تموضع القاعدة والجماعات السلفية المسلحة جنوبي اليمن

على هامش الحرب الدائرة في اليمن، برزت إلى الواجهة تيارات سلفية فاعلة في المشهد، لعبت دورا كبيرا في مواجهة توسع جماعة “أنصار الله” (الحوثي) في المحافظات الواقعة جنوبي البلاد، ومنها مدينة عدن، أكبر هذه المدن.

مع انتهاء العمليات العسكرية بمدينة عدن، والمحافظات المحيطة لها، في تموز/ يوليو 2015، بدعم مباشر من التحالف العربي الذي تقوده السعودية، لا تزال الحركات السلفية المسلحة تشكل رقما بارزا في الصراع المحتدم في مدينة عدن، غير أن حضورها الحالي، يقع ضمن معادلة متعددة الولاءات.

تساؤلات عديدة، تثار حول مناطق تموضع الجماعات السلفية المسلحة في جنوب اليمن، ومنها تنظيم القاعدة، الذي يصنف ضمن أخطر الحركات الجهادية السلفية، وأبرزها إثارة للشواغل الأمنية، إقليميا ودوليا.

فمنذ انسحاب تنظيم القاعدة في نيسان/ إبريل 2016، من مدينة المكلا، كبرى مدن حضرموت (شرقا)، بعد عام من سيطرته عليها إثر حملة عسكرية قادتها قوات محلية مسنودة بقوات من التحالف العربي، أعاد التنظيم تموضعه في المناطق الأكثر وعورة في العمق الصحراوي، إلى جانب ذوبانه المؤقت في المدن الجنوبية.

من الملاحظ أن التنظيم الأكثر نموا في اليمن قلص هجماته ضد القوات الحكومية بشكل كبير، بل لجأ إلى إعادة ترتيب صفوفه في أعقاب الخسائر الفادحة، التي مني بها نتيجة لمقتل مجموعة من قياداته التاريخية بواسطة ضربات جوية نفذتها الطائرات الأمريكية دون طيار، خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

فيما يبدو أن أولوية القاعدة، تحاول حاليا استغلال الخلافات الناشبة بين الحكومة الشرعية وقوات التحالف في جنوب وشرق البلاد، واستثمار حالة اللاستقرار للتحرك على نطاق واسع ولملمة شتات عناصره، والتقاط أنفاسهم، في ظل الضغوط العسكرية، التي تلاحقه، وعلى رأسها ضربات الطائرات دون طيار، التي بلغت ذروتها العام الماضي.

 مع انكماش التنظيم، الذي جاء بعد توسعه الكبير خلال عامي 2015 – 2016 يُتوقع أن يعيد قادته ترتيب أولوياته الجهادية، مستغلين أجواء الخلافات والصدامات المسلحة بين القوات الحكومية، وقوات حلفاء دولة الإمارات، في مدن الجنوب، الممثلة بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” المنادي بانفصاله عن شمال البلد.

كما أن الاغتيالات، التي يتعرض لها رموز التيارات الإسلامية بمدينة عدن وغيرها، إلى جانب القمع واعتقال المئات من منتسبيها، والزج بهم في السجون السرية التي أنشأتها “أبوظبي”، دون أي مسوغات قانونية أو أطر رسمية، كل ذلك، قد يعزز فرص التنظيم، في تنفيذ حملة واسعة لاستقطاب الشباب من أوساط المجتمعات المحلية والتعهد بالثأر للمعتقلين، ما قد يتيح له، كذلك، تكوين حاضنة شعبية جديدة.

على الرغم من الخسائر، التي مني بها التنظيم الجهادي، من حيث تراجع رقعة السيطرة ومقتل عدد من القادة، إلا أن المكاسب التي حققها على مستوى التجنيد، والتسليح، والاقتصاد؛ بفعل الأموال، التي استولى عليها على هامش الحرب القائمة يمكن أن تؤهله للظهور من جديد.

لا يستبعد أن نشهد تحولا في نشاط القاعدة في العام الجاري 2018، وربما قد نشهد تصاعدا في ذلك، من خلال محاولة تنفيذ عمليات داخلية وخارجية، بعد انحسار عملياته ضد ما يصفه التنظيم بـ”العدو البعيد”، وذلك لسببين، أولهما: تثبت وجوده بعد الخسائر التي مني بها على مستوى القادة الذين كان من بينهم زعيم التنظيم ناصر الوحيشي في حزيران/ يونيو 2015. وثانيهما: انشغاله بتكوين تحالفات محلية تسمح له بإعادة انتشار عناصره، وتوزيع مهام خلاياه.

تنظيم داعش

بموازاة ذلك، يثير صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في جنوب اليمن، علامات استفهام عديدة، حول حقيقة كيانه الغامض، وظهوره الذي يتمحور حول التفجيرات، والهجمات الإرهابية، التي كان أخرها، تنفيذ هجوم انتحاري، استهدف مقرا أمنيا، في حي خور مكسر، بمدينة عدن، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017.

أمام الظهور الغامض لتنظيم داعش في جنوب اليمن، واستهدافه المتكرر للقوات الحكومية، تتزايد حدة المخاوف من تحوله إلى قوة مقابلة، تحرف مسار الحرب، من دعم الشرعية إلى محاربة الإرهاب، تزامنا مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية استهدافها معسكرا للتنظيم ومقتل العشرات من مسلحيه في البيضاء وسط البلاد.

رغم أن خسائر “داعش” غامضة كغموض التنظيم ذاته، والذي لا يزال وجوده ضعيفا ويقتصر على عناصر محدودة، إلا أن البعض ذهب إلى توصيفه بأنه” ورقة مخابراتية”.

الجماعة السلفية الموالية للإمارات

على هامش الحرب التي يقودها التحالف العربي، أنشأت الإمارات قوات ما يسمى “الحزام الأمني” بمدينة عدن الساحلية الذي يضم في صفوفه خليطا من قوى انفصالية ترفع شعار انفصال جنوب اليمن عن شماله، وعناصر سلفية جنوبية ايضا.

يمثل السلفيون التابعون للشخصية المثيرة للجدل هاني بن بريك – أحد رموز ما يعرف بـ” السلفية الجامية” (المدخلية) – الطرف الأقوى في هذا التشكيل الميليشاوي؛ حيث يضم أكثر من عشرة ألف مسلح يتلقون دعما ماليا ولوجستيا من “أبوظبي”. وفقا لتصريحات رسمية

وعلى طريقة محمود الورفلي، القيادي في جيش “خليفة حفتر” بليبيا، تمضي قوات “الحزام” بعدن، في التعامل مع المناوئين حيث تتهم بالتورط في عمليات اغتيال طالت ناشطين، وأئمة مساجد، ودعاة، بالإضافة إلى حملات اختطاف وتعذيب يتعرض له المئات من القابعين في السجون التابعة له دون أي محاكمات أو رقابة رسمية.

كما أن جماعة بن بريك المسلحة، لا تبدي أي ولاء للرئيس عبد ربه منصور هادي ولا تتلقى الأوامر منه، بل تتلقى الأوامر والتوجيهات من الإماراتيين، كما أظهرت عدائها له من خلال المشاركة في الاشتباكات التي شهدتها مدينة عدن أواخر كانون الثاني/ يناير 2018؛ حيث تعرضت معسكرات ألوية الجماية الرئاسية التابعة لهادي لهجوم مسلح من قبل قوات “الحزام الأمني”، بذريعة إسقاط حكومته، التي يرأسها أحمد عبيد بن دغر.

هنا، يمكن الاشارة إلى أن السلطات الإماراتية، بادرت إلى التحالف مع السلفيين، ودفعتهم للتحالف مع جناح الحزب الاشتراكي المنادي بانفصال الجنوب عن الشمال بهدف القضاء على حزب الإصلاح، إلى جانب كونه الكيان السياسي الأكثر تنظيما بين القوى الداعمة للسلطة الشرعية والمحسوب على حركة “الإخوان المسلمين” التي ينفي صلته بها.

الجماعات الموالية للرئيس هادي

فضلا عن ذلك، تبدو الجماعات السلفية الموالية للرئيس اليمني، من جهة، والسعودية من جهة أخرى، الحلقة الأضعف في الجنوب بعد تعضيد الإمارات الجماعات الموالية لها بمختلف أدوات وعوامل القوة والبقاء، في مقابل إفراغ المحافظات الجنوبية من تشكيلات مسلحة سلفية، ونقلها إلى جبهات خارج عدن لتمكين الموالين لها وتعزيز نفوذهم، وسيطرتهم على الأرض.

نجحت الإمارات في إضعاف الجماعات السلفية المسلحة الموالية للحكومة والمملكة في آن واحد، والدفع بها إلى أكثر الجبهات سخونة في معركة “استنزاف” مدروسة، مثل جبهة الساحل الغربي، والجبهات الواقعة في أٌقصى الشمال حيث المعقل الرئيس لجماعة الحوثيين.

من خلال الحيلة المبتكرة، تحت مسمى “الدفاع عن الأراضي السعودية” أُفرغت عدن والمحافظات الأخرى، من أبرز تشكيلات المقاومة الجنوبية، التي يقودها السلفيون، الذين لعبوا، من خلال هذه التشكيلات، دورا حاسما في مواجهة الحوثيين وطردهم من عدن. وفي المقابل، مُكّن السلفيون الموالون للإمارات من التموضع بشكل قوي، وإقامة معسكرات عديدة، وتمكينها من ممارسة عدد من المهام الأمنية والعسكرية، بعيدا عن قيادة السلطات الشرعية.

في سياق ما يعيشه جنوب اليمن من صراع معقد؛ نظرا لتعدد الولاءات داخل مختلف القوى الفاعلة، نتيجة للاستقطاب الحاد الذي شهدته مرحلة ما بعد تحرير مدينة عدن من الحوثيين، وصل الأمر إلى الصدام المسلح بين من كانوا بالأمس رفاق سلاح، وعليه فإننا أمام تعقيدات جديدة ربما تقود إلى حروب جانبية، وبالتالي فشل التحالف العربي في حربه ضد الحوثيين، وانكشاف هشاشة كياناته أمام الجميع.

منشورات أخرى للكاتب