من الكويت في يونيو/حزيران 1946 بدأت أوضاع “المالية العامة” للدولة بالتحسن. لكن لم يكن في الكويت مواطنون مؤهلين لإنجاز مشاريع التنمية وتحديث الأوضاع الإقتصادية والتصدي لمتطلبات الخدمات التعليمية والصحية. ولذلك، فُتِحَ الباب أمام تدفق العمالة الوافدة من مختلف البلدان العربية والهند وغيرها من البلدان. وبدأت الأوضاع السكانية بالتغيّر وارتفعت أعداد الوافدين.

ومنذ ذلك الوقت، لم تكن هناك خطط منهجية لإستقدام العمالة الأجنبية وبقت السياسات تُحدد بموجب معايير آنية دون تمحيص وتدقيق، قبالة ذلك، لم تعمل مؤسسات التعليم على توفير عمالة وطنية في مختلف التخصصات والمهن والحرف لخفض الإعتماد على الوافدين، واعتمدت الإدارة التعليمية على تعليم أساسي مقارب كما هو مطبق في بلدان عربية أخرى، خصوصاً مصر، وأُرسلَ خريجو الثانوية العامة للدراسة خارج البلاد في مجالات أدبية وعلمية متنوعة قبل افتتاح جامعة الكويت عام 1966. وافتتحت الكلية الصناعية للطلبة الذين أنهوا دراستهم الإعدادية،  هذه الكلية – التي كان من المأمول أن توفر عمالة كويتية مؤهلة في مختلف الأنشطة – لم تستمر طويلاً، وأنتهى الخريجون بشغل وظائف إدارية في دوائر ومؤسسات حكومية.

لم تكن معدلات النمو السكاني متسقة فقد أرتفع عدد الكويتيين من 113,622 نسمة عام 1957 إلى 150,422 نسمة عام 1961 بمعدل نمو سنوي 7.0 في المئة، وارتفع إجمالي عدد السكان من 206,473 إلى 321,621 نسمة في ذات الفترة أي بمعدل زيادة سنوية بحدود 13.9 في المئة، وهو ما يؤكد زيادة تدفق الوافدين إلى البلاد خلال تلك الفترة. تدفق الوافدين لم يتوقف وأصبح أي توسع في الأعمال الإقتصادية يعني زيادة الطلب على العمالة الوافدة. يضاف إلى ذلك، أن تشكل الإقتصاد الكويتي بموجب معايير “الريع” عزز الإعتماد على العمالة الهامشية الوافدة ما تسبب في رفع أعداد العمالة المنزلية، خصوصاً بعد أن تحسنت مساهمة المرأة  الكويتية في سوق العمل وفي الدوائر الحكومية والمنشآت العامة.

استمرت معدلات النمو بين الكويتيين في الإرتفاع وتجاوزت ال 3.5 في المئة على مدى عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وفي ذات الوقت، كانت معدلات النمو لغير الكويتيين مرتفعة أيضاً، ولذلك فقد بلغ عدد سكان الكويت 2.1 مليون نسمة في عام 1990 قبل الغزو العراقي مباشرة وكان عدد الكويتيين 600 ألف نسمة بنسبة 28.5 في المئة.

كانت فترة الإحتلال بالرغم من مرارتها ومصاعبها من الفترات التي دفعت الكويتيين إلى تحمل أعباء الحياة بإمكانياتهم البشرية الذاتية بعد رحيل الوافدين خشية من التعسف المحتمل من المحتلين، وتراجع مستوى المعيشة والرعاية الصحية. قام الكويتيون بأعمال ووظائف كانت مقتصرة على الوافدين مثل التنظيف وأعمال التصليحات الأساسية للعربات والمركبات وأجهزة التكييف وغيرها من أجهزة كهربائية ناهيك عن أعمال تشغيل وصيانة محطات توليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه والمنشآت النفطية، بالإضافة إلى العمل في المخابز والجمعيات التعاونية.

وبالرغم من خروج أعداد كبيرة من الكويتيين صمد داخل البلاد ما يقارب 250 ألف مواطن ومقيم (رقم تقديري من جهات عديدة بعد تحرير البلاد في السادس والعشرين من شهر فبراير/ شباط 1991).

تجربة الاحتلال الصعبة والمهمة في التاريخ الوطني لم يتم البناء عليها بعد التحرير، بما يؤدي إلى رفع مساهمة قوة العمل الوطنية في سوق العمل، خصوصاً في منشآت القطاع الخاص، أو يعيد النظر في التركيبة السكانية بما يرفع من نسبة المواطنين في التعداد السكاني للبلاد. بعد التحرير، تم السماح باستقدام العمالة من الخارج، وخصوصاً العمالة الهامشية مثل العمالة المنزلية، والعمالة متدنية الأجر غير المؤهلة تعليمياً.

 

تعداد واقتصاد ما بعد التحرير

ما حدث بعد تحرير الكويت في فبراير/ شباط 1991 كان تضخماً غير مواتٍ لعدد سكان البلاد وتراجعاً هاماً في جودة ومهارات ومستويات التعليم في مجتمع الوافدين. بلغ عدد سكان البلاد 2.3 مليون نسمة عام 1995 منهم 1.5 مليون من الوافدين و800,000 كويتياً، أي أن نسبة الكويتيين كانت 35 في المئة. واستمرت نسبة الكويتيين في التراجع منذ التحرير حيث بينت الإحصاءات السكانية عام 2012 أن الكويتيين مثلو 31.7 في المئة من إجمالي السكان البالغ 3.8 مليون نسمة، وصولاً الى يومنا الحاضر حيث تبلغ نسبة المواطنين 30 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ 4.5 مليون نسمة.

يتضح من هذه البيانات أن السياسات الحكومية لم تؤد إلى خلق التوازن، وبقى سوق العمل يعتمد بشكل هيكلي على العمالة الوافدة، خصوصاً لدى القطاع الخاص. واستمر الكويتيون يعملون بشكل أساسي في الدوائر الحكومية ومؤسسات القطاع العام. وهو ما تؤكده هيئة المعلومات المدنية التي تشير الى أن 76 في المئة من العاملين الكويتيين يعملون في الحكومة والقطاع العام في حين يعمل 21 في المئة منهم في القطاع الخاص.

اليوم، يعمل في القطاع الحكومي 322,381 كويتياً و125,630 من غير الكويتيين، أي أن إجمالي عمالة القطاعات الحكومية تساوي 448,011 ويمثل الكويتيون 72 في المئة من المجموع. أما القطاع الخاص حيث يعمل ما يبلغ 1.6 مليون فلا يزيد عدد الكويتيين عن 61 ألفاً يمثلون 3.8 في المئة من إجمالي العاملين في القطاع. وبطبيعة الحال، هناك القطاع العائلي الذي يشمل 626,293 من الوافدين ما يعني أن العمالة الوافدة في البلاد تضم 2.3 مليون إذا أضفنا 26,231 من الوافدين العاطلين. في المحصلة، تبلغ نسبة العمالة الوافدة في سوق العمل 85 في المئة من إجمالي العاملين في سوق العمل. هناك معلم ديموغرافي لأوضاع الوافدين يتمثل بأعداد كبيرة من العاملين بين الوافدين حيث تبلغ النسبة 74 في المئة، بما يعني أن الملتحقين بعائل من الزوجات والأبناء والأقارب يمثلون اليوم 26 في المئة من إجمالي الوافدين البالغ عددهم 3.1 مليون نسمة.

 

معالم مهمة

هناك معالم أخرى للديموغرافيا السكانية في الكويت. ومنها، أن الكويتيين ينقسمون بين 51 في المئة إناث و49 ذكور في حين ينقسم الوافدون بين 69 في المئة ذكور و31 في المئة إناث، بما يجعل التوزيع لإجمالي السكان 63 في المئة ذكور و37 في المئة إناث. ويبلغ معدل نمو السكان للكويتيين في السنوات الأخيرة 2.65 في المئة سنوياً، وهو معدل مرتفع إذا قيس بالمعدل الطبيعي لنمو السكان في العالم والذي قدر في بداية هذا العام 2018 بـ 1.04 في المئة. أما معدل الخصوبة في الكويت فقد قدر بـ 2.4 طفل للمرأة في سن الإنجاب، وهذا يشمل الكويتيات وغير الكويتيات، وربما يكون المعدل أعلى لو حسب للكويتيات فقط. أما متوسط العمر فقد قدر بـ 78 عاماً، 77 عاماً للذكور وما يقارب 80 عاماً للإناث. ومن السمات الهامة للسكان في الكويت إرتفاع أعداد صغار السن والشباب حيث يبلغ عدد الكويتيين الذين تتراوح أعمارهم من 0 و 34 سنة 962,473 يمثلون 70 في المئة من إجمالي الكويتيين، في حين يبلغ عدد الوافدين، غير الكويتيين، لهذه الفئة العمرية 1,621,580 وبنسبة 52 في المئة من إجمالي الوافدين في البلاد. ويمثل إرتفاع نسبة الشباب بين الكويتيين امتحاناً للبلاد في وضع استراتيجيات ملائمة للتعليم وضبط إيقاع التوظيف ومعالم سوق العمل.

هذه التحولات الديموغرافية في الكويت على مدى زمني تجاوز سبعة عقود تتطلب معالجات منهجية لترشيد النمو السكاني في البلاد. لاشك أن التحولات المذكورة لم تأتي تلقائياً بل هي نتاج سياسات اقتصادية ومالية إنتهجت من قبل الإدارات الحكومية المتعاقبة. ويتطلب الأمر أن تُتَخذ سياسات مالية جديدة لترشيد أساليب الحياة ومنها إعادة النظر في التحملات الاجتماعية مثل منح العلاوات الاجتماعية للأبناء ما يحفز المواطنين على زيادة الإنجاب حيث اتضح أن تزايد الوافدين يتناسب طردياً مع زيادة الكويتيين الذين يعتمدون ويتكلون على الوافدين في أداء مختلف أعمال الخدمات الأساسية.

بطبيعة الحال، زادت اعداد الكويتيين خلال السنوات الماضية بشكل كبير بفعل عمليات التجنيس التي اعتمدت من السلطات. وذلك، أيضا، انعكاسات على معدلات الزيادة الطبيعية بينهم. كذلك يتطلب الأمر مراجعة النظام التعليمي لتأكيد إمكانية توفير عمالة وطنية قادرة على تحمل القيام بأعمال ووظائف وحرف ومهن لا تزال تُمارس بشكل أساسي من قبل الوافدين. وهكذا يصبح من الضروري التحفيز على الالتحاق بالتعليم المهني الذي يمكّنه توفير عمالة ماهرة تتصدى لمهن ووظائف عديدة في المنشآت الاقتصادية، وخصوصاً منشآت القطاع الخاص. إذ لا يجوز الحديث عن مشاريع تخلق عشرات الآلاف من فرص العمل دون العمل على الإرتقاء بقدرات العمالة الوطنية لشغل هذه الوظائف المرتقبة.

منشورات أخرى للكاتب