عاصفة الحزم في عامها الثالث: انحراف الأهداف وصناعة الكوارث
في الـسادس والعشرين من مارس 2015، أعلن التحالف العربي بقيادة السعودية إطلاق عملية “عاصفة الحزم” وجاءت “استعادة الشرعية الدستورية لحكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي” على رأس أهدافها.
اليوم، وإذ تحل الذكرى الثالثة للتدخل العسكري في اليمن من قبل التحالف العربي الذي ضم 9 دول، وهي الإمارات والكويت وقطر والبحرين ومصر والمغرب والأردن والسودان والسنغال، يجد اليمنيون أنفسهم أمام تقرير أممي صادم، يقول: “بعد قرابة ثلاث سنوات من النزاع، يكاد اليمن كدولة، أن يكون قد ولى عن الوجود”.
خلال الفترة (25 مارس 2015- 21 إبريل 2015)، أطلقت السعودية على عملية تدخلها العسكري في اليمن ضد “جماعة أنصار الله“ (الحوثيين) وحليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، مسمى “عاصفة الحزم“، وحددت ثلاثة أهداف رئيسية لها؛ استعادة الشرعية، القضاء على (جماعة أنصار الله) وتنظيمي “داعش“ و“القاعدة“، وتدمير الصواريخ البالستية.
وفي 21 إبريل 2015، أعلنت قيادة التحالف العربي عن توقف “عاصفة الحزم“ وبدء عملية “إعادة الأمل“، وذلك بعد إعلان وزارة الدفاع السعودية القضاء على جميع التهديدات التي تُشكل خطراً على أمن المملكة والدول المجاورة، في اشارة إلى الصواريخ البالستية والأسلحة الثقيلة التي كانت بحوزة جماعة أنصار الله وحليفهم الرئيس علي عبد الله صالح.
وبررت السعودية عملية التدخل العسكري بأنها جاءت تلبية لرسالة وجهها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، إلى قادة مجلس التعاون الخليجي، مطالباً فيها بسرعة التدخل لحماية الشعب اليمني من العدوان (الحوثي)، ومساعدة اليمن في مواجهة التنظيمات الإرهابية.
مراقبون شككوا في مصداقية الرواية السعودية، مؤكدين بأن قرار التدخل تم اتخاذه مسبقاً؛ ولم يكن مولود للحظة تلقي رسالة بعثها الرئيس هادي. وسط تكهنات بوجود أهداف وأجندات غير معلنة يسعى التحالف لتحقيقها، تحت مظلة استعادة الشرعية.
فوفقاً للمعطيات التاريخية، حرصت السعودية خلال العقود الماضية على التعاطي مع الأزمات والحروب اليمنية، من خلال انتهاج سياسة محددة تمثلت في عدم التدخل المباشر في الأزمات والحروب اليمنية، والإكتفاء باتباع تقليد ثابت بدعم حُلفائها المحليين بالمال والسلاح. لكن التطورات في المنطقة، وطموح المملكة في لعب دور يؤهلها لأن تكون قوة اقليمية جديدة، بالإضافة إلى التغييرات السياسية والتطورات الداخلية التي شهدتها، شجعت القيادة السعودية على اتخاذ قرار التدخل العسكري في اليمن، خاصة في الظروف الإستثنائية التي تولى فيها الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، فكانت (جماعة أنصار الله) العدو المفترض للمملكة بحجة محاربة المد الإيراني في اليمن.
نجحت الدبلوماسية السعودية في الحصول على غطاء عربي ودولي يُبرر التدخل العسكري، من خلال تعهدها للمجتمع الدولي، بأنها حرب خاطفة، محدودة الآثار، ومحددة الأهداف. لكن الإجراءات التي اتخذتها السعودية من إغلاق للأجواء اليمنية وفرض حصار شامل على جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية، أكدت بأنها حرب شاملة.
أهداف متضاربة وأجندات خفية
خلال ثلاثة أعوام من انطلاق العاصفة اتسمت المواقف الإماراتية – السعودية بالتناقض، في ظل تعارض في الاستراتيجيات والأهداف والاجندات. فإذا كانت السعودية هي الداعم الرئيس لقوات الرئيس هادي، فإن الإمارات لديها قوات خاصة بها خارج نطاق الشرعية. كما أن الرياض تتقارب مع حزب الإصلاح وهو ما تعارضه أبوظبي معتمدة على المجلس الانتقالي الذي يسعى للإنفصال وبعض القيادات السلفية.
اجراءات وخطوات انتهجتها الرياض وأبوظبي وصفت بـ“المثيرة للجدل“، تركزت على إضعاف الحكومة الشرعية، وبقاء هادي خارج البلاد، مع تضارب في الأجندات وتناقض في المصالح، كشفت عنها معارك مدينة عدن أواخر يناير الماضي، التي سطع فيها نجم المجلس الإنتقالي الجنوبي حليف أبوظبي وخفت ضوء حكومة هادي فيها.
خلال الفترة الماضية، غضت الرياض الطرف عن تصرفات أبوظبي، فواصلت الإمارات تنفيذ أجندتها من خلال السيطرة على الساحل الغربي وباب المندب والمخا وجزيرتي “ميون وسقطرى“، وميناء عدن، كما أصبحت تتحكم في جنوب البلاد.
في المحصلة؛ لا يبدو أن ثمة وجود لما يسمى بـ “التحالف العربي“ في اليمن، بل هي مجموعة قوى كل منها يعمل لمصالحه الخاصة في حرب تعدد فيها اللاعبون.
سياسة التحالف واتساع دائرة الرفض
دائرة الرفض لسياسات ما يسمى بالتحالف العربي اتسعت لتصل إلى حكومة هادي حين دعا وزير الدولة صلاح الصيادي في 11 مارس الجاري، اليمنيين إلى تنفيذ اعتصامات ومظاهرات تُطالب بعودة الرئيس عبدربه منصور هادي من الرياض، في اشارة إلى أن هادي يخضع لقرار الإقامة الجبرية.
نائب رئيس الحكومة عبد العزيز جباري قال أيضاَ إن التحالف العربي خذل الشعب اليمني، وهو ما جعله يتعرض إلى ضغوط ليختفي من المشهد اليمني.
بدوره، وزير النقل صالح الجبواني، اتهم الإمارات بتشكيل جيوش قبلية خارج الشرعية تهدف إلى تقسيم اليمن، داعياً إلى تصحيح العلاقة من أبوظبي. مضيفاً: “قدوم التحالف العربي كان يهدف لإسقاط الإنقلاب واستعادة الدولة اليمنية، وليس إنشاء جيوش قبلية ومناطقية تُفكك البلاد”.
القيادية في حزب الإصلاح توكل كرمان، أعتبرت هادي وحكومته، أداة من أدوات التحالف في تنفيذ أجندته غير المشروعة في اليمن. مشيرة إلى أن الشرعية والأحزاب، رهائن لدى السعودية والإمارات. وهو ما دفع حزب الإصلاح إلى تجميد عضويتها بعد انتقادها التحالف واتهامها لأبوظبي والرياض باحتلال وتقسيم اليمن.
اليمن يختفي من الوجود
وفقاً لتقرير فريق الخبراء الأممي الخاص باليمن الصادر منتصف فبراير الماضي، فإن سلطة الحكومة الشرعية قد تآكلت ومن الصعوبة عودة البلاد موحدة. مستنداً في ذلك لأربعة عوامل؛ فالرئيس عبدربه منصور هادي، غير قادر على الحكم من الخارج، وفقد السيطرة الفعلية على القوات العسكرية والأمنية. كما أن القوات المقاتلة بالوكالة والتي تمولها وتسلحها دول أعضاء في التحالف العربي تسعى إلى تحقيق أهداف خاصة بها في الميدان، تُشكل تهديداً للسلام والامن والإستقرار في اليمن.
بالإضافة إلى تشكيل مجلس انتقالي في الجنوب، يهدف إلى الإنفصال عن الشمال، حيث ينافس المجلس الحكومة الضعيفة والغائبة في جنوب البلاد.
ومما يزيد من ديناميكية المعركة تعقيداً وجود جماعات ارهابية تنشط بقوة في مناطق تدعي الحكومة تحريرها.
واتهم التقرير الأممي التحالف بانحرافه عن أهدافه وأجندته المعلنة مشيراً إلى أن اليمن كدولة اختفى من الوجود: “بعد قرابة 3 سنوات من النزاع، يكاد يكون اليمن كدولة، قد ولى عن الوجود، بدلاً من دولة واحدة، بات هناك دويلات متحاربة، وليس لدى أي من هذه الكيانات من الدعم السياسي أو القوة العسكرية، ما يمكنه من اعادة توحيد البلاد أو تحقيق نصر في ميدان القتال”!
التقرير يشير أيضاً إلى أن الإمارات تعتمد على قواتها كركيزة أساسية متجاهلة المؤسسات الامنية الحكومية، ما زاد من تقويض القدرات الأمنية والاستخبارية لحكومة هادي.
التحالف ينحرف عن أهدافه
يُدرك اليمنيون، بأن التحالف أنحرف على أهدافه في صراع النفوذ والهيمنة، في حرب يصعب التنبؤ بنهايتها، مهددة بتفتيت البلاد.
وبعد ثلاث سنوات من عاصفة الحزم وإعادة الأمل، لا يزال الرئيس عبد ربه منصور هادي خارج اليمن فيما الحكومة تتآكل وتضعف. كما أن صواريخ (جماعة انصار الله) لا تزال تُهدد السعودية مع تسجيل حضور قار لتنظيمي داعش و القاعدة في المناطق المحررة. قبالة كل ذلك، يعيش 19 مليون يمنياً وضعاً كارثياً وسط تحذيرات أممية بأن البلاد ستشهد 2018، أكبر وأعمق وأسوأ أزمة انسانية في العالم.