اقتصاد الكويت 2018: الفرص والتحديات

في اقتصاد الكويت، هل سيكون عام 2018 مختلفاً عن الأعوام التي سبقته؟ وهل يتغير أداء الاقتصاد الكويتي وتتعزز إمكانيات تنوع قاعدته؟ هناك إمكانية لتحسن الأداء بمعنى ارتفاع معدل النمو الاقتصادي جراء ارتفاع سعر النفط الخام الكويتي بعد أن تجاوز سعر برميل النفط الكويتي حاجز الستين دولاراً قبل نهاية عام 2017. هذا الإرتفاع زاد ثقة المراقبين والمسؤولين عن الإدارة الإقتصادية في حكومة الكويت بشأن إمكانيات ضبط عجز الموازنة العامة للدولة. كما هو معلوم، يعتمد الاقتصاد الكويتي بشكل أساسي على الإنفاق العام، ولذلك فإن تحسن إيرادات الخزينة العامة قد تحد من توجهات خفض الإنفاق الجاري والإنفاق الرأسمالي.

تتراوح الميزانية العامة للدولة خلال السنوات القليلة الماضية بين 18 إلى 20 مليار دينار كويتي (60 إلى 67 مليار دولار أمريكي). لا شك أن بلوغ هذا المستوى من الإنفاق العام جاء في السنوات التي ارتفعت فيها أسعار النفط إلى مستويات عالية تجاوزت حاجز 100 دولار للبرميل بما زاد من مخصصات الإنفاق الجاري، مثل الرواتب والأجور للعاملين في الدولة والمؤسسات النفطية وغيرها من مؤسسات عامة وكذلك مخصصات الدعومات الخاصة بالسلع والخدمات ومن أهمها الكهرباء والمياه والوقود.

لكن هناك تساؤل هام، هل هناك توجهات حقيقية للإصلاح الإقتصادي يتبناها مجلس الوزراء ويمكن حصد موافقة مجلس الأمة عليها؟ مجلس الأمة في الفصل التشريعي السابق كان قد أقر خطة إصلاح اقتصادي أكدت على أهمية تعديل أسعار الخدمات التي تقدمها المرافق الحكومية مثل الكهرباء والماء والصحة العامة، ورفع أسعار المنتجات البترولية مثل البنزين والديزل، وكذلك ترشيد استخدامات الأراضي الحكومية التي يتم استغلالها بموجب عقود حق الانتفاع المحدد بمدد زمنية. تلك الإصلاحات لا تزال تواجه معارضة شعبية كبيرة في البلاد ويقودها عدد من أعضاء مجلس الأمة والنقابات العمالية بيد أن مثل هذه المعارضات يمكن التغلب عليها لو عقدت الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء العزم والمضي قدماً في مشروعها الإصلاحي. يمكن الإقتداء بما يحدث في بلدان مثل السعودية والإمارات حيث أن السلطات التنفيذية تتخذ قرارات حازمة وتشرع في تنفيذها، وتعمل تلك السلطات في البلدان المجاورة لتحقيق إمكانيات التنوع في القاعدة الاقتصادية وتخفيض الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل وتخفيض مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي.

ربما يطرح مراقبون بأن أوضاع البلدان المجاورة مختلفة عن أوضاع الكويت التي تدار وفق نظام دستوري ومجلس أمة منتخب ديمقراطياً يملك صلاحيات دستورية واضحة، وبذلك يستطيع أن يضع محددات أمام توجهات السلطة التنفيذية ومن ثم إمكانية عرقلة الإصلاحات الإقتصادية التي لا تتسق مع المتطلبات الشعبية السياسية.

بعد تشكيل مجلس الوزراء في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2017 لم يجد المراقبون الاقتصاديون مؤشرات مهمة للتفاؤل بإمكانيات إنجاز الإصلاح الإقتصادي المنشود. هناك مؤشر وحيد في هذه التشكيلة وهو دخول الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح نائباً أول لرئيس الوزراء ووزيراً للدفاع حيث أنه معروف بتوجهاته الإصلاحية، السياسية والإقتصادية، وطرحه لمشاريع حيوية يمكن أن تساهم، إلى حد ما ، في تنويع القاعدة الاقتصادية مثل مشروع طريق الحرير وتطوير الجزر الكويتية لتصبح منتجعات سياحية واعدة وتطوير الموانىء والمرافىء الوطنية.

وقد يكون قرار مجلس الوزراء بمنح الشيخ ناصر صلاحيات الإشراف على تلك المشاريع مؤشراً لقناعة السلطة السياسية بأهمية تمكين البلاد من تعزيز دور القطاع الخاص وإنجاز مشاريع كبرى تساعد على إنجاز تحولات بنيوية في الإقتصاد الوطني. وبطبيعة الحال، تتطلب القدرة على إنجاز هذه الطموحات التغلب على المعوقات السياسية وتجاوز منظومة القيم الإجتماعية التي تعطل العديد من المشاريع الحيوية.

غني عن البيان القول إن إمكانيات تعديل بنية الإقتصاد الكويتي خلال عام 2018 ستظل محدودة، حيث إن الأمر يتطلب زمناً معقولاً لتحقيق النتائج الملائمة. وإذا بقت أسعار النفط متماسكة خلال العام الجديد وبحدود 55 إلى 60 دولاراً للبرميل فإن إمكانيات تخفيض عجز الموازنة ستكون كبيرة. لابد من التنويه بأن تخفيض عجز الموازنة بات ملحاً لتفادي قيام الدولة بالإستدانة مثل طرح السندات والأذونات في السوق المحلية أو الأسواق الخارجية. وهناك مخاوف من أن تطلب الحكومة رفع سقف الدين العام إلى 25 مليار دينار (83 مليار دولار). هناك إمكانيات للسيطرة على العجز إذا ما وفقت الحكومة في ترشيد الإنفاق العام، وإذا ما عمدت إلى تحويل عدد من المرافق من خلال برامج التخصيص إلى القطاع الخاص بموجب القانون 37 الصادر عام 2010.

يظل إحتمال تحقيق السيطرة على عجز الموازنة جيداً إذا ما عزمت الحكومة على المضي قدماً في إنجاز ما ورد في وثيقة الإصلاح التي طرحتها على مجلس الأمة في الفصل التشريعي السابق متجاوزة الاعتراضات السياسية.

يقدر مختصون بأن معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2018 سيكون بحدود 2.5 في المئة، وهو معدل نمو معقول، كما يشار إلى أن معدل دخل الفرد في الكويت يعتبر من المستويات الجيدة عالمياً، وعليه، تبقى وتيرة الاستهلاك الشخصي والعائلي معقولة. هناك قطاعات باتت تشكو من تراجع الطلب ومن أهمها القطاع العقاري حيث تشير البيانات المتاحة إلى تزايد أعداد الوحدات السكنية الشاغرة وتراجع المعدلات الإيجارية. يضاف إلى ذلك، أن التوظيف في مؤسسات القطاع الخاص لم تعد واعدة وهناك العديد من عائلات العمال الوافدين التي غادرت البلاد بالفعل.

إن من أهم الأمور التي يجب قياس الأداء الاقتصادي الكويتي على أساسها هي مساهمة العمالة الوطنية في سوق العمل. وكما هو معلوم، تتكدس العمالة الكويتية في المؤسسات والدوائر الحكومية في حين تتضاءل مساهمتها في منشآت القطاع الخاص. يضاف إلى ذلك أن مساهمة العمالة الوطنية في سوق العمل لا تتجاوز 17 في المئة من إجمالي قوة العمل في البلاد، أي أن الاقتصاد الكويتي يعتمد هيكلياً على العمالة الوافدة.

بات من الضروري الإنتباه لهذا الموضوع وتحسين برامج التعليم والتدريب لتوفير عمالة وطنية متمكنة من الوفاء بمتطلبات الإقتصاد الوطني وبرامج الإصلاح والتوسع في نشاط القطاع الخاص.

منشورات أخرى للكاتب