أولويات إصلاح سوق العمل في الخليج: إصلاح التعليم و”الكفالة”

هل يمكن لدول الخليج أن ترتقي بقدرات عمالتها الوطنية لكي تعدل من أوضاع التركيبة السكانية؟ لا شك أن هذا السؤال كبير ومهم ولن تكون الإجابة عليه سلسة أو يسيرة. اعتمدت دول الخليج منذ بداية عصر النفط على عاملين أساسيين في الحياة الإقتصادية هما الإنفاق الحكومي، أو العام، وعمالة وافدة متنوعة المهارات والقدرات لتشغيل مختلف الأنشطة في كافة القطاعات الإقتصادية. لذلك، ليس مستغرباً أن تكون نسبة العمالة الوافدة مرتفعة في بلدان مثل الامارات وقطر والكويت وتصل إلى ما يزيد الثمانين في المئة من إجمالي العمالة في أي من تلك البلدان، أو تكون مقاربة لنسبة الخمسين في المئة في السعودية والبحرين وعمان.

ولابد من التأكيد على أن هذا الوضع في سوق العمل أدى إلى انخفاض نسبة المواطنين في التعداد السكاني الشامل، وكما هو معلوم تتفاوت نسبة المواطنين في حجم السكان في بلدان الخليج بين 10 في المئة إلى 55 في المئة. ويقدر عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجية بما يزيد عن 50 مليون نسمة، ويشكل الوافدون نسبة مهمة من سكان الإمارات وقطر والكويت وتتراوح معدلات العمالة الأجنبية في هذه البلدان بين 70 إلى 90 في المئة، وبين 40 إلى 60 في المئة في السعودية والبحرين وعمان.

تتمثل معضلة الإدارات الإقتصادية والسياسية في بلدان الخليج بعدم تمكن النظام التعليمي من رفد مؤسسات الأعمال الخاصة بشكل محدد، بالعاملين المؤهلين فنياً ومهنياً للتصدي لمتطلبات الوظائف المتاحة. يضاف إلى ذلك أن طبيعة الإقتصاد الريعي، خصوصاً في البلدان الغنية مثل الكويت وقطر والإمارات وإلى حد ما السعودية، أدت إلى تأسيس منظومة قيم لا تحفز على إشغال وظائف مهمة وحيوية وعزوف المواطنين عن شغلها مثل وظائف البنائين أو العاملين في التمديدات الصحية أو أشغال الكهرباء والحدادة أو النجارة أو إصلاح الأجهزة الكهربائية أو السيارات وغيرها من أعمال حيوية.

أغفلت حكومات بلدان المنطقة التعليم المهني بالرغم من تسجيل بدايات جيدة في العقود الأولى من عصر النفط. يضاف إلى ذلك هناك عزوف عن الالتحاق بمعاهد التمريض بما أدى إلى الإعتماد الكبير على عمالة وافدة في هذه المهن الطبية المساعدة وجلبها من الهند أو الفلبين أو مصر. كما أن القطاع التعليمي مازال يشكو من قلة أعداد المعلمين والمعلمات في مدارس التعليم العام بما يضطر جلبها من بلدان مثل مصر وسوريا وتونس وفلسطين وبلدان أخرى. هناك عجز في أعداد المعلمين في مواد مثل الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية واللغة العربية واللغات الأخرى.

طرحت خلال السنوات الأخيرة مقترحات لتعديل أوضاع سوق العمل في أكثر من دولة خليجية من أجل إصلاح التركيبة السكانية. غني عن البيان أن تراجع الإيرادات النفطية بفعل انخفاض أسعار النفط عزز هذه التوجهات وإن كانت مبنية على تقديرات  غير واقعية.. إذا أرادت دول الخليج إصلاح أسواق العمل، بمعنى رفع مساهمة العمالة الوطنية فيها، فإن الأمر يتطلب تبني برامج طموحة يتم تنفيذها بتدرج وعقلانية. يمكن قبول مسألة هامة وهي وجود أعداد كبيرة من العمالة الوافدة دون توفر وظائف أو مهام حقيقية لهذه الأعداد، أو أن تواجد أعداد كبيرة من العمالة الهامشية غير المؤهلة هو نتاج نظام الكفيل في هذه البلدان الذي يتيح جلب العمالة والمتاجرة فيها وجباية أتوات منها، بما يشير إلى فساد النظام وضرورة إلغائه، كما تطالب منظمة العمل الدولية. هناك أهمية لتوفير ضمانات قانونية واضحة للعاملين القادمين من الخارج وبما يحررهم من التبعية للكفلاء المحليين وبحيث يكون تواجدهم مشروطاً بشغلهم لوظائف حقيقية، في القطاعين الخاص والعام.

يتوزع سوق العمل في بلدان الخليج بين القطاع العام والذي يشمل الدوائر والوزارات الحكومية والمؤسسات شبه المستقلة التابعة للقطاع العام، ومنشآت القطاع الخاص التي تتنوع من حيث الحجم والنشاط والكيان القانوني للملكية. كذلك هناك القطاع المنزلي الذي يوظف عمالة تتنوع من بين المربيات والمساعدات والسائقين وغير ذلك من عمالة منزلية. ورغم أن مساهمة القطاع الخاص لا تزيد في أحسن الأحوال عن 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في بلدان المنطقة إلا أن العمالة التي يستخدمها تتراوح بين 50 إلى 80 في المئة من إجمالي قوة العمل. لذلك فإن عملية الإصلاح الإقتصادي الهادفة إلى رفع مشاركة القطاع الخاص في العمل الاقتصادي من خلال برامج التخصص قد تؤدي إلى إرتفاع أعداد العمالة الوافدة ما لم توضع شروط ومعايير للتوظيف وللإرتقاء بالقدرات المهنية والتعليمية للعمالة الوطنية.

بطبيعة الحال قامت بلدان خليجية مثل السعودية وعمان والبحرين، بشكل أساسي، بتطوير أنظمة ومعايير التوظيف لدى القطاع الخاص وفرضت عمليات توطين العمالة في العديد من المهن وفي كثير من منشآت القطاع الخاص، إلا أن الشوط مازال في بدايته وهناك أهمية لإصلاح النظام التعليمي بما يوفر ثقة المشغلين في القطاع الخاص بكفاءة العمالة الوطنية.

يضاف إلى ما سبق ذكره أن التفاوت في الرواتب والأجور بين المواطنين والوافدين يشكل تشويهاً واضحاً ويدفع رجال الأعمال للتحيز إلى العمالة الوافدة. كما أن التفاوت في الرواتب والأجور بين القطاع العام والقطاع الخاص دفع، في أحيان كثيرة، لتفضيل العمل في الحكومة من قبل المواطنين.

لم تؤدي عمليات دعم التوظيف في القطاع الخاص من قبل الحكومات إلى توفير جاذبية كافية لدى المواطنين. وتظل أهمية توحيد شروط العمل وكوادر الأجور والمرتبات من الضرورات الأساسية للتخلص من التشوهات القائمة في أسواق العمل الخليجية.

توظيف المواطنين سيكون من المسائل المعقدة خلال السنوات القادمة إذا أخذنا بنظر الإعتبار أن التدفق إلى سوق العمل في اي بلد خليجي في إزدياد مضطرد حيث أن نسبة الشباب الذين تقل أعمارهم عن الثلاثين لا تقل عن 65 في المئة في المجتمعات السكانية الوطنية في هذه البلدان. وإذا أخذنا بنظر الإعتبار ما يتم رصده في الميزانيات الحكومية للرواتب والأجور وتوابعها والتزايد المضطرد في هذه البنود فإننا لابد أن نستشرف أوضاع صعبة ستواجه الحكومات في ظل أوضاع إقتصادية غير واضحة وتغيرات هامة في اقتصاديات النفط والطاقة.

منشورات أخرى للكاتب