في ذكراها السابعة: هل انتهت ثورات “الربيع العربي” فعلاً؟

لم تكن أحداث “الربيع العربي” أمراً عابراً أو اعتباطياً، بل كان وراءها أسباب موضوعية وعميقة. بؤر التوتر والاحتجاجات عادت من جديد بعد سبع سنوات من المحاولات الدؤوبة لإجهاض حراك الشارع العربي وتقويض أحلام الشعوب في الحرية والكرامة والعيش الكريم.

في الذكرى السابعة لانطلاق الربيع العربي، تعود تونس إلى واجهة الأحداث، باندلاع مظاهرات احتجاجية على السياسة المالية للحكومة، وهو حدثٌ له دلالته الكبيرة، حيث انطلقت أحداث الربيع العربي من هذا البلد، في أعقاب إشعال الشاب التونسي البوعزيزي النار في نفسه احتجاجاً على ضربه ومصادرة عربته التي كان يبيع عليها الخضار. وهي حادثةٌ أشعلت النار في الهشيم، حيث لم تمض أسابيع حتى اندفع الشرر شرقاً، ليخترق جدران أنظمة كانت تعتبر نفسها قوية ومحصنة من أي تغيير. فنزل ملايين الشباب العربي إلى الميادين الرئيسية في مصر وليبيا واليمن وسوريا وصولاً إلى بعض دول الخليج.

لم يكن الربيع العربي نتيجة تحريض من منظمات أجنبية، ولم ينزل ملايين الشباب للساحات والميادين في العواصم العربية الكبرى، بسبب مؤامرة خارجية، بل كان محصلةً طبيعيةً للإحباط الناتج عن فشل الأنظمة التي ورثت حقبة الاستعمار، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتنموياً، على مدى خمسين عاماً، فضلاً عن حالة الهزيمة التي وصلها النظام الرسمي العربي، وعجزه حتى عن تحقيق الحد الأدنى من التضامن العربي، في أحداثٍ عاصفةٍ كغزو العراق وحرب تموز في لبنان أو الحروب المتكررة على غزة المحاصرة. والتقاء هذين العاملين: فشل مشاريع التنمية الداخلية والهزيمة الخارجية، هو الذي أنزل النظام الرسمي العربي من عليائه ليتلقى صرخات الغضب والمطالبة بالرحيل.

في الذكرى السابعة للربيع العربي، لم يقتصر الحراك على البلدان السابقة، بل تفجّر في بلدان عربية أخرى، حيث طالت التظاهرات أنظمةً نجحت في الإفلات من الموجة الأولى، كما في السودان والمغرب. ففي الأسبوعين الأخيرين توالت أخبار الاحتجاجات على رفع الأسعار في السودان، فتصدّت لها قوات الأمن؛ فيما توسّعت الاحتجاجات في المغرب بعد عامٍ من أحداث “الحسيمة” التي لم تُحسم، حيث تفجّرت في مناطق أخرى.

في الموجة الأولى من الربيع العربي، كان هناك تطلعات سياسية كبرى لدى الشباب العربي، بإنقاذ الوضع الحضاري المتأزم، والوصول ببلدانهم إلى بر الأمان، بإرساء نظم حكم ديمقراطية حرة تحفظ حقوق المواطنين. وهو ما تم إجهاضه مع بداية العام الثاني (2012)، بالتدخلات العسكرية المباشرة وعسكرة بعض الثورات وإقحام الحركات التكفيرية في المعركة، ومحاولة تجميد الأوضاع الراهنة أو إعادة رموز النظام القديم، وتفريغ الانتخابات من مضمونها كما حدث في مصر وتونس.

في الموجة الثانية التي نشهد مظاهرها في هذه الفترة، تنحّت الأفكار المثالية والمبادئ النظرية لتحل محلها صرخات غضبٍ بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية الضاغطة واستمرار تراجع الحالة المعيشية للقطاع الأوسع من السكان. وفي كل هذه الدول يجري الحديث ليس عن توسع دائرة الفقر فحسب، بل عن السياسات التي تتسبّب في تآكل وإفقار الطبقة الوسطى التي تمثّل الرافعة للحراك السياسي والنشاط الاقتصادي.

وفي الوقت الذي لم تشهد دول الموجة الأولى أي تطور أو تحسن أو انفراج حقيقي، فإن الأوضاع الاقتصادية استمرت في التدهور في عموم الوطن العربي، فشملت قائمة أخرى من الدول، لندخل مرحلةً جديدةً ستستمر لسنوات، بسب فشل السياسات الاقتصادية؛ وعدم وجود برامج “إنقاذ وطني” تلتف حولها كافة الأحزاب بنزاهة وإخلاص ونسيان للذات؛ بل وعدم وجود سياسات بديلة للسياسات القديمة المتمثلة في المزيد من الاقتراض والاعتماد على الخارج. وهي سياساتٌ تنتقص من سيادة الدول، وتُراكِم الديون، وتزيد الأعباء المعيشية على الشعوب بما تفرضه من إجراءاتٍ صارمةٍ كرفع الدعم وزيادة الرسوم، والأسوأ أنها تقضي على أي أمل بإمكانية النهوض مجدداً، وتحقيق أية تنمية وطنية في المستقبل المنظور.

الوطن العربي في أزمةٍ ليس بخارجٍ منها، والربيع العربي لم يكن نزوةً ولا مؤامرةً أجنبيةً دُبّرت بليل، وإنما محاولةٌ للخروج من المأزق الحضاري الذي وجدت الشعوب نفسها تغرق فيه. وهي اليوم تدفع ثمن السياسات القديمة التي لم تُستَشر بشأنها، وتطبيق حلول ترقيعية متخبّطة تزيد الأوجاع والآلام وتزيد هذه البلدان المريضة بعداً عن سبل العلاج، بعد أن أوصلتها الأنظمة إلى هذا الخراب العظيم.

منشورات أخرى للكاتب