خطاب الغريفي في البحرين: مبادرة جديدة أم خطاب ثابت؟
تداول البحرينيون في الأسابيع الثلاثة الأخيرة خطاب رجل الدين الشيعي السيد عبدالله الغريفي بمزيد من المتابعة والاهتمام، حيث انقسموا بين مؤيد ومعارض ومراقب لما يمكن أن تسفر عنه الأيام من نفي أو إثبات.
يعد السيد عبدالله الغريفي شخصية دينية بارزة، فهو من خريجي مدرسة النجف وله حضور ديني على مستوى البحرين ودول المنطقة، حيث يعتبر ضمن خمسة علماء كبار داخلياً، وهو الذي تلا بيان نعي رحيل المرجع الديني محمد حسين فضل الله، خريج المدرسة نفسها، حيث تصادف وجوده في لبنان. من هنا فإن خطابه لا يمكن المرور عليه مرور الكرام.
كل من يعيش في البحرين اليوم يشعر بأن البلد مقبل على أيام صعبة، حيث تمرّ بأزمة عميقة وغير مسبوقة. فإلى جانب الأزمة السياسية، هناك الجانب الاقتصادي الضاغط، حيث يعاني البلد من زيادة الدين العام، وتنامي العجز في الموازنة، واتجاه الحكومة إلى الاستدانة مجدّداً بمباركة مجلسي الشورى والبرلمان، بما يتجاوز حاجز الخطر الذي حُدّد من قبل بنسبة ستين في المئة. وإلى ذلك، تتردد أنباء عن تراجع معدل المساعدات التي تتلقاها البحرين من بعض دول الخليج نتيجة ما تمر به هي الاخرى من ظروف استثنائية بسبب تراجع أسعار النفط منذ العام 2014.
وفي الوقت الذي تعاني البحرين من نسبة بطالة تحصرها وزارة العمل بحدود الأربعة بالمئة، فإن هناك تقديرات أخرى ترتفع بهذه النسبة إلى أكثر من الضعفين.
إلى ذلك هناك ملف التجنيس الذي تم فتحه مجدّداً وبقوة، بعد صدور تحفظات من بعض دول الخليج المجاورة، نتيجة شكاوى محلية كثيرة من منافسة المجنّسين حديثاً في البحرين، لمواطني تلك الدول في مجال العمل، إذ يتيح الحصول على الجنسية معاملة المجنّسين معاملة المواطنين الخليجيين وبالتالي يفتح أمامهم فرص فتح أعمال تجارية خاصة. ولمّحت بعض الصحف إلى وجود أكثر من أربعين ألف مجنّس، بين عربي وأجنبي، ينافسون بشدةٍ على فرص العمل القليلة المتاحة للمواطنين في تلك الدول. وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بدور كبير في تشكيل الضغط، حيث تصدّرت بعض الهاشتاقات لعدة أيام، متعلقةً بالمنافسة الشديدة التي يلقاها مواطنو تلك الدول.
هذه الخلفية، من ضغوط خارجية وداخلية، وبالتالي وجود حاجة للتغيير وإنقاذ الموقف المتأزم، دفعت البعض إلى اعتبار خطاب السيد عبدالله الغريفي مهماً، لأنه يأتي في الوقت المناسب لتصحيح المسار، بمدّ اليد إلى الطرف الآخر للقائه في منتصف أو حتى ربع الطريق.
البعض الآخر رآى أن الخطاب ليس فيه جديد ولا يمثّل تغييراً أو قطعاً عن المرحلة السابقة، فالغريفي تميّز خطابه بالموضوعية والهدوء والانفتاح، ومحاولة اجتراح حلول وسط، ليس فقط مع مطلع العام الجديد، وإنما كان هذا دأبه قبل سنوات. فقد كان يلقي خطبه الأسبوعية مساء كل خميس في مسجد الإمام الصادق في القفول، (إحدى ضواحي المنامة)، وكانت صحيفة “الوسط” تتبنّى نشره صبيحة اليوم التالي (الجمعة)، حيث ينسجم عموماً مع خطّها التحريري ودورها الوسطي في المجتمع.
خطاب الغريفي ظلّ ينقل توجسات الشارع وهمومه وتطلعاته، ويعبّر عنها بطريقة هادئة وغير صدامية، حتى قبل تفجّر الأوضاع في 14 فبراير 2011، وكانت السلطة تردّ أحياناً في اليوم التالي، عبر تصريح لبعض الجهات السياسية أو الأمنية. واستمر ذلك لسنوات، لعبت خلالها “الوسط” دور صندوق البريد، لتبادل الرسائل بين الطرفين، الرسمي والمعارض، متمثلاً في تيار “الوفاق”، كبرى جمعيات المعارضة.
من قرأ خطاب الغريفي ضمن هذا السياق، لا يجد ثمة تغييراً جوهرياً أو انتقالاً فجائياً في إعلان الرغبة بالمصالحة الوطنية، وإنّما هو الخطاب والصوت والرسالة ذاتها: مطالبة بالمصالحة مع الحفاظ على الحقوق. وإن ارتفعت النبرة قليلاً بين فترةٍ وأخرى تحت ضغط الظروف، إلا أنها تظل تحت السقف المعتاد، على خلاف خطاب الشيخ عيسى قاسم الذي شهد الكثير من التصعيد في الفترات التي تستبد الضغوط الشديدة بالشارع.
البعض رآى فيما يطرحه الغريفي مؤخراً، محاولة مد اليد للخروج من المأزق السياسي الذي يهدّد البلد بمزيدٍ من التراجعات. وذهب آخرون إلى أنه محاولة لاحتواء أحكام الإعدام الأخيرة التي لم تكن متوقعة، خصوصاً أن الشارع لم يتعاف بعدُ من صدمة تنفيذ الإعدام بثلاثة شبان مطلع العام 2017، فضلاً عن أن الوضع العام لم يشهد أية تهديدات أمنية لافتة. وهو تفسيرٌ يقوم عموماً على افتراض حسن النية، التي لا وجود لها في عالم السياسة.
بين الرؤيتين، المراهنة على تأثير الخطاب من عدمه، يؤمن المراقبون بأن الحديث عن “مبادرةٍ” يستدعي وجود رغبة من طرفين وليس طرف واحد، مع ما يتطلبه ذلك من تنازلات مؤلمة، مازالت الساحة تفتقر إلى القبول بها. فالحكومة تجد نفسها تحت ضغط عامل اقتصادي شديد، والمعارضة محاصَرَة أُغلِقت أغلب منافذها، لا تجد لديها ما تقدّمه من تنازلاتٍ، بعد أن عرضت رؤيتها للحل في “وثيقة المنامة” قبل خمسة أعوام.